حبل الله
مناقشة بيان علماء المسلمين إلى رئيس تنظيم الدولة الإسلاميّة

مناقشة بيان علماء المسلمين إلى رئيس تنظيم الدولة الإسلاميّة

مناقشة بيان علماء المسلمين

إلى رئيس تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام

(داعش)

توجّه عددٌ كبيرٌ من العلماء المسلمين برسالةٍ مفتوحةٍ[1] لقائد ما بات يُعرف بالدولة الإسلاميّة في العراق والشّام المدعو (أبو بكر البغدادي)، وكانت الرسالةُ عبارةً عن بيانٍ للأخطاء التي وقع فيها التنظيمُ في كلٍّ من العراق وسوريا داعيا إياهم إلى تصحيح تلك الأخطاء، كما تضمّن البيانُ نصائحَ وعظاتٍ وجّهها العلماءُ لقائد التنظيم وأتباعه كنهُها الكفُّ عن الأخطاء والجرائم التي يرتكبونها كلّ يومٍ مخالفين بها تعاليمَ الإسلام.

هذا البيان وإن كان مُحقّاً في بيان أخطاء التنظيم التي ملأ صداها الدنيا بأسرها وجعل المسلمين مرّةً أخرى في مرمى التهمة بالتخلّف والإرهاب التي ما انفكّ الغربُ يؤمن بها حتّى دون أفعال داعش، إلّا أنّ البيان لم يتعرّض إلى الأصول التي ارتكزت عليها داعش وهي تنفّذُ هذه الأعمال ابتداءً بإعلان الخلافة من جانبٍ واحد وليس انتهاءً بالقتل الجماعي للمخالفين والأسرى وكلِّ من يمرُّ في طريقهم.

ونحن هنا في مركز بحوث الدِّين والفطرة في اسطنبول نودُّ الوقوف على بيان العلماء الذي أراد معالجة المشكلة موضعيّاً في الوقت الذي تغافل فيه عن البعد التاريخي والتراث الفقهيِّ الموروث الذي استندت عليه داعش وهي تمارس أفعالَها على الأرض.

وربّما يتساءل مَنْ يقرأ ردَّنا على بيان العلماء: ما علاقةُ البعد التاريخيّ والموروث الفقهيِّ بما تفعله داعش هذه الأيّام؟! نُجيب على ذلك بما يلي:: إنّ حاضرَنا ومستقبلنا سيبقى مرتهناً لتاريخنا إنْ لم نقرأه بعين الناقد لا بعين المُقدِّس. عندما يذهب المريضُ إلى الطبيب فإنّ هذا الأخير سيسألُه أوّلاً عن تاريخ المرض في العائلة وعن تطوّر المرض الذي قد يعود إلى سنوات عديدة. كذلك علينا أن نفعل اليوم، وبغير هذه الطريقة لن نتمكّن من الخروج من مآزقنا التي لا تنتهي بل تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم.

نركّز في ردّنا على البُعد التاريخي والموروث الفقهي لنبيّن للقارئ الكريم أنّ أصلَ المشكلة ليس في داعش بقدر ما هو في الموروث الثقافي والتاريخي الذي يستند عليه هذا التنظيم والتنظيمات المشابهة له،  ذلك الموروث الذي شكّل بديلاً للإسلام الأصيل الذي رضيه الله تعالى لنا وسطَّره في كتابه وظهر في تطبيقات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

إنّ الدّين الموازي الذي ضربَ جذورَه في أرض المسلمين بعد فترةٍ وجيزةٍ من وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد تطوّر من خلافٍ سياسيٍّ إلى خلافٍ دينيٍّ وأصولي؛ حيثُ رضي كلُّ فريقٍ بما لديه من نصوصٍ نُسبت إلى النبيّ والصحابة وآل البيت؛ حيث شكّلت تلك النصوصُ والرواياتُ المصدرَ البديلَ للنصِّ القرآنيِّ؛ إذ أُعطيت حقَّ السيطرة عليه تفسيراً وشرحاً وتقييداً وتخصيصاً ونسخاً. وكانت النتيجةُ أنْ ظَهَرَ في كلِّ زمان مَنْ يقوم بالقتل والاستيلاء على حياة المسلمين مستنداً على ذخيرته من تلك النصوص التي زخرت بها كتبُ السنن والمذاهب والسير والمغازي.

وسنتناول هنا الأفكارَ الرئيسيّة التي تضمّنها البيانُ على النحو التالي:

1_ انتقدَ البيانُ خطابَ الناطق باسم داعش الذي افتتحَ حديثَه بحمد الله تعالى الذي بعث “نبيَّه بالسيف رحمةً للعالمين”، وتساءَلَ البيانُ كيف تستوي الرحمةُ والسيف؟ لا شكّ أنّ هذا كلامٌ جميلٌ، لكنّ البيان لم يتعرّض إلى ذكر النصوص التي استند إليها المتحدّثُ باسم داعش. وها نحنُ هنا نذكّر العلماءَ بتلك النصوص ولا نراهم يجهلونها:

عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: ” بُعثت بالسيف حتى يُعبد الله لا شريك له” فإن قُلْتم إنّ الحديث ضعيفٌ من عدّة وجوه. قلنا: ما رأيُكم بما رواه أبو هريرة ، قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أُمرتُ أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسولُ الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة» حيث يعلّق الألباني على هذه الحديث بوصفه بالمتواتر وهو أعلى مراتب صحّة الحديث. فرواية أبي هريرة تؤيّد رواية ابن عمر، وما فعلته وتفعله داعش ما هو إلّا تطبيقٌ لنصِّ الحديثين !

إنّ نصوص القرآن الكريم ترفض قَبول مثل هذه الروايات المتعارضة مع تقريره أنْ “لا إكراه في الدين”[2]، وأنْ “مَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر”[3]، و”لست عليهم بمسيطر”[4] . والآيات في هذا الصدد كثيرةٌ. والحديثان السابقان يقرّران عكس ما قرّره القرآنُ تماماً، والناطق باسم داعش لم يخرج عن أصول الفقه المقرّرة عند علماء المسلمين التي تنصُّ على أنّ السنّة شارحةٌ ومفصِّلةٌ ومقيِّدةٌ ومتمِّمةٌ وأحيانا ناسخةٌ للكتاب، وما فعله الرجل الداعشيّ أنّه التزم تلك الأصول تماماً، فقد أخذ بالحديث التزاماً بالقاعدة الأصولية المضطردة القائلة بأنّ السنّة قاضيةٌ على الكتاب.

2_ جاء في بيان العلماء “أنّ كلَّ ما جاء في السّنّة الصحيحة وحيٌ ولا يجوز أن يُترك البعضُ ويُؤخذ بالبعض الآخر، وبالتالي يجب التوفيقُ بين النصوص قدر المستطاع، أو أن يكون هناك سببٌ واضحٌ لترجيح أمرٍ على أمر . وهذا ما شرحه الإمامُ الشافعي في “الرِّسالة” وأجمعَ عليه علماءُ الأصول على بَكرة أبيهم”.

ولنا أن نسألَ العلماءَ الكرام؛ إنْ كانت السّنّةُ وحياً فلماذا لم تُحفظ بالطريقة التي حُفظ بها القرآنُ الكريم؟! أم أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قد قصّر في حفظ هذا النوع من الوحي؟! وماذا لو لم يجمع علماءُ القرن الثالث والرابع الأحاديث “المُوحى بها”؟ هل كانوا يأثمون؟! وإن كانت الإجابة بنعم، فهل يعني ذلك أنّ مَنْ سبقهم من الرعيل الأوّل قد أثموا لامتناعهم عن هذا الفعل؟!!.

إنّ الهروبَ إلى الأمام لا يُجدي، يجبُ على علماء المسلمين أن يكفّوا عن وصف السّنّة بالوحي. السّنّة هي تطبيقُ النبيّ للقرآن وهي الحكمة المركوزة فيه، وهي لا تنفصل عن الكتاب بحال، بل هي مقيَّدةٌ به فهماً وتطبيقاً. ونذكِّر علماء الأمة بقوله تعالى مخاطباً نبيَّه: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام، 106) وبقوله تعالى {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف، 203) وبقوله تعالى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (يونس، 15)

3_ قتلُ الأبرياء: حيث يُنكر العلماءُ على داعش قتلَ الأبرياء، وحسب التوصيف الأصيل للبرئ فإنّه ذلك الشخص الذي لم يشترك في القتال . ولو نظرنا في تراثنا الإسلاميَّ سنجد أنّ قتل الأبرياء عادةٌ انتهجها الحكّامُ والسلاطينُ المسلمون بدايةً من عصر الأمويين وحتى عصرنا هذا، ولم يفترق المسلمون عن هذه السّنّة السّيّئة إلّا في حوادثَ نادرة.

إنّ إعمال القتل في الأبرياء يجد مستنداتٍ “شرعيةً” تؤيّده، فالروايات التي تُفيد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قتل كلَّ رجال بني قريظة تغذّي هذا الفهم، ومن المعلوم أنّ الرجل ليس مُقاتِلاً بالضرورة، وهناك رواياتٌ تقول أنّه عليه الصّلاة والسلام قد قَتَلَ مَنْ أنبتَ منهم (أي ظهر له شعرُ العانة) ولا يقبل عاقلٌ أنّ أمثال هؤلاء محاربون، والتصديقُ أنّ النبيّ صلّى الله عليه قد قتل أمثال هؤلاء هو المستند الذي تركن إليه داعش في قتل الأبرياء، ومثل هذه القصص كثيرةٌ في تراث المسلمين، ومع ذلك لا نجد علماء الأمّة يقفون على أصل المشكلة ليقولوا بوجوب نقد الروايات وإخضاعها لميزان الكتاب الذي أرسله الله هدىً للعالمين. فما وافق الكتاب من الروايات كان الحكمة التي نطق بها النبيُّ وعمل بها ومارسها سلوكاً في حياته، وما خالف القرآن نترك الاحتجاج به؛ لأنّه لا يمكن أن تصحّ نسبتُه إلى النبيّ.

ولا يمكن لعاقلٍ أن يقبل إلغاءَ حكم الآية للأخذ بالحديث الذي يعارضها تحت مسميات الجمع بين النصوص والتوفيق بينها، لأنّه لا يمكن التوفيق بين متعارضين إلّا بإسقاط أحدهما كليا أو جزئيا، وما يُؤسف له حقّا أنّ نصوص القرآن غالبا ما تُؤوّل أو تُلغى من أجل إعمال الروايات المنسوبة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

4_ قتلُ الأسرى: استنكرَ بيانُ العلماء قتل الأسرى الذي أقدمت عليه داعش واصفين ذلك بالوحشيّ والبشع. ولي أن أسأل هؤلاء العلماء عمّا يصدّقونه ويؤمنون به من قتل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأسرى بني قريظة وكانوا بالمئات، أليستْ ممارسات داعش هي التطبيقُ العمليٌّ الصادق لما تؤمن به؟! أمّا أنتم فرغم إيمانكم بأنّ الأسير يُقتل ويُخيّر فيه الإمامُ إلّا أنّكم تنكرون على داعش ذلك. أليس هذا تناقضاً؟

بعد أن أمر اللهُ تعالى بشدِّ الوثاق جاء توضيحُ مصير الأسرى صريحاً في قوله تعالى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوزارها} (محمد،4) فقد حصرت الآيةُ مصيرَ الأسير في خيارين لا ثالث لهما؛ وهما المنُّ أو الفداء، والمنّ أن يُطلقَ سراحُ الأسير دون مقابل، أمّا الفداء فأن يُطلق سراحُه مقابل مال أو خدمة.

وقد التزم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أمر ربه إيّاه كما ورد في قصة أثال الحنفي[5] وفي تعامله مع أسرى بدر وغيرها من الغزوات. وما رُوي عنه صلّى الله عليه وسلّم غير ذلك فإمّا أن يكون في دائرة الإفتراء عليه كالروايات التي تفيد قتله أسرى بني قريظة[6]، وإمّا أن يكون الأسير قد ارتكب جريمةً توجب قتله قصاصاً كأن يكون قد قتل معصوما في غير حرب.

والقول بأنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بقتل الأسرى هو اتهامٌ للنبيّ بمخالفة القرآن. وحاشاه أن يفعل. ولو صدر من النبيّ اجتهادٌ خاطئٌ بهذا الخصوص لعاتبه الله عليه عتاباً شديداً كما حصل في اتخاذه الأسرى يوم بدر.

ورغم وضوح حكم الأسير بنصّ القرآن وصحيح السيرة إلّا أنّ المذاهبَ الإسلاميّةَ في جملتها ذهبت إلى جواز قتل الأسير واسترقاقه، بل إنّ بعض المذاهب كالمذهب الحنفي نصَّ على أنّه لا يجوز إطلاقُ سراح الأسير مَنَّاً (بدون فدية)، وهذا من أعظم الجرأة على كلام الله، وهو ليس فقط تحريف للنصِّ القرآنيِّ بل إنّه يُلغيه كلّيّاً. فأين علماءُ المسلمين من هذا؟ أم أنّه يحرم مناقشةُ التراث في الوقت الذي قفز فيه التراثُ على النصوص المُحكَمة في الكتاب العزيز؟!.

5_ معاملة النصارى: استنكر البيانُ معاملة داعش للنصارى وأهل الملل الأخرى. وأنقلُ للعلماء الأفاضل روايةَ  أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَهْلُ الْكِتَابِ لَا تَبْدَأُوهُمْ بِالسَّلَامِ، وَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ»[7]. ويعلق الشوكاني على هذا الحديث بقوله: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَ لِلذِّمِّيِّ صَدْرَ الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ إنْزَالِ الصَّغَارِ بِهِمْ وَالْإِذْلَالِ لَهُمْ[8].

ولنا أن نتساءل أين المعاملة الحسنة في هذه الرواية؟ إليس الجاءُ النصراني إلى أضيق الطريق هو من قبيل الإكراه في الدِّين؟ وقد أجهد شرّاحُ الحديث أنفسَهم في الجمع بين هذه الرواية وبين الآيات والأحاديث الكثيرة التي نصّت على حسن معاملة أهل الكتاب، وكل ذلك تمشياً مع الأصول المغلوطة التي تقدّس الإسناد الصحيح حتى لو كان المتن منكَرَاً متعارضاً مع نصوص القرآن وصحيح الرواية.

وقد أغفل بيانُ العلماء النصوص التي تستند إليها داعش، وما داعش إلا جماعةٌ تنتصر للتراث كما هو.

6_ مسألة الرق: يُجرِّم بيانُ العلماء اتخاذَ داعش للرقيق زاعمين “أنّه كان من أهداف الإسلام إلغاء الرق، وقد تحقّق إلغاء الرق قبل مئة عام حيث أجمع علماءُ الاسلام على حرمته كما أجمع على تجريمه العالم أجمع”.

ولنا على كلام العلماء تساؤلان:

الأول: هل تقصدون أنّ هدف الاسلام كان إلغاء الرق ولكنّه لم يلغه؟ بمعنى أنّ الله تعالى قد ترك البتَّ في تحريم الرَّقِّ لعلماء القرن العشرين!! ولا أدري كيف يفهم هؤلاء العلماء قولَه تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة، 3)

الثاني: يذكر العلماءُ في بيانهم “أنّ الرِّقَّ قد حُرِّم منذ مئة عام”. ويحقُّ لنا أن نتساءل: إذا كان الرِّقُّ حلالاً _من وجهة نظر العلماء_ فمن يملك حقَّ تحريمه إذن؟ ومن ثم أين هؤلاء العلماء الذين أجمعوا. ومَنْ هم؟ وهل يحقُّ للعلماء الإجماع على تحريم حلال أو تحليل حرام؟. والحقُّ أنّ داعش أرادت تطبيق التراث الفقهي التقليدي، أمّا أنتم فتتخذون موقفاً موارباً.

وبدلاً من تصحيح الرأي الفقهيِّ السائد الذي يبيح الاسترقاق وهو بالتأكيد مخالفٌ للقرآن وتطبيقات النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإنّهم يستندون إلى شريعة البشر التي حرّمت الاسترقاق بعد أن تبيّن للمشرع الأمريكي أنَّ الرِّقَّ لم يعد مجدياً في التزامن مع اختراع الآلة في بداية العصر الحديث، ثم يدّعي العلماءُ في البيان أنّه إجماعُ علماء المسلمين، وهذا ذرٌّ للرماد في العيون وركوبٌ للموجة لا غير. والحقيقة أنّ العلماءَ الموقّعين على البيان أعفَوْا أنفسَهم من مناقشة المسألة أصوليّاً واكتفوا بالاستناد إلى تشريع الغرب قبل مئة سنة !

7_ انتقد البيانُ معاملةَ داعش للنساء، والحقيقة أنّ داعش تعامل النساء بحسب المفاهيم السائدة حولهنّ؛ فالواحدةُ منهنّ نصفُ إنسان ونصفُ عقل ومخلوقةُ من ضلعٍ أعوج[9]، ولا يمكن أن يستقيم فهمُ المسلم عن المرأة وهو يؤمن بأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك، في الوقت الذي يذكر القرآنُ الكريم أنّ الرجل والمرأة قد خُلقا من نفسٍ واحدة وأنّهما مكلَّفان ومسؤولان أمام الله تعالى عن أفعالهما بالدرجة ذاتها .

8_ تطبيق الحدود: أعاب البيانُ على داعش الاستعجال في تطبيق الحدود الشرعيّة. ولا أدري لماذا أعاب البيانُ ذلك. فهل المسألة مسألةُ توقيتٍ فقط؟! أم هو الشعورُ بأنّ مسألة إقامة الحدود بهذا الشكل يحمل كثيراً من الإشكاليّات؟. وقد أعفى العلماءُ الموقّعون على البيان أنفسَهم من البحث في أمر الحدود التي فيها من الافتراء على الله ورسوله الشيء الكثير كالقول برجم الزاني المحصن[10] أو جلد شارب الخمرة[11].

9_ التعذيبُ وقطع الرؤوس: أليس تاريخُ المسلمين حافلاً بهذا؟ لماذا لا يُنتقد الأوّلون؟ ألم يحن الوقت لِأنْ نعالجَ تراثَ الأمّة فنقولَ بأنّ السلف أصابوا وأخطؤوا، فنبني على الصحيح ونرفض القبيح؟.

10_ تدمير الأضرحة: انتقد بيانُ العلماء داعش لأنّها تدمّرُ الأضرحة. أليست هذه أساساً بدعةً وهابيّةً سبقت ظهور داعش بعشرات السنين؟! لماذا يُوجّه النقدُ إلى داعش ويُنسى الأصل الذي تستقي منه هذه الجماعة أفكارها ومبادئها؟!

11_ الخروج على الحاكم: انتقد بيانُ العلماء الخروج على الحكام الشرعيّين. ولي أن أسأل علماءنا الأفاضل هل داعش من ابتكر هذا الفعل أم أنّ تاريخ المسلمين المقدّس حافلٌ بذلك؟ ألم يخرج معاويةُ بنُ أبي سفيان على خليفة المسلمين الشرعي علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ وما زال علماء المسلمين يبررون فعل معاوية (لأنه صحابيٌّ)، أليس الصحابةُ بشراً يصيبون ويخطئون؟ فلماذا لا نجهر بأنّ معاوية قد ارتكب خطأً فادحاً بخروجه على الخليفة الشرعي الذي رضيت به الأمّة؟! لكنّ ما حصل هو عكسُ ذلك، فصار فعلُ معاوية سنّةً سيّئةً إلى يومنا هذا يتّكئ عليها كلُّ صاحب هوى سلطوي.

12_ الخلافة: انتقد البيانُ داعش لإعلانها الخلافة منفردة، ولنا أن نتساءل عن جميع “خلافات المسلمين” عبر التاريخ عدا الراشدة طبعاً؛ هل قامت أيّةُ واحدةٍ منها إلّا بالمزيد من سفك الدماء والتجبّر على الخلق؟. لماذا لا ننقدُ تاريخَنا حتّى يستقيم حاضرنا؟ لماذا ننتقد الفروع فقط وما هي إلّا نتاج الأصول الخاطئة؟

نسأل الله العلي القدير أن يهدينا إلى كتابه الكريم وصراطه المستقيم، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليِّ العظيم.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

 


[1]  الرسالة متواجدة في أكثر من موقع على الانترنت، وقد بلغت 32 صفحة.

[2]  انظر البقرة، 256

[3]  انظر الكهف، 29

[4]  انطر الغاشية، 22

[5]  «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قِبَل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” ماذا عندك يا ثمامة” فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم؛ تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تُعط منه ما شئت، [وكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال لثمامة ثلاث مرات في ثلاثة أيام]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أطلقوا ثمامة”، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه كلها إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ … » السيرة النبوية لابن هشام 6/ 51.  أي يشرب صباحا ومساء

[6] لمعرفة المزيد حول الافتراءات بقتل أسرى بني قريظة يمكنك الدخول على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2100

[7]  رواه البخاري في الادب المفرد،1103 وصححه الألباني

[8]  نيل الأوطار، 8/76

[9]  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَرْأَةُ خُلِقَتٍ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ وَإِنَّكَ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا تَعِشْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ» ” رواه الحاكم في المستدرك، 7334 وقال وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [التعليق – من تلخيص الذهبي] 7334 – على شرط مسلم

وعن أبي سعيد الخدري، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: «يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار» فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها» صحيح البخاري، 304

[10]  ننصح بقراءة مقالة النسخ والرجم على موقعنا http://www.hablullah.com/?p=1447

[11]  ننصح بقراءة مقالة (الخمر: حقيقته، وحكمه وعقوبته) على موقعنا http://www.hablullah.com/?p=2053

التعليقات

  • شكرا لكم على هذا المقال
    شخص مثلي تربى ببلاد ليست مسلمه
    كان نقمة و نعمة لي بنفس الوقت
    للأسف عندما أردت أن أتعلم أمور ديني
    كنت أذهب إلى المواقع المليئة في النت، التي دائما تستند الى الأئمه الأربعه
    مع اني مولوده سنيه اي انني اتبع سنة الله و رسوله
    و لكن هذه المواقع تفهمنا ان مذاهب الأئمه الاربعه هي سنت الله و رسوله
    و من لا يتبعهمً يكون خارج عنً الاسلامً و السنه وانه سوف يذهب النار
    كنت اشعر بالخوف الشديدً والاحباط عند دخولي هذه المواقع ولا زلت
    و هذه المواقع حتى اصابتني بالوسوسه، والخوف اني كافره
    و لاكني دائما اسال نفسي
    من هم الأئمه الاربعه، اليس هم بشر مثلنا؟ و لماذا يجب ان يقدسوا؟
    و لماذا لا نتعلم ديننا بانفسنا من القرءان و الحديث؟
    قول الله و الرسول هي الاقوال التي يجب ان نتوجه اليها
    و لكن كما قلت حضرتك ان بعض الاحاديث لا تعقل
    كالكلب الاسود يكون شيطان
    او انً الرسول كان يضع الكحل،
    هل الرسول كان لديه وقت ان يضع الكحل، او جاء ليبلغ رسالة لله.

    ارجو منكم ان تكتبوا بمثل هذه الموضوعات، لتبديد غسيل المخ الذي تعرضنا له من تلك المواقع.

    وفقكم الله

    • كلام سليم جزاكم الله خيرا
      والله _من المؤسف_ ألا يقبل من يسمون أنفسهم علماء المسلمين _على الاقل_ مناقشة هذه الأمور، فكيف سيتحملون أوزار كل من تبعهم ومشى على دربهم ؟!
      أنا أناقش نوعين من الناس، نوع هزته هذه الأمور فبات يؤمن فقط بالقرآن لكنه صار يفسره على هواه فضل وخرج عن الحق حيث الغى العبادات وزعم أن كلها إيحاءات روحية
      والآخر متبع المنهج التقليدي، وهؤلاء أيضا مناقشتهم عقبمة، مغلقة عقولهم، ثقتهم بالعلماء أعمتهم عن فهم كتاب الله، فباتت ثقتهم بالناس أكبر من كتاب ربهم .. ووالله بعضهم يخيفني، ومن خلال نقاشي معه أفهم أنه إذا سنحت لهم الفرصة بإقامة دولة كانوا داعشيين أكثر من الدواعش، فاحمد الله أنهم لم يتمكنوا.
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  • شكر الله لكم
    رساله رائعه , والله اني احب اخواننا في الله واعلم انهم يقلدون تقليدا اعمى ويحسبون ان هذا هو الاسلام .

    وللاسف فان العلماء خاصة السلفيين الذين ينتقدون اخواننا في تنظيم الدوله هم متناقضين مع انفسهم، فتنظيم الدوله هو التطبيق الواقعي العملي لما في كتب التراث بصحيحها وسقيمها.

    وهو التأصيل للاصل الاصيل ان ما اجتهد ائمة علم الحديث في تخريجه هو السنه النبويه المطهره الوحي الثاني القاضي على الكتاب المبين له المخصص له المقيد له المضيف لاحكامه المتمم لنقصانه وهلم جرا من افتراءات على الله ورسوله , فان كان هناك من يحتاج لنقد وبيان فهم هؤلاء العلماء الذين لا يزالون يرددون هذا الكلام ويؤكدون عليه ويتهمون من يقدم كتاب الله ويبريء رسوله ولا يغلو في السلف واهل العلم بأبشع الاتهامات كي ينفض الناس من حولهم.

    فالقضيه قضية منهاج وتأصيل وليست قضية مواقف وقضايا. فهذا فرع عن اصل فوجب ضبط الاصل لتنضبط فروعه.

    جزاكم الله خيرا , سعدت جدا ولله الحمد والشكر ان هداني لهذا الموقع الذي احسب اخواني القائمين عليه ممن هداهم الله سبله غفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات المستقدمين والمستأخرين.

  • نسأل سؤال آخر و هو: ممن ينقسم الناس اذا تنزلنا معهم و قلنا ان الحديث يريد عموم البشرية ؟؟
    سنجد ان الناس اما مسلمون و إما كفار.. فهل يقول عاقل أن النبى – عليه الصلاة و السلام – أمر بقتال المسلمين فى الحديث ؟!
    بالتأكيد لا..
    اذن بقى لنا الكفار الذين ينقسمون الى: أهل كتاب أو وثنيين.. فنقول هل أمر الحديث بقتال كل الكفار: أهل كتاب و وثنيين؛ حتى يقولوا: لا اله الا الله، فلا يقبل منهم الا ذلك ؟!
    بالتأكيد لا.. لأن أهل الكتاب قد أمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية، فإن أعطوها، كف المسلمون عن قتالهم، قال تعالى:
    “قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة:29]
    فهل نقول أن لفظ الناس يشملهم ؟!
    اذن لفظ الناس ليس عاما، و مايؤكد ذلك، انه ورد كثيرا فى القرآن و أريد به الخصوص، حيث قال تعالى:
    (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا) [الحج:27]
    فهل كل الناس مأمورون بالحج أم المسلمون فقط ؟!
    بالتأكيد المسلمون فقط..
    و قال تعالى:
    (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173]
    فهل كل الناس هم الذين قالوا: “ان الناس قد جمعوا لكم” ؟!
    أم هل كل الناس كانوا يجمعون لقتال المسلمين ؟!
    بالتأكيد لا..
    اذن المقصودين فى الحديث هم قوم بعينهم، وهم مشركى العرب الذين كذّبوا النبى – عليه الصلاة و السلام – و آذوه و عذبوا أصحابه، و أخرجوه و هموا بقتله، ثم قاتلوه، فعاهدوه ثم نقضوا العهد.. و هؤلاء هم أيضا المقصودين بالآية المسماة بآية السيف التى قال الله فيها: “فاقتلوا المشركين” ((التوبة – 5).. و كان سبب قتالهم فى قوله تعالى: “ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم و هموا باخراج الرسول و هم بدءوكم أول مرة”..(التوبة – 12)
    و نقول: ان الحديث أمر بقتالهم، للأسباب القوية التى استدعت القتال، الا أنه جعل نطقهم بالشهادة عاصما لدمائهم المهدرة لسابق اعتدائهم، و رغم ذلك فالحديث لم يأمر و لا يمكن أن يفهم منه انه يأمر بقتلهم جميعهم، بل يأمر بقتل المقاتلة فقط، أما غيرهم ممن كان له عهد أو لم يكن من أهل القتال فلا يحل قتاله أو قتله..
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
    ( وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وُيُؤتُوا الزَّكَاة ) مراده : قتال المحاربين الذين أذن الله في قتالهم ، لم يُرد قتال المعاهَدين الذين أمر الله بوفاء عهدهم ) مجموع الفتاوى ” ( 19 / 20 )
    فهل هناك حجة لمن يقول أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – امر بقتال كل الناس حتى يسلموا
    أرجو الرد على هذا وان اعرف رأيك فيه أخي الغالى سيد جمال نجم

    • الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم وليس الحرب، وتبقى حالة السلم هي الحاكمة في العلاقات الدولية إلا أن يتجاوز الكفار حالة السلم إلى حالة الحرب فحينئذ يكون المسلمون مكلفين بصد الأذى عن أنفسهم. والآية التالية تشرح الموضوع بالتفصيل:

      قال الله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الممتحنة، 8-9). ففي الآيتَيْن وضع الله تعالى دستور العلاقات ما بين المسلمين وغيرهم بشكلٍ دقيقٍ، وحتى تبقى العلاقة مع غير المسلمين قائمة على التعاون والسلم فقد اشترطت الآيتان السابقتان على غير المسلمين عدم إخلالهم بواحد أو أكثر من “الخطوط الحمراء” الثلاثة التالية : 1. أن لا يقاتلوا المسلمين في دينهم 2. أن لا يسعوا لإخراجهم من ديارهم 3. أن لا يظاهروا من يحاول إخراجهم من ديارهم. فإن تجاوزا خطا من تلك “الخطوط الحمراء” تنتهى العلاقة معهم. ويصحُّ عندئذ إعلان الحرب إن تعذر دفعها بالطرق السلمية.

      نفهم من مجموع الآيات والأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع أنَّ الحرب حالة اضطرارية لا ينبغي أن يسعى إليها المسلمون بل يعملون جاهدين لدفعها ما أمكنهم ذلك. وهذا بيِّنٌ من قوله تعالى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة، 190) فقتال الآخرين لا يصحُّ أن يبدأ به المسلمون إلا أن يُقاتلوا، وقد اعتبرت الآية أن البدء بالقتال دون مبرر مشروع (تجاوز الخطوط الحمراء) يُعدُّ اعتداء لا ينبغي للمسلم فعله.

      وخير مثال على هذا؛ موقف نبينا في الحديبية لمّا اعترضه بعض أصحابه على توقيع الصلح مع قريش حيث قال صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيدِه لا يَسألوني (أي أهل مكة) اليومَ خُطَّةً يُعظِّمون بها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطيتُهم إياها”[1]. وهذا الموقف منه _عليه الصلاة والسلام_ تطبيق لمقتضى الرحمة المبعوث بها، التي من أبرز سماتها عدم الابتداء بالحرب بدون مبرر.

      ويحتج البعض بالآية التالية على جواز بدء الحرب من دون سبب:

      {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة، 5)

      والاحتجاج بهذه الآية على جواز قتال المشركين مطلقا هو تحريف لمعنى الآية، حيث إنها تتحدث عن المهلة التي مُنحت لمشركي مكة : {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} (التوبة، 2) وقد أعطوا تلك المهلة كي يقرروا التوبة وقبول الاسلام، أو خروجهم من مكة.

      إن المعاملة بالمثل أساس في الجزاء لقوله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (النحل، 126)

      وقد اقتضت سنة الله إخراج من يسعى في إخراج الأنبياء من ديارهم، فكان إخراجهم من مكة هو العقوبة المستحقة عليهم، ولأن الجزاء من جنس العمل. قال الله تعالى {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا. سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء، 76_77)

      أما إسلامهم فيسقط العقوبة عنهم رحمة من الله لهم: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أما بقاؤهم على الكفر حتى انتهاء المدة ودون خروجهم فهذا يعني أنهم ما زالوا على حربهم الأولى لذا جاء قوله تعالى في الآية السابقة {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}

      فالآية مخصوصة بحالة معينة لا تتعداها، حيث لا يجوز اقتطاع بعض الكلمات منها ثم تعميمها للإيحاء بأن الحرب هي الأساس في العلاقات بين المسلمين وغيرهم. ومن العجب وجود من يزعم أنّ هذا الفهم الخاطئ للآية قد نسخ كل الآيات المتعلقة بالموضوع. والهدف جعل هذا الفهم الخاطئ أساسا في التعامل مع غير المسلمين. وهذا على خلاف ما بينته الآيات وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا.

  • ما قلتموه وأوردتموه.. حقيقة هو ما كنت أحدث به نفسي.. لكن لم أكن أملك أنا المرأه.. إلا تغييرر ملابس ابني المتسخه وطبخ الأكل لأفواه عائلتي الجائعة دائما إلي الطعام ، والعلم داعش ترتكز على العلماء وعلى تاريخنا حقا…. ولكنها الآن تصبح إرهابية.. وإن انتقدنا تاريخنا وعلماءنا.. قالوا مردتين كفرة أو منافقين أو علمانيين أو ليبراليين أو نسويات أو أو..

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.