الولاية عند الشيعة الإمامية جُعلت أصلاً من أصول الإسلام و جزءاً أساسيا من عقيدته، محتجين بأنه ليس في الإسـلام أمراً أهـم من تعيين الإمام، و لم يكن للنبي – حسب زعمهم – أن يفارق الدنيا قبل أن يحسم هذا الأمر، ذلك أن الإمامة نص من الله تعالى وهي ليست بالاختيار و الشورى بين أهل الحل و العقد كما هي عند أهل السنة والجماعة.
يزعم الشيعة أن عدد الأئمة المنصوص على إمامتهم اثني عشر إماما ، لكن التبرير الذي يسوقونه للتعيين يتناقض مع مبدأ العدد المحدود، فإن كان الدين لا تقوم له قائمة بغير الإمام المعين فمن الطبيعي أن نسأل ما مصير الدين بعد انقضاء زمن الأئمة المعينين؟ هذا التساؤل المحق لا يمكن أن يجاب عليه بطريقة منطقية مقنعة إلا بالاعتراف بسقوط مبدأ التعيين من أساسه.
وقد لجأ علماء الشيعة عبر تاريخهم إلى استخدام بعض النصوص القرآنية وتكييفها بما يناسب فكرتهم المتعلقة بعقيدة الإمامة وعصمة الأئمة، ومن ذلك:
1- قوله تعالى : ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة 124) .
حاول الشيعة الاستدلال بهذه الآية على أن إمامهم لا يكون إلا معصوماً ، لأن الله تعالى – بحسب زعمهم – لا يعطي عهده لظالم الذي هو الإمامة أي الإمامة العظمى .
و غير المعصوم لا بد و أنه ظالم لنفسه و لغيره و الله سبحانه عصم اثنين أن يسجدا لصنم و هما محمد r و علي رضي الله عنه ، فنال محمدٌ عليه الصلاة والسلام الرسالة و عليٌ رضي الله عنه الإمامة[1]
ولا وجه لتفسير قول إبراهيم بما ذهب إليه الإمامية، والآية لا علاقة لها بفكرة الإمامة بالمعنى الذي أرادوا، لأن كل من التزم أمر الله تعالى ودعا إلى دينه واقتدى به الناس فهو إمام في الدين، ولا وجه لحصر هذا المفهوم بعلي بن أبي طالب وبالأئمة الاثني عشر حيث لا ذكر لهم صراحة ولا ضمنا في الآية ولا في غيرها في القرآن الكريم.
إن الرسالة لمحمد لا يختلف عليها اثنان، فقد نزلت عليه وأمره الله تعالى بتبليغها، أما الولاية لعلي فلا يوجد آية واحدة تذكر ذلك صراحة ولا إشارة، وكل آية يوردها علماء الشيعة بهذا الخصوص إنما يفسرونها بحسب تصورهم لا بحسب أصول تفسير الكتاب، وهم بذلك يصدق فيهم قوله تعالى:
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ (آل عمران 7)
أي ما تشابه من الكتاب بما يعتقدون، بأن يأخذ كلمة أو اثنتين من آية ثم يعطونها معنى ثم يبنون على المعنى تصورا ومعتقدا.
2- قال تعالى : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة 55) .
استدل الشيعة بهذه الآية الكريمة على أحقية علي بالإمامة بعد الرسول r حيث اعتبروا أن هذه الآية تدل على شرعية إمامة علي رضي الله عنه بعد النبي [2] وقد ادعوا الإجماع على ذلك، يقول ابن المطهر الحلي : (اتفق المفسرون و المحدثون من العامة و الخاصة أنها نزلت في علي لما تصدق على المسكين بمحضر من الصحابة…) [3].
والحق أن هذه الآية لا تثبت شيئاً مما يدعيه الشيعة، لأنها تخاطب مجموع المؤمنين و ليس علياً على وجه الخصوص.
والآية التالية تبين أن المؤمنين جميعا بعضهم أولياء بعض:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 71)
وهكذا يبطل تخصيص آية الولاية (المائدة 55) بعلي رضى الله عنه دون غيره من المؤمنين.
3- قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب: 33)
زعم الشيعة أن لفظ أهل البيت في الآية مقصور على النبي عليه الصلاة والسلام و على علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين ليصلوا بعد ذلك إلى أن الأئمة معصومين من جميع القبائح بحسب منطوق واستدلال الآية السالفة ، فالآية تقتضي المدح و التعظيم في ثبوت عصمة آل البيت و منهم الأئمة من جميع القبائح و الذنوب و الخطايا [4] .
والحق أن هذه الآية لا علاقة لها بعلي وأبنائه أصلا[5]، لأنها تتحدث عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وواجبهن في تبليغ الكتاب والحكمة. سياق الآية كما يلي:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ (الأحزاب: 32-34)
ولإبطال دلالة الآية على أزواج النبي كان لا بد من اختراع أحاديث تبطل دلالة الآية في أذهان الأتباع، فاخترع الكثير منها كحديث الكساء[6] الذي ترويه كتب الشيعة وأهل السنة على السواء.
*ما ورد أعلاه هو جزء من مقالة الشيعة في ميزان القرآن ولقراءة المقالة كاملة يرجى الضغط على العنوان المرفق؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر تلخيص الشافي ، ج 1/ قسم 2/253 – والطبرسي، مجمع البيان ، ج1/457.
[2] الطبرسي، مجمع البيان ، ج2/182.
[3] ابن المطهر الحلي، منهاج الكرامة ، ص147.
[4] الطبرسي، مجمع البيان ، ج1/50 .
[5] انظر عبد الله القيسي، أهل البيت في القرآن، موقع حبل الله https://www.hablullah.com/?p=7624
[6] روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا محمد بن مصعب، قال: حدثنا الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع، وعنده قوم، فذكروا عليا، فلما قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: أتيت فاطمة رضي الله تعالى عنها أسألها عن علي، قالت: توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضي الله تعالى عنهم، آخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا، وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه – أو قال: كساء – ثم تلا هذه الآية: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ [الأحزاب: 33] وقال: ” اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق “» «مسند أحمد» (28/ 195 ط الرسالة)