حبل الله
النظرة الشرعية للمكالمات الباردة/ التسويقية

النظرة الشرعية للمكالمات الباردة/ التسويقية

السؤال:

أود أن أسأل عن حكم العمل كموظف للمبيعات عن طريق الهاتف، حيث إن أغلب الشركات تعمل بنظام المكالمات الباردة، وهو أن تأخذ مجموعة من الأرقام ويكون دور كل موظف أن يتصل على هذه الأرقام ويحاول أن يبيع لأصحابها. وقد أشكل عليَ أمران، وهما أني لا أعلم من أين تأتي الشركات بهذه الأرقام، وهل يأذن أصحابها بالاتصال عليهم، وهل يكون في ذلك ضرر أو إيذاء أو تعدي على خصوصياتهم (ارقامهم الخاصة) ، وبالفعل كثيرا ما أقرأ لأشخاص يشتكون من كثرة إنزعاجهم من مكالمات عن العقارات مثلا أو التبرعات الخ.. فما هو الحكم الشرعي هنا؟

الجواب:

سنحاول الإجابة على سؤالك القيم بأربعة محاور:

الأول: ما هي المكالمات الباردة

المكالمات الباردة: هي مكالمات هاتفية غير متوقعة يقوم بها البائعون أو المسوّقون للتواصل مع العملاء المحتملين الذين لم يبدوا اهتمامًا مسبقًا بالمنتج أو الخدمة المقدَّمة، فهي عملية اتصال مباشرة بشخص أو شركة بغرض الترويج أو البيع دون وجود تفاعل أو طلب سابق من الطرف المتصَل به. وغالبًا ما تُستخدم في مجالات المبيعات والتسويق لجذب عملاء جدد أو الترويج لمنتجات وخدمات غير معروفة لهم مسبقًا.

الثاني: مصدر الأرقام وحقوق أصحابها

إذا كانت الشركة تحصل على الأرقام من مصادر غير مشروعة، مثل شرائها دون إذن أصحابها، أو باستخدام وسائل تنتهك الخصوصية، فهذا غير جائز، لأن الإسلام يحرم التعدي على خصوصيات الآخرين. قال الله تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌لَا ‌تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: 27] 

هذه الآية توجب الاستئذان عند الدخول إلى بيوت الآخرين، وفي الوقت نفسه تقرر مبدأ عاما في احترام خصوصيات الآخرين وعدم الدخول في مجالهم الشخصي في البيت أو الهاتف أو في علاقاتهم الخاصة.

أما إذا كانت الأرقام مأخوذة من مصادر مشروعة، مثل أشخاص سجلوا بياناتهم بموافقتهم لدى الشركة أو المؤسسة، فالأصل في ذلك الإباحة، بشرط عدم الإزعاج أو الإلحاح المفرط، وبشرط اختيار الوقت المناسب للاتصال.

الثالث: الإزعاج والتعدي على خصوصية الناس

كثرة الاتصالات دون إذن قد تدخل في باب إيذاء الآخرين، والإيذاء منهي عنه بالجملة، وقد وصف الله تعالى الذين نادوا على نبينا الكريم من وراء الحجرات وأصروا في النداء بأنهم قوم لا يعقلون وأنزل في شأنهم قرآنا يتلى ويقرر مبدأ مهما في الحياة الاجتماعية وهو تحريم إزعاج الناس وإيذائهم:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ ‌الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 4- 5] 

وقد روي عن النبي الكريم ﷺ أنه قال: لا ضرر ولا ضرار (رواه ابن ماجه).

فإذا كان الناس يشتكون من كثرة المكالمات ويشعرون بالإزعاج، فقد يكون من الأفضل تجنب هذا النوع من العمل أو البحث عن شركات تتبع سياسات تحترم خصوصية العملاء.

بعض الشركات تمنح المستهدَف أو العميل حرية استقبال المكالمات و الرسائل أو حظرها، وهذه خطوة جيدة للحد من إزعاج الناس وإيذائهم.

الرابع: هل يجوز العمل في هذا المجال؟

إذا كانت الشركة تحترم خصوصية العملاء، وتقدم منتجات أو خدمات مشروعة، ولا تلجأ إلى الإلحاح المزعج أو الخداع في الإقناع، فالأصل الجواز.

أما إذا كان العمل يتطلب إلحاحًا مزعجًا، أو الاتصال بأشخاص لم يأذنوا بذلك، أو بيع منتجات محرمة أو مضرة، فمن الأفضل تجنبه.

الخلاصة:

– إذا كانت الأرقام مأخوذة بإذن أصحابها، والمكالمات تتم بأدب دون إلحاح أو خداع، والعمل في منتج مباح فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى.

– إذا كانت الأرقام مأخوذة بطرق غير مشروعة، أو تسبب إزعاجًا، أو يتطلب العمل الإلحاح والخداع فمن الصواب تجنبه.

-إذا كنت تشعر بالقلق حول مصدر الأرقام أو أسلوب العمل، فالأفضل البحث عن وظيفة أخرى أكثر وضوحًا من الناحية الشرعية. والله أعلم.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.