حبل الله
يد الله تعالى وعينه وعرشه واستواؤه، هل تُفهم على الحقيقة أم المجاز؟

يد الله تعالى وعينه وعرشه واستواؤه، هل تُفهم على الحقيقة أم المجاز؟

السؤال:

السلام عليكم، هناك موضوع كثر فيه الجدل للأسف بين طوائف المسلمين وهو موضوع يد الله والعرش، فالسلفيون يقولون بأن لله يد غير أيدينا وغيرهم يقولون أنها إشارة للقوة، وكذلك العرش، وكذلك الله في السماء أم في كل مكان، وهذه المواضيع التي أعتقد أننا يجب أن نسلم فيها بما ورد في كتاب الله كما هو وأن الله ليس كمثله شيء ولا نكثر الجدل فيها فنصل لما وصلوا إليه للأسف من تكفير بعضهم بعضا، وأن نلتفت لفهم ديننا الصحيح بدلًا من هذه المواضيع التي لا تسمن ولا تغني.

أرجو بيان الصحيح في هذا الشأن ولكم مني جزيل الشكر والاحترام.

الجواب:

إن السائلة الكريمة قد أجابت عن جزء من السؤال حين قالت أننا يجب أن نسلم بما رود في كتاب الله تعالى وألا نكثر الجدل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي ورد في كتاب الله بشأن تلك المسائل من (اليد والأعين واليمين والكرسي والعرش)؟ أهي كما يزعمون غيب لا يحق للمسلم السؤال عنها وعن ماهيتها؟ وأن من يسأل عنها فقد خرج من دار الإيمان إلى دائرة الكفر والبدع؟! أم أن لها معان أخرى حُرفت عن مرادها الذي أراده الله تعالى؟!

وفي الحقيقة فإن تلك المسائل ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالحديث عن الغيب أو عن ذات الله ﷻ! وما ذكرته السائلة من التكفير وتهم الإلحاد بين بعض الطوائف والمذاهب لم ينتج من الحديث عنها في حد ذاتها وإنما نتج عن هجرهم للقرآن عند تفصليها وتفسيرها والاعتماد على أحاديث وروايات ملفقة افتريت على الله تعالى وعلى رسوله وتناسوا أن مهمة التفصيل والتبيان هي لله وحده لا شريك له:

﴿وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يونس (37) ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ القيامة (19)

مما أدى بالضرورة إلى خلط أكثرهم للمفاهيم الربانية حين خلطوا بين ما يتعلق بذات الله ﷻ الذي هو الغيب الحقيقي، وبين ما يتعلق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا الذي لا يمت للغيب بصلة كما سيتبين.

ولهذا فالحديث عنها ليس كما ذكرت السائلة -عن حسن نية منها – أنه لا يغني ولا يسمن؛ حيث أنه يغني ويسمن وينفع المؤمن ويزيد في إيمانه وهداه وإلا ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم في عشرات الآيات البينات التي سنتحدث عنها بشيء من التفصيل حتى يتضح الأمر بإذنه تعالى.

ولنبدأ بما بدأ به رب العالمين في أولى سور كتابه وهو الإيمان بالغيب:

﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ..﴾ البقرة (3) وله شقان، جزئي وكلي:

  • الغيب الجزئي وهو المتعلق بالجنة والنار والملائكة والبرزخ والبعث؛ حيث نبأنا العليم الخبير عن بعض أوصافها في كثير من آياته والذي إن غاب عن البصر فلا يغيب عن البصيرة وسيراه المؤمن بعلم اليقين في دنياه حتى يراه عين اليقين في آخراه.

وفي هذه الحالة علينا الإيمان بما جاء في الكتاب، ولا ينبغي علينا البحث فيما وراءه من أخبار وأنباء لم يأت على ذكرها.

  • وأما الغيب الكلي فهو المتعلق بذاته ﷻ والذي لم يطلعنا عليه تعالى ولم يخبرنا عن تفصيله شيئًا ولم يأت له وصف في كتاب الله تعالى تصريحًا أو تلميحًا أو حتى من قبيل الكناية أو المجاز.

والإيمان بالغيب سواء الكلي أو الجزئي هو أول مفاتح الإيمان التي ذكرها الله تعالى:

﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

والترتيب هنا لم يأت على سبيل المصادفة أو لمجرد الجمع بين شروط الإيمان، ولكنها جاءت مرتبة ترتيبًا تصاعديًا، بمعنى أن من آمن بالغيب بشكل حقيقي ستقوده نفسه بالضرورة إلى عمل مقتضيات هذا الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بمفهومهما الواسع – غير المقتصر على قضاء الصلاة الحركية وإخراج المال – ليقينه بالمصير الذي سيؤول إليه نفسه وعمله.

ومن لم يؤمن بالغيب أو حتى آمن به على سبيل التقليد وليس اليقين فإما ستقوده نفسه إلى الكفر وسيضيع عمره فيما لا طائل من ورائه، وإما سيؤمن به إيمانًا ظاهريًا يخلو من الأعمال الصالحة التي إن وجدت فلن تكون غايتها لله تعالى ولن توصل صاحبها إلى جنات النعيم.

والبحث في الغيب المتعلق بذاته تعالى هو الذي ينطبق عليه قول السائلة – لا يسمن ولا يغني –  إذ لا جدوى منه ولن يوصلنا لشيء لم يرد العليم الخبير أن ينبئنا به، وعلينا الاكتفاء بما جاء عنه في القرآن كما فعل العلماء من أولي الألباب الذين أدركوا معنى الإسلام الحقيقي الذي يتلخص في التسليم لما ذكره تعالى ولا يعلم تأويله إلا هو مصداقًا لقوله:

﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ آل عمران (7)

ثم نأتي للحديث عما ليس غيبًا ولا يمت للغيب بصلة، وهو يزيد المؤمن إيمانًا وحبًا لخالقه، ألا وهو حديثه تعالى عن (اليد والأعين واليمين والكرسي والعرش) فلو نظرنا إلى تلك الألفاظ سوف نجدها تحمل معنيين، معنى ماديًا ملموسًا (كأسماء لأعضاء أو جمادات) وآخر معنويًا محسوسًا (كصفات مجردة عن التخيل) وقد جاء كلا المعنيين في القرآن الكريم.

فمثال ما جاء في اليد:

﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ..﴾ النّمل (12)

إذ تعني عضوًا من أعضاء الجسد، بخلاف قوله تعالى عن القرآن أنه:

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصّلت (42)

إذ تدل هنا على حاضره أي وقت نزوله وعن مستقبله إلى أن تقوم الساعة.

ومن أمثلة اليمين قوله:

﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ﴾ طه (17)

وتعني يده اليمنى المقابلة لشماله، بخلاف قوله تعالى:

﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ الصافات (28)

أي تخدعوننا عن الصراط المستقيم بأقوى الأسباب. وكذلك في قوله تعالى:

﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ الصافات (93)

فليس معناه أنه قد استخدم يده اليمين دون الشمال وإنما المقصود ضربها بكل قوته.

ومن أمثلة العين قوله تعالى:

﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ..﴾ المائدة (83)

وتعني عضو البصر، بخلاف قوله تعالى:

﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ الكهف (101)

حيث تعني أنهم أعموا بصيرتهم عن ذكره تعالى.

وإذا جئنا لأمثلة تلك الألفاظ في حق الله ﷻ فنذكر منها قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ الفتح (10)

وقوله:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُواۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ المائدة (64)

وقوله:

﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ الذاريات (47)

والمعنى جلي ولا يحتاج إلى تفسير في أن يده تعالى تدل على العون والمدد، وكذلك العطاء، وعلى طلاقة القدرة.

والأمر نفسه في لفظ اليمين كقوله تعالى:

﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ الحاقة (45)

وقوله:

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ الزمر (67)

إذ تدل على القوة وشدة البطش، وعلى الإحكام، فليس معناه أن هناك يد أخرى شمال لهذه اليمين فلا ترمز من قريب أو بعيد لشمال تقابل هذا اليمين: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾

وكذلك الأعين في حقه تعالى:

﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ الطور (48)

وقوله:

﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا..﴾ هود (37)

والمعنى واضح أنها تدل على الرعاية والحفظ.

وكما نرى فإن كل الآيات الواردة في هذا الشأن بالنسبة لرب العالمين قد اقتصر مجيئها على معان معنوية محسوسة وليست مادية ملموسة والآيات واضحة جلية ولا تحتاج إلى تفسير أو تأويل في بيان هذا المعنى المحسوس بل واستحالة المعنى المادي.

وليس فقط في القرآن وإنما كل تلك الألفاظ مستخدمة بهذا الشكل في العربية وحتى في العامية، فنقول فلان (يده طائلة) للتعبير عن السلطة وفي مقابلها (اليد قصيرة) للتعبير عن العجز، ويقال للشخص (يدك معنا) بمعنى المساندة والتأييد والنصرة، ولا يقصد بها طول اليد وقصرها ولا وضع اليد على اليد. كما يقال (سلمت يمناه) للتعبير عن قوة الشخص وحسن تصرفه، ويقال (فلان بعيني) وبالطبع لا تعني معنى آخر سوى الرعاية والمسؤولية.

ومن هنا ينبغي أن نرد جميع الروايات الواردة في هذا الشأن على لسان الرسول الكريم – حاشاه – والتي افتريت عليه وجسدته جل وعلا وجعلت له أصابع وأرجل ورداء وإزار ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ويضاف إليها بعض الأفعال من النزول والصعود في أوقات محددة من الليل أو النهار وكالضحك أو الحزن أو الفرح أو الملل وغير ذلك من الصفات البشرية التي نسبت ظلمًا وزورًا للنيل من مقام الألوهية ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.

عندما يوجه اللوم والنقد للمصدقين بها والمرددين لها، يكون قولهم أنهم يثبتون له تعالى كل تلك الأعضاء والصفات والأفعال إثباتًا يليق بجلاله وأنها بالطبع تختلف عن أعضائنا، وكذلك الروايات جاءت كنوع من ضرب الأمثال! وأنه تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ الشورى (11).

ويرد على زعمهم هذا بأن ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ وأنهم يناقضون أنفسهم؛ حيث أن مجرد الادعاء بهذه الأوصاف كفيلة بأن تعطي لرب العالمين تصورًا معينًا وصفات محددة تتعارض جملة وتفصيلًا مع استشهادهم بقوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ الشورى (11) وهؤلاء يدَّعون المثلية ويرفضون التمثيل!!.

والمتدبر لقوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ يجده قد جاء في معرض الحديث عن اتخاذ الولي من دونه تعالى:

﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ، فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًاۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ الشورى (12)

فهو تعالى ينفي وجود ولي غيره لأنه من يحيي ويميت وهو من خلق وفطر وذرأ ومن ثم فــــــ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ يدفعنا إلى أن نتخذ وليًا من دونه وهو الذي له مقاليد السموات والأرض وعليه أرزاقنا، وبالتالي مهما بلغ الإنسان من أدوات العلم والقوة والابتكار والخلق فلن يكون كمثله ﷻ إذ أن القياس ليس في صالحهم لأنهم لن يستطيعوا أن يخلوا ذبابًا ولو اجتمعوا له.

ولم يأت قوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ في معرض الحديث عن المقايسة والمقارنة بين ذاته ونفسه تعالى وبين ذوات وأنفس عباده وخلقه حتى ينفي تعالى المثلية عنه ﷻ إذ أنها بديهية ولا تحتاج إلى أدلة وبراهين، ولو كان كما يقولون لكان نفي الشبه هنا أولى ولقال تعالى (ليس كشبهه شيء) – مع جواز الاستشهاد بها في نفي الذات – على سبيل نفي المثلية في كل شيء.

ومن ثم لا ينبغي لإنسان أن يتجرأ على مقام رب العالمين ويدعي يد ويمين.. إلخ ثم يقول ليس مثلنا ولا أن ندعي له تعالى أسماء – كالضار والنافع – بل نلتزم بأسمائه الحسنى وبصفاته العليا كما ورد في كتابه، فلن نكون أعلم به جل جلاله منه لنبتدع له مسميات ما أنزل بها من سلطان حتى ولو كان رغبة منا في الثناء والمدح.

وحتى لو كانت من قبيل ضرب المثل، فقد جاء الرد من رب العالمين في بيان واضح وصريح ولا يحتمل التأويل:

﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل (74)

ومن هنا فحجتهم داحضة وأدلتهم باطلة.

أما إذا جئنا إلى العرش والكرسي فالكلام نفسه ينطبق عليهما، إذ أن لهما معاني آخرى غير المعنى الشائع الذي يتبادر إلى أذهاننا عند سماعه من أنهما (سرير أو مقعد من خشب ونحوه لجلوس شخص واحد) وبالمناسبة فإن كلمة الجلوس لم تأتِ في كتاب الله تعالى، وكلاهما له معنى مادي وآخر معنوي.

فالكرسي يطلق على معان مختلفة تعود للجذر اللغوي (كرس) منها مركزية الحكم، والإحاطة بكل شيء، ويأتي بمعنى التكريس أي الترسيخ للقواعد والقوانين، وبمعنى تأسيس البناء، ومنه تكريس الجهد والوقت للقيام على شيء، وكذلك يأتي بمعنى الكراسة التي تجمع الأوراق وتثبتها مع بعضها، وبمعنى الدعامة، ويأتي بمعنى مقر الإقامة والحكم، وكرسي المملكة بمعنى عاصمتها.

ولو توقفنا للحظة مع كل تلك المعاني وبالعودة إلى سياق الآيات التي جاءت فيها سوف ندرك ماهية كرسيه جَلَّ في عُلاه.

فقد جاء الكرسي في كتاب الله تعالى مرتين، مرة في قوله تعالى:

﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ ص (34)

والمعنى هنا يحتمل المعنى المادي الملموس كمقعد النبي الكريم سليمان وهو الراجح، وكذلك مركزية حكمه.

والمرة الأخرى جاءت في حقه سبحانه وتعالى في الآية التي نطلق عليها آية الكرسي ومن يتدبرها من بدايتها ويتابع السياق سوف يدرك المعنى الحقيقي له، يقول تعالى:

﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ، وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ البقرة (255)

فيبَّن سبحانه أنه وحده الحي القيوم الذي لا يغفل عن خلقه، لأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، ولذا فلا يستطيع أحد أن يشفع عنده إلا بإذنه، إذ أنه وحده الذي يعلم ما يفعله عباده ويحيط بأفعالهم ويعلم نواياهم وخفاياهم، وليس لأحد من خلقه أن يحيط بشيء من هذا العلم إلا بمشيئته، لأن (كرسيه) (أي مركزية حكمه وإحاطة علمه) قد (وسع) أي عم شمل السماوات والأرض وبكل ما يحدث فيهما، وليس (وسع) بمعنى كِبر حجمه أو طوله وعرضه، ثم بيَّن تعالى أنه (لَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) أي لا يثقله حفظهما إذ أنه بالنسبة له تعالى ليس بالأمر الصعب أو المعجز ولا يتطلب منه جل جلاله تعبًا أو جهدًا مما يؤكد أن معنى الكرسي هنا يعني مركزية حكمه ولا علاقة له بكرسي الحكم الذي بمعنى المقعد.

والأمر نفسه بالنسبة للعرش الذي لا يطلق فقط على كرسي المملكة فيقال (جلس الملك على عرشه) وفي الوقت نفسه يطلق على السلطة والسيطرة فيقال تسلم (العرش) أي استلم السلطة وأصبح في يده مقاليد الحكم، مما يعني أن له معنى ماديا ملموسا وآخر معنويا محسوسا.

ولكن الروايات تصف العرش بأنه أعظم مخلوقات الله وبالطبع أعطت له المعنى المادي الملموس كمقعد فوق السماء! وأن معنى الاستواء هو الارتفاع على هذا العرش! وللخروج من مأزق السؤال عن كيفية الاستواء والقعود أو الجلوس وما يترتب عليه من الحيز والمكان.. إلخ.. لجأوا كعادتهم إلى غلق المسألة بالتكفير ورمي تهم الإلحاد الحاضرة لديهم وقالوا: استواء يليق بجلاله، ورددوا القول المأثور (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)!!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لو كان المعنى كما قالوا فما معنى استوائه بمعنى ارتفاعه جل جلاله إلى السماء ولم تخلق بعد؟! ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ البقرة (29)!!

أليس قولهم يحمل معنى الصعود والنزول!! ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ وهو يخالف قوله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ الزخرف (84)!

وفي الحقيقة نتعجب من قولهم أنه غيب وأن السؤال عنه بدعة وضلال وقد أوردوا فيه مئات وعشرات الأحاديث التي تصفه بقولهم (العرش هو أعلى المخلوقات، والكرسي دونه وتحته – تحت العرش) ولم نفهم ما الفرق عندهم بين الكرسي والعرش! وما الفرق بين استوى إلى، واستوى على؟! ولا عجب إذ أنهم كعادتهم يناقضون أنفسهم حين زعموا (أن الله تَعَالَى خلق الْعَرْش اظهارا لقدرته لَا مَكَانا لذاته)

وهذا القول واضح التقول والافتراء والدليل على ذلك قوله تعالى:

﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ غافر (57) فعندما نقول أن العرش أكبر شيء – من حيث الخلق والحجم – فمعنى ذلك أنه أكبر من السماوات والأرض وهو ما تنفيه الآية بأن خلق السموات والأرض أكبر، ولو كان العرش أكبر منهما لكانت المقارنة مع العرش أولى.

وللوقوف على معنى العرش في كتاب الله تعالى نجده لا يختص فقط بعرشه عز وجل وإنما يشمل عروش الإنسان والنبات والدواب، إذ يطلق على معان متعددة تعود كلها إلى الجذر اللغوي (عرش) ومنها أقام، وتمكن، وتملك، وما يستظل به ويحتمى تحته، والسقف الذي يحمي البيوت ويحيط بالجدران، كما يطلق على أسباب القوة من الملك والبنيان.

فجاء العرش في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾ الأنعام (141)

وقوله ﴿وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ النحل (68)

وقوله ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ..﴾ يوسف (100)

وقوله ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ النّمل (38)

والآيات هنا واضحة جلية في بيان المعنى المادي.

ومن الآيات التي تحمل المعنى الحسي والمعنوي قوله تعالى:

﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ الأعراف (137)

﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ الحج (45)

بمعنى بيوتهم وما كان سببًا في قوتهم وسطوتهم وظلمهم وبنيانهم الذي بنوا.

ثم نأتي لعرشه جل وعلا، ولكي نفهم ما إن كان المراد منه ماديًا أم معنويًا؟ فعلينا أولًا أن نفهم معنى الاستواء حيث أنها الكلمة الأكثر مجيئًا مع العرش وذلك من خلال الآيات والسياق.

فكما جاء الاستواء منسوبًا إلى رب العالمين فكذلك نُسب لكثير من خلقه، فمثال الاستواء في حق الناس قوله تعالى:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ القصص (14)

واستوى هنا تعني نضوجه واكتمال فهمه وإدراكه.

وكذلك قوله ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ..﴾ المؤمنون (28)

وهنا تعني التمكين وتمام الأمر واكتماله.

وفي حق الحيوان وركوبه:

﴿لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ..﴾ الزخرف (13)

والتي تعني التمكن من الحيوان بركوبه أو تسخيره وتمام الأمر لصاحبه.

وفي حق الجماد ﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ هود (44)

والمعنى واضح أنها تعني الاستقرار والاعتدال وتمام الأمر.

وفي حق النبات ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِه..﴾ الفتح (29)

والتي تعني نضوج الثمر وتمامه وقت حصاده.

وفي حق الروح الأمين:

﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ﴾ النجم (6)

وتدل على الاعتدال وتمام ارتفاعه ثم تدليه.

وعندما نأتي لمعنى الاستواء في حقه تعالى نجد قوله:

﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ الحجر (29)

وقوله ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ الانفطار (7)

والمعنى واضح في أنه أتم خلقه وأكمله في أحسن صورة. مما يعني أن الاستواء يعني اكتمال الأمر وتمامه وإحكامه والتمكن منه ولا تعني جلوسًا وقعودًا ولا ارتفاعًا ونزولًا.

ثم نأتي لاستوائه تعالى على عرشه مع مراعاة الترتيب التالي لدقة الفهم:

  • قبل خلق السموات والأرض كان عرشه تعالى على الماء أي أن سيطرته وحكمه وسلطانه عليه، حيث لم يكن في الكون غير الماء:

﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ..﴾ هود (7)

  • ثم خلق الأرض:

﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ..﴾ فصّلت (9)

  • وبعد خلق الأرض وتقدير أقواتها في يومين آخرين:

﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ فصّلت (11)

استوى إلى السماء أي تمكن من خلقها بيسر وتم له الأمر بأن آتيا طائعين له:

﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا..﴾ فصّلت (12)

  • ثم استوى على العرش في قوله:

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ، أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الأعراف (54)

وقوله ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ يونس (3)

والمعنى واضح جلي في أنه سبحانه بعد خلق السموات والأرض وتمام خلقها واكتمال ما أراد استوى على العرش، أي فرض سلطانه وأمره على جميع خلقه وملكه، أي أن السموات والأرض يختصان بخلقه تعالى وأن الاستواء على العرش يختص بأمره وتدبيره لأمور خلقه جميعًا وذلك بدليل السياق نفسه (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) فله استواء بالخلق واستواء على عرش بالأمر والنهي، وفي هذا يقول تعالى:

﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ غافر (15)

ومما يؤكد ذلك وصفه تعالى نفسه بأنه رب العرش في كثير من آياته:

﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ التوبة (129)

فإذا كانت عبارة رب العرش تفيد أنه صاحب العرش والكرسي بالمعنى المادي، فما الذي سيعود على المتوكل من نفع إذا اعتقد ذلك؟ أليس الله تعالى رب كل شيء؟

وكذلك قوله تعالى:

﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا، فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ الأنبياء (22)

فلو كان هناك إله آخر معه لأدى ذلك إلى فساد السموات والأرض، فماذا يفيد قوله أنه سبحانه (صاحب كرسي العرش) في عدم حدوث الفساد؟!

مما يؤكد أن معنى (رب العرش) أي صاحب الأمر والنهي والسلطان يتولى من توكل عليه وهو الذي إليه يرجع أمر السماء والأرض ولذا فلم تفسدا لأن حكمه نافذ وسلطانه فوق كل شيء وهو ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ البروج (16)

وإن قيل فما معنى قوله تعالى:

﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ..﴾ غافر (7)

وقوله ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ..﴾ الزمر (75)

وقوله ﴿وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا، وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ الحاقة (17)

نقول أن حمل العرش لا يعني رفعه بالأيدي وربما يكون المراد حملهم لأوامره تعالى وتنفيذيها، وهؤلاء الذين يتنزلون في ليلة القدر كما في قوله:

﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ القدر (4)

وبحسب الآية فإن عدد الملائكة الموكلين بمهمة حمل العرش ثمانية، وهذا لا يعني عدم وجود من أدنى منهم مرتبة يقومون بما يُملى عليهم. ولا نستطيع الجزم هنا بشيء وإنما مجرد استنباط عسى الله تعالى أن يهدينا إلى سواء الصراط.

وختامًا:

إن كل هذه التساؤلات لم يُذكر في الكتاب أن سألها الأنبياء والمرسلون أو الذين اتبعوهم بإحسان؛ ذلك أن ما نسبه الله تعالى لنفسه من الأيد واليمين والأعين والكرسي والعرش لا تعني سوى رزقه وعطائه وقبضته وسلطانه وهيمنته تعالى على مقاليد السموات والأرض وما فيهن وأنه في كل ذلك ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.

أما من يسأل عن ذاته جل في علاه فقد قُضي الأمر فيها في سورة الإخلاص من أنه أحد وصمد ولم يلد ولم يولد، وخُتم الأمر بقوله ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ الإخلاص (4) فلا مثيل ولا كفوء ولا ند ولا شبيه ولا نظير للواحد الأحد.

ولسنا أكرم عليه تعالى ممن اصطفاه برسالته وكلامه عندما دعاه و ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ الأعراف (143) فكان الرد القاطع منه جَلَّ وعَلَا: ﴿قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ الأعراف (144) وكذلك نحن علينا أن نكن من الشاكرين لما بين أيدينا من الغيب، وأن نرى الله تعالى في خلقه وإبداعه لملكوت السموات والأرض وأن نبصر آياته في أنفسنا، فإن كنا لا نعلم له سميًا فكيف ندعي له مثيلًا:

﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ مريم (65)؟!

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.