حبل الله
أهل البيت في القرآن الكريم

أهل البيت في القرآن الكريم

الباحث: عبد الله القيسي

مقدمة:

يدفعني للكتابة في هذه المصطلح القرآني ما لحقه من تحريف وتزييف تبعه بناء منظومة فقهية وفكرية وسياسية قامت في الأساس على ذلك التحريف. وفي هذه المقالة سأقف على المقصود بأهل البيت في القرآن بحسب دلالات اللغة وسياق الآيات التي ورد في المصطلح.

الأهل في اللغة

يقول الخليل بن أحمد: أهل الرجل زوجه وأخص الناس به، والتأهل التزوج وأهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به[1].

وأهل الرجل من يجمعه وإياهم مسكنٌ واحد[2].

ولفظ الأهل ورد في القرآن الكريم ١٢٦ مرة مُضافًا إلى مفرد أو ضمير، وأهل الشيء: هم أصحابه الملازمون له، أو الأولى بهذا الشيء من غيرهم، يقول الشيخ ابن عاشور: الأهل هُم الفريق الذين لهم مزيد اختصاص بما يضاف إليه اللفظ[3].

وما جاء في القرآنِ يؤكد ذلك، فأهل القرية، وأهل المدينة، وأهل البلد، وأهل الأرض، وأهل مدين، وأهل يثرب، وأهل النار، هم أصحابها وساكنوها المقيمون فيها الملازمون لها.

وأهل الكتاب، وأهل الإنجيل، وأهل الذكر، وأهل التقوى، وأهل المكر، هم أصحابه وحملته.

وأهل السفينة هم ركابها الذين تجمعهم.

أهل الرجل في القرآن

وأما أهل الرجل في القرآن فقد جاء للدلالة على الزوجة – القصص:٢٩، هود:٨١، ويوسف:25 وعلى الأولاد والأبوين والأخوة – يوسف:٩٣، طه:٢٩.

فجاء في سياق الزوجة: عند قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ [القصص:29]. ولم يكن معه ساعتها غير زوجه[4]. ويقول تعالى عن إبراهيم ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ [الذاريات:26]، يقصد زوجه. وقال تعالى عن أيوب ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء:84]، والمقصود بأهله زوجته. وامرأة العزيز خاطبت زوجها فقالت: ﴿مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا﴾ [يوسف:25] أي بزوجتك.

وجاء في سياق الأولاد: عند قوله تعالى عن لوط: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف:83] أي لوط وأولاده.

وجاء في سياق الأخوة: عند قوله تعالى عن موسى: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي﴾ [طه:2-30].

وجاء في سياق الأبوين: عند قوله تعالى في قصة يوسف على لسان إخوته ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾ [يوسف:65]، ﴿مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ [يوسف:88]، وعلى لسان يوسف ﴿اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [يوسف:93].

وأما أهل البيت: فهذا المركب يشمل الأهل الذين يسكنون مع الرجل في بيت واحد، فأهل بيت الرجل هم من يسكن معه من المذكورين أعلاه، فإن غاب عنه أحدهم ولم يسكن معه في نفس البيت فهو من أهله لا من أهل بيته. وقد ورد لفظ الأهل مضافاً للبيت في القرآن مرتين:

الآية الأولى:

يقول تعالى: ﴿قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾ [هود:73].

سياق الآية: يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)﴾ [هود:69-74].

وخلاصة معنى الآية في ضوء سياقها: قالت الملائكة لزوجة إبراهيم: أتعجبين من أن يأتيكما ولد على كبركما، وهو من أمر الله الذي لا يعجزه شيء؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل بيت النبي إبراهيم، إنه سبحانه وتعالى حميد مجيد. ومن يخرج معنى الآية إلى غير أهل بيت إبراهيم فإنه يخالف دلالة اللغة وسياق الآيات.

“وتعريف البيت تعريف حضور، وهو البيت الحاضر بينهم الذي جرى فيه هذا التحاور، أي بيت إبراهيم- عليه السلام- والمعنى أهل هذا البيت. والمقصود من النداء التنويه بهم ويجوز كونه اختصاصا لزيادة بيان المراد من ضمير الخطاب. وفي اختيار وصف الحميد من بين الأسماء الحسنى كناية عن رضى الله تعالى على إبراهيم- عليه السلام- وأهله”[5].

فأهل البيت في هذه الآية كما رأينا واضح من السياق أن المقصود به أهل بيت إبراهيم عليه السلام، أي هو وزوجه.

الآية الثانية:

يقول تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33].

سياق الآية: يقول تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) ﴾ [الأحزاب:32-34].

وخلاصة معنى الآية: إنما يريد الله بكل ما يأمركن به وينهاكن عنه أن يزكيكنَّ ويبعد عنكنَّ الأذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي، ويطهِّر نفوسكم غاية الطهارة.

وهذه الآية رغم وضوح معناها وبساطته وسهولته في ضوء السياق إلا أن الروايات التي جاءت أثناء الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، ابتعدت عن هذا المعنى القريب وذهبت إلى معنى آخر لا يحتمله السياق، بل وحمّلت هذه الآية ما لا تحتمله من المعاني.

فالبعض أخرج أزواج النبي وهن المخاطبات في الآية، إذ الآيات من أول سورة الأحزاب خطاب لهن، والبعض الآخر كان أحسن حالا فقال إنهن المقصودات ولكن ندخل بجوارهن من ذكرتهم الروايات، دون أن يتنبه أن الرواية قد أزاحت المقصود أساساً من النص، وهو ما اختص به زوجات النبي عليه السلام من جزاء مضاعف في المثوبة والعقوبة، وذلك بقصد تطهير بيت النبي عليه السلام.

إن سياق الآيات في سورة الأحزاب يدل بوضوح على أن المقصود بأهل البيت في هذه الآية هم أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أراد أن يستبين ذلك فليقرأ الآيات التي جاءت قبلها وبعدها، فالآيات في بدايتها وفي آخرها يخاطب فيها الرب جل وعلا نساء النبي عليه الصلاة والسلام، فكيف يقال إن المخاطب في قوله عز وجل: (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) غيرهن؟!

وهذا ما حققه العلامة رشيد رضا في مجلة المنار وهو الذي يذكر أن نسبه: “علوي فاطمي، حُسيني الأب حَسني الأم عالِم بالأخبار والآثار الواردة…  ولكن كتاب الله فوق كل شيء، وحكمه فوق كل حكم”[6].

يقول رحمه الله: “اعلم أن بعض الناس قد تكلموا في هذه الآية بالرأي، فزعموا أن المراد بأهل البيت جميع ذرية فاطمة. والحق الذي لا محيد عنه إلا إلى الهوى، أن المراد بالبيت في الآية بيت النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يسكنه، وهو جنس، والمراد بأهله هو ونساؤه”[7].

وفي رده على الروايات التي جاءت متعلقة بالآية كحديث الكساء وغيره:

” اعلم أن ما ورد من الروايات في تخصيصها بفاطمة وعلي وولديهما مما يتبرأ منه سياق الآية؛ إذ يصير معنى الآيات: يا نساء النبي لا تفعلن كذا، ومن يفعل منكن كذا، فجزاؤه مضاعف ضعفين، يا نساء النبي افعلن كذا وكذا. إن الله لا يريد بهذه الأوامر والنواهي إلا إذهاب الرجس عن علي وزوجته وولديه وتطهيرهم من كل ما يفضي إلى اللائمة تطهيرًا كاملاً! وإن رواية تفضي إلى هذا مما يُقْطَع ببطلانها، وإن صحح بعض المحدثين سندها، بل أقول: إنه لا معنى لإدخالهم في عموم الآية، فضلاً عن تخصيصها بهم، ولا مزية في ذلك لهم، وهم غير مخاطَبين بتلك الأحكام التي شرعت لأجل إذهاب الرجس بالعمل بها، وإنما كان يكون في ذلك مزية لو كانت الإرادة للتكوين وكان الإخبار بها ابتدائيًا غير معلق بشيء”[8].

ويتعجب من تقديم القوم روايات على كتاب الله فيقول:

“وإنني لأعجب أشد العجب كيف عظم افتتان الناس بالرواية في الصدر الأول، وإن كانت مخالفة لصريح القرآن، حتى قال من قال في هذه الآية: إنها خاصة بأهل الكساء أو عامة لبني هاشم وبني المطلب لحديث الترمذي والحاكم في الأول، وحديث الحكيم الترمذي والطبراني وابن مردويه وأبي نعيم في الثاني، ولا يصح في ذلك شيء خلافًا للترمذي والحاكم”[9].

يقول ابن عاشور: “أهل البيت: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والخطاب موجه إليهن وكذلك ما قبله وما بعده لا يخالط أحدا شك في ذلك، ولم يفهم منها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون إلا أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام هن المراد بذلك وأن النزول في شأنهن”[10].

“وقد تلقف الشيعة حديث الكساء فغصبوا وصف أهل البيت وقصروه على فاطمة وزوجها وابنيهما عليهم الرضوان، وزعموا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لسن من أهل البيت”[11].

الخلاصة:

جاء لفظ “أهل البيت” في القرآن الكريم في موضعين، الأول في سورة [هود:73]، ويعنى أهل بيت إبراهيم عليه السلام، أي هو وزوجه، والثاني في سورة [الأحزاب: 33]، ويعني أهل بيت النبي عليه السلام أي هو وأزواجه.

ولا يوجد في كتاب الله ما يميز أحداً من أهل النبي أو أقاربه أو ذرية أقاربه إلا ما جاء مخصصا لنساء النبي فقط، مما ذكرته الآيات وذكرت علته، وأما المحبة والرفعة عند الله فمعيارها كسبي يمكن أن يتسابق الناس فيه، وهو الإيمان والتقوى والعلم والعمل الصالح، فمن تمثل بهذه الصفات فهو الذي يستحق المحبة والرفعة عند الله سبحانه، يقول تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[المجادلة:11]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13]، وليس المعيار في ذلك نسب الرجل كونه قريبا من النبي عليه الصلاة والسلام أو ليس قريبا منه، فبعض أقربائه كادوا للإسلام أكثر من غيرهم، وبسبب رفض إبليس لأمر الله نتيجة ترفعه على آدم _كونه من نار وآدم من طين_ كان إبليس من الصاغرين وكانت اللعنة عليه إلى يوم الدين.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله ww.hablullah.com

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] كتاب العين (4/ 89) وانظر معجم مقاييس اللغة (1/ 151). تهذيب اللغة ج6/ص220.

[2] المفردات في غريب القرآن ج1/ص29.

[3] التحرير والتنوير 2/330.

[4] ذكرت أيضا في سورة النمل 7 وسورة طه 10.

[5] التحرير والتنوير 12/121-122.

[6] مجلة المنار 9/289.

[7] مجلة المنار 9/289.

[8] مجلة المنار 9/289.

[9] مجلة المنار 9/289.

[10] تفسير ابن عاشور 22/14-15.

[11] أضواء البيان للشنقيطي 6/238.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.