حبل الله
حجر الزاوية المنتظر: أحمد خاتم النبيين

حجر الزاوية المنتظر: أحمد خاتم النبيين

الباحث: ودات يلماز

الترجمة إلى العربية: د. جمال نجم

في الإسلام والمسيحية واليهودية، وكذلك في الديانات الأخرى، يميل الناس إلى الاعتقاد بأن المنقذ/المخلص سيأتي عندما تقترب نهاية العالم. وهذا الاعتقاد ينبع من مسؤولية “الإيمان بخاتم أنبياء الله” المتوقع أن يأتي بعد المسيح، ولكن كل مجتمع ديني يفسر ذلك بطريقة مختلفة.

يتضمن الكتاب المقدس العديد من الدلائل حول صفات النبي المنتظر.

خصائص النبي المنتظر:

وفقا للقرآن، فإن خصائص النبي المنتظر موصوفة بالفعل في التوراة والإنجيل، وسيكون أميا:

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ ‌الْأُمِّيَّ[1] الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157] 

في هذه الدراسة، سنتحدث عن المعادل الكتابي لهذه الآية، أي النصوص المتعلقة بهذه الآية من التوراة والإنجيل.

جاء في التوراة والإنجيل أن آخر الأنبياء المنتظرين هو ” الأمي ” .

فمن هو ” الأمي “؟

كلمة أمي في القرآن تأتي على النقيض من الكتابي (الذي لديه علم بكتاب الله الله تعالى). ولذلك فإن الأشخاص الذين لم يُنزل عليهم أي كتاب إلهي هم ” أميون”[2] بحسب القرآن:

﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ‌وَالْأُمِّيِّينَ[3] أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: 20] 

وتوضح آية قرآنية أخرى هذا الوصف:

﴿وَمِنْهُمْ ‌أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [البقرة: 78] 

وهذا يعني أن اسم ” أمي ” في القرآن لا يطلق فقط على أولئك الذين لم يُمنحوا كتابًا إلهيًا، ولكن أيضًا على أولئك الذين لا يعرفون محتويات الكتاب الممنوح لهم.

وفقاً للقرآن، كان محمد (صلى الله عليه وسلم) بالتأكيد واحداً من الأشخاص الذين لم يقرأوا أو يتعلموا عن الكتب الإلهية السابقة، فقد جعله الله عمدا هكذا:

﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ ‌مِنْ ‌كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: 48]  

فحتى نزول الوحي الأول عليه، لم يكن محمد (صلى الله عليه وسلم) يعرف شيئًا عن الكتب الإلهية السابقة:

﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ ‌تَدْرِي ‌مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52] 

من الواضح أن محمدا كان ” أميًا “، تمامًا مثل أهل مكة في ذلك العصر.

الأمي بحسب الإسرائيليين

يطلق الإسرائيليون على غيرهم اسم “الأممي” أو – كما الترجمة الحرفية للكلمة العبرية – “غوي”.

وليضع القارئ هذه المعلومة في ذهنه حتى نهاية المقال.

نقد مقاطع الباراكليتوس في الكتاب المقدس

هي كلمة يونانية، (Παράκλητος) تنطق باركليتوس تعني «الشاكر كثيراً» وتعني ايضاً «المعزي» أو «الشفيع بالنيابة عنا» وقد ظهرت أول مرة في إنجيل يوحنا الاصحاح 14 والعدد 15 ويوحنا 16 عدد 7

وقد ورد في القرآن الآية التالية المتعلقة ببشارة عيسى (عليه السلام) بالنبي الذي سيخلفه:

﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي ‌رَسُولُ ‌اللَّهِ ‌إِلَيْكُمْ ‌مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصف: 6] 

ولم يستطع علماء المسلمين عمومًا أن يتجاوزوا ذكر المقاطع “ البارقليطية ” في إنجيل يوحنا  فيما يتعلق بمسألة البشارة بالنبي محمد في الكتاب المقدس. ففي تفسير مقاتل بن سليمان، وهو أقدم تفسير تم تدوينه، تحتوي سورة ” الصف” على جملة واحدة كتفسير عبارة “اسمه أحمد ” في الآية 6: “هو «‌بالسريانية فارقليطا»”.(انظر تفسير مقاتل بن سليمان 4/ 316)

وهذا الرأي فيه إشكالية كبيرة. بداية، لا توجد بيانات تدعم الادعاء بأن كلمة باراكليتوس موجودة في السريانية. والقبول العام هو أن هذه الكلمة يونانية. ومن ناحية أخرى، لا توجد معلومات تشير إلى أنه يمكن أن يكون لها أي علاقة دلالية بكلمة “أحمد”. ولم يتمكن المفسرون من تقديم أي دليل على النبي محمد (ص) في الأناجيل سوى كلمة “بارقليطس “. وهذا مؤشر مؤلم على مدى لامبالاة معظم المسلمين في هذا الصدد.

إن المعلومات الموجودة في الأناجيل المعتمدة الحالية تبشر بالنبي محمد بالتفصيل حتى بدون ذكر فقرات بارقليطس،. ولسنا بحاجة إلى إنجيل يوحنا ولا إلى كلمة بارقليطس بحثًا عن تلك البشارة. ومع ذلك، فلا شك أن آيات ” البارقليط ” تتعلق أيضًا بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). إلا أن هذه الفقرات غير كافية لإثبات حقيقة أن النبي المنتظر هو محمد من ناحيتين:

الأولى: في فقرات “بارقليطس” ليس هناك إشارة إلى أن المعلَن عنه سيكون “أميا” ، أي غير عالم بالكتب الإلهية السابقة. لكن من وجهة نظر القرآن ينبغي التعبير عن هذه المعلومات بوضوح في الأناجيل الموجودة.

الثانية: ألقى المسيح كلمة “بارقليطس” على عدد قليل من تلاميذه في اجتماع سري. ومع ذلك، وفقًا للآية 6 من سورة الصف ، كان المسيح ينقل هذه المعلومات بوضوح إلى جميع بني إسرائيل وليس إلى فئة صغيرة.

وقد اضطرنا هذا الوضع إلى التحقق مما إذا كانت هناك معلومات أخرى – غير المقاطع “البارقليطية ” – تبشر بالنبي محمد (ص) في الأناجيل المعتمدة الموجودة. ولم يكن لدينا أدنى شك في أن هذه الدراسة ستؤتي ثمارها، لأننا نثق تمامًا في كلام الله الوارد في الآية 157 من سورة الأعراف . 

خطبة المسيح المذكورة في القرآن

بادئ ذي بدء، ووفقًا للآية 6 من سورة الصف فإن مثل هذه المعلومات المهمة عن النبي التالي لا يمكن أن يتم نقلها إلى المجتمع اليهودي في زاوية نائية من البلاد بدلالة الخطاب القرآني  “يا بني إسرائيل …” حيث يبين هذا الطرز من الخطاب أنه موجه إلى جمهور واسع.

عندما نتفحص حياة المسيح ورسائله بشكل تقريبي، يمكننا أن نرى أن عدد المناسبات التي يمكن فيها إلقاء خطاب قد يتضمن التعبيرات الواردة في الآية 6 من سورة الصف محدود. لقد بدأ عيسى (عليه السلام) مهمته النبوية في منطقة الجليل (شمال فلسطين)، لكنه لم ينته عند هذا الحد، بل سافر إلى القدس. فقد كان هدفه النهائي هو الذهاب إلى بيت المقدس وإيصال رسالته إلى جميع الإسرائيليين هناك. وفي واقع الأمر، فقد حقق هذا الهدف. من أهم الأحداث في حياة المسيح كانت الموعظة بيت المقدس. وقد حضر في تلك المناسبة عشرات الآلاف من الأشخاص ومنهم أبرز علماء اليهود للاستماع إليه. إن معرفة ذلك قادنا إلى التحقيق في الخطبة البارزة التي ألقاها النبي عيسى لليهود ورجال الدين في بيت المقدس. لقد رأينا أن المسيح قد نقل بالفعل المعلومات عن خليفته المرتقب إلى علماء اليهود البارزين وجمهور الناس في القدس. ويمكننا اكتشاف ذلك من خلال توجيهات القرآن.

إن فهم كيف تجاهل المسلمون في السابق مثل هذه الحقيقة المهمة لا يزال خارج نطاق إدراكنا. ومما لا شك فيه أن السبب الأهم لذلك هو ابتعاد المسلمين عن القرآن أو تجاهلهم حقيقة علاقة التصديق بين الكتب السماوية التي تؤكد عليها عشرات الآيات في القرآن. لسوء الحظ، يبذل المسلمون جهدًا مستمرًا في محاولة إثبات أن القرآن يدحض الكتب الإلهية السابقة، بدلاً من العمل على حقيقة أن القرآن يؤكد ويصدق تلك الكتب ( انظر آل عمران 3، المائدة 48، فاطر 31، الاحقاف 30).

أسلوب المسيح في الوعظ

قبل الانتقال إلى الفقرات المتعلقة بالنبي محمد، هناك مسألة أخرى يجب التأكيد عليها وهي أن أسلوب المسيح في الوعظ كان دائمًا مجازيًا. وكان يستخدم الأمثال ليخبر الناس بما يقصده. وهذه من أبرز صفاته التي يبشر بها الإنجيل:

“هذا كله قاله المسيح للجموع بالأمثال، ولم يقل لهم شيئا من دون مثل، ليتم ما قيل على لسان النبي: (أتكلم بالأمثال وأعلن ما كان خفيا منذ إنشاء العالم)”  (متى 13: 34، 35).   

نعتقد أن هذا الأسلوب السردي المجازي للمسيح قد يكون السبب وراء عدم ملاحظة المعلومات الواردة في الأناجيل حول أخبار النبي التالي. في الواقع، فإن رؤية العلاقة _للوهلة الأولى_ بين النبي محمد والنبي القادم المذكور في مثل المسيح ليس بالأمر السهل.

مَثَل المزارعين المستأجِرين

عندما دخل عيسى (عليه السلام) بيت المقدس ، خاطب جماعة اليهود ورجال الدين بالمثل التالي : “اسمعوا مثلا آخر: غرس رب بيت كرما فسيجه، وحفر فيه معصرة وبنى برجا، وآجره بعض الكرامين ثم سافر. فلما حان وقت الثمر، أرسل خدمه إلى الكرامين، ليأخذوا ثمره. فأمسك الكرامون خدمه فضربوا أحدهم، وقتلوا غيره ورجموا الآخر. فأرسل أيضا خدما آخرين أكثر عددا من الأولين، ففعلوا بهم مثل ذلك. فأرسل إليهم ابنه آخر الأمر وقال: ((سيهابون، ابني )). فلما رأى الكرامون الابن، قال بعضهم لبعض: ((هو ذا الوارث، هلم نقتله، ونأخذ ميراثه )). فأمسكوه وألقوه في خارج الكرم وقتلوه. فماذا يفعل رب الكرم بأولئك الكرامين عند عودته؟ )) قالوا له: ((يهلك هؤلاء الأشرار شر هلاك، ويؤجر الكرم كرامين آخرين يؤدون إليه الثمر في وقته )). قال لهم المسيح: ((أما قرأتم قط في الكتب: ((الحجر الذي رذله البناؤون هو الذي صار رأس الزاوية. من عند الرب كان ذلك وهو عجب في أعيننا )). لذلك أقول لكم: ((إن ملكوت الله سينزع منكم، ويعطى لأمة تثمر ثمره. من وقع على هذا الحجر تهشم، ومن وقع عليه هذا الحجر حطمه )). فلما سمع عظماء الكهنة و الفريسيون أمثاله، أدركوا أنه يعرض بهم في كلامه. فحاولوا أن يمسكوه، ولكنهم خافوا الجموع لأنها كانت تعده نبيا”. (متى 21: 33-46).

دعونا نلقي نظرة فاحصة على الشخصيات في المثل:

صاحب الكرم : الله تعالى

الكرم: الكتاب والحكمة والنبوة .

المستأجرون المزارعون: الإسرائيليون

عبيد صاحب الكرم: الأنبياء

ابن صاحب الكرم : عيسى ( ع )

الفلاحون الآخرون: الأمميون، أيْ أيّ شخص آخر غير الإسرائيليين.

والحالة التي رواها عيسى (عليه السلام) في بداية المثل هي كما يلي:

لقد أُعطي الكتاب والحكمة لبني إسرائيل مقابل وعدهم بأن يطيعوا أوامر الله ونواهيه على النحو الواجب. عندما لم يقم بنو إسرائيل بمسؤولياتهم، أرسل الله أنبياء لتحذيرهم مرارًا وتكرارًا. لكن بني إسرائيل أساءوا معاملة الأنبياء. وأخيراً أرسل الله البشرى بعيسى (ع) التي تنبأت بها في التوراة. لكن بني إسرائيل أنكروه أيضًا.

وعلى ذلك سأل المسيح رجال الدين الحاضرين في الموعظة:

“فماذا يفعل رب الكرم بأولئك الكرامين عند عودته؟”

يعترف الإسرائيليون بقولهم: “يهلك هؤلاء الأشرار شر هلاك، ويؤجر الكرم كرامين آخرين يؤدون إليه الثمر في وقته”

وبما أن بني إسرائيل عرفوا أن هذه هي سنة الله الماضية، فقد أعطوا هذا الجواب على مضض لأنهم عرفوا أن سنة الله لا تتغير. والتي تكررت أيضاً في القرآن:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ ‌مِنْكُمْ ‌عَنْ ‌دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54] 

ويخلص هذا المثل إلى أن بني إسرائيل حُرموا من نعمة النبوة ، أي أن النبي التالي سيكون من قوم غيرهم. وقد ذكرنا أن بني إسرائيل يسمون هؤلاء الناس “الأمميين” أو “الغويين”.

حجر الزاوية الرئيسي في المثل

وعندما اعترف الإسرائيليون بأن المستأجرين سيتغيرون، قال المسيح: “لقد قرأتم هذا في الكتب المقدسة” مشيرًا إلى نفس المقاطع الموجودة أيضًا في المزامير. وهكذا بشر بالنبي القادم:

الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية. هذا هو عمل الرب، وهو عمل عجيب في أعيننا!» ( مزمور 118: 22-23).

ويعبِّر المسيح بشكل أكثر وضوحًا عما كان يعنيه من خلال الاقتباس التالي:
“لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله سينزع منكم، ويعطى لأمة تثمر ثمره”.

ويؤكد هذا البيان أيضًا أن النبي القادم لن يكون من بني إسرائيل.

من أي أمة سيكون النبي المنتظر؟

إذا لم يكن النبي القادم من غير بني إسرائيل فمن أين سيكون هذا النبي؟ إلى أي قوم ينتمي حجر الزاوية الرئيسي هذا؟

الشخص أو المنطقة التي يمثلها هذا الحجر موضحة في مقطع آخر من التوراة:

“هكذا قال السيد الرب: ها إني واضع حجرا في صهيون حجرا ممتحنا، رأس زاوية كريما أساسا محكما من آمن به لن يتزعزع. وأجعل من الحق حبلا للقياس ومن البر مقياس التسوية. أما ملجأ الكذب فيجرفه البرد وتطفو المياه على مأواه”. (إشعياء 28: 16-17).

يقول المقطع أن هذا الحجر، الذي سيكون حجر الزاوية، قد وُضع في صهيون. فأين صهيون إذن؟
ويمكننا أن نتعلم هذا مرة أخرى من التوراة:

بيت الله في صهيون في وادي بكة

“طوبى للساكنين في بيتك، إلى الأبد يسبحونك. صلاح. طوبى للرجل الذي وجد ملجأ إليك، وقلبه في رحلة. أثناء مرورهم عبر وادي باكا يجعلونه مكانًا للينابيع؛ حتى مطر الخريف يغطيها بالبرك. ويذهبون من قوة إلى قوة حتى يظهروا كل واحد أمام الله في صهيون». (مزمور 84: 4-7).   

ورد في المقطع أعلاه عبارة “بيتك” التي تعني “بيت الله”، و”وادي باكا”، و”صهيون”. (أولئك الذين يمرون بوادي باكا يظهرون أمام الله في صهيون).

دعونا نفحص هذه الكلمات أكثر:

“بيت الله” هو تعبير يرد كثيرًا في التوراة والأناجيل. وعندما نرى أن هذه العبارة وردت في المزامير (52: 8، 135: 2) التي تعود إلى داود (عليه السلام) – وأن معبد سليمان لم يكن موجوداً في زمن داوود، نرى أن بيت الله المذكور في هذه النصوص- لا يمكن أن يكون معبد سليمان. فأين يمكن أن يكون “بيت الله” إذن؟

وبالفعل، عندما نحلل عبارة “بيت الله” نجد أنها تدل على الكعبة المشرفة في مكة بالضبط، وهي ذات الاسم العربي الذي يُستخدم للكعبة. مكة المكرمة تقع في واد ضيق، وفي نهاية الوادي يوجد ” بيت الله / الكعبة / بيت الله الحرام”.

ورد اسم “باكا/ بكة” في القرآن للإشارة إلى مكة. ولاحظ أيضاً كلمة “البيت في الآية:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ‌لَلَّذِي ‌بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96] 

“عندما يمر الشعب في وادي باكا، يظهرون أمام الله في صهيون”.

إذن يجب أن تكون صهيون منطقة المسجد الحرام حيث يقع بيت الله / الكعبة، ويجب أن يكون الأشخاص الذين يمثلون أمام الله في صهيون هم الأشخاص الذين يقصدون مكة لعبادة الحج حيث تقع الكعبة.

كلمات المسيح الأخيرة للجمهور

يقول المسيح شيئًا مهمًا للغاية في نهاية خطبته في بيت المقدس :

«يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا. هُوَ ذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!»  (متى 23: 37-39).

يقدم المسيح أربع معلومات مهمة في هذه الكلمات:

أ. يخرب بيت بني إسرائيل:

بقوله “هُوَ ذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً” يخبرنا المسيح أنه لن تُنزع النبوة من بني إسرائيل فحسب، بل سيفقد بيت المقدس أيضًا مكانته كقبلة (الاتجاه الذي يتجه إليه المؤمنون في الصلاة). لأن كلمة “بيت” لا تعني “البيت” فقط بل تعني “المعبد” أيضًا. لذا فإن المعبد المقدس الذي يتوجه إليه المؤمنون أثناء الصلاة لم يعد بيت المقدس . وقد حدث ذلك بنزول الآية 144 من سورة البقرة التي يأمر الله فيها المؤمنين بالتوجه إلى المسجد الحرام حيث تقع الكعبة (بيت الله) بدلا من بيت المقدس.

ب. سيأتي “باسم الرب”:

ليس اعتباطيًا أن يتحدث المسيح عن شخص “يأتي باسم الرب” لأن هذا أمر كان اليهود على علم به بالفعل. الشخص الذي “يأتي باسم الرب” مذكور أيضًا في التوراة، وكذلك في مقاطع “حجر الزاوية” في الكتاب المقدس: “مبارك الآتي باسم الرب”. “من بيت الرب باركناك”. (مزمور 118: 26).                                 

والشخص الذي يأتي باسم الرب هو الشخص الذي في “بيت الرب” أي ” بيت الله ” وهو اسم “الكعبة” في مكة . إن أهم دليل على “المجيء باسم الرب” موجود في القرآن أيضا، فأول آية من القرآن نزلت بمكة هي:

﴿‌اقْرَأْ ‌بِاسْمِ ‌رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1] 

هذه المعلومات مهمة للغاية لأن بني إسرائيل كانوا ينتظرون النبي الذي سيأتي “باسم الرب”. ليس الإسرائيليون فقط، بل أي شخص يقرأ ويؤمن بالإنجيل أو التوراة يمكنه أن يفهم أن أحمد هو الشخص الذي “يأتي باسم الرب” بعد قراءة هذه الآية من القرآن.

ج. سيكون “مباركًا”:

يخبرنا المسيح أن الشخص “الذي يأتي باسم الرب” سيكون هو الشخص الذي “يباركه” الناس. وهذا يطابق اسم “أحمد” الذي يعني الأكثر حمدا “المحمود”.

د- لن يرى الناس المسيح حتى يأتي “الواحد”:

يقول المسيح: “إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ”. وهذا يعني أن اليهود لن يذكروا عيسى حتى يأتي النبي التالي. في الواقع، ظن بنوا إسرائيل أنهم تخلصوا من المسيح حتى نزول القرآن، إلا أن المسيح بدأ يشكل مصدر قلق لليهود من خلال نزول الآيات القرآنية التي تبين حقائق عنه وموقف اليهود منه.

مزيد من التفاصيل حول النبي المنتظر

يقول الله في التوراة:

“أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن كل من لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أحاسبه» (التثنية 18: 18-19).

أ- نبي مثل موسى:

إن الصفات التي تجعل محمدا “نبياً مثل موسى” كثيرة أبرزها الهجرة وقيادة الأمة وتخليصها من حقبة مظلمة.

ب- من إخوة بني إسرائيل:

نعلم أن أهل مكة من ذرية النبي إسماعيل (ع)، وإسماعيل هو أخو إسحاق. إذن، “إخوة بني إسرائيل” هم “الإسماعيليون” على عكس الاعتقاد السائد بأن إخوة بني إسرائيل هم إسرائيليون آخرون. لا بد أن يكون هذا هو الحال لأن هذا الأخ “رذله البناؤون” بحسب المزامير 22:118-23.

ج – الأخ المرفوض

“أخ” بني إسرائيل الذي “رفضه البناؤون” لا يمكن أن يكون إلا إسماعيل وذريته، لأن الإسرائيليين لا يعترفون بإسماعيل كنبي ولا كشخص صالح. ومع ذلك، فهو يسمى في القرآن: “صادق الوعد والرسول النبي”[مريم: 54]  ، صاحب الخير[ص: 48]  و”الصابر” [الصافات: 102]  ، و”المفضل”[الأنعام: 86] .

وبأخذ كل ما سبق في الاعتبار، فإنه يتأكد أن «الحجر الذي رفضه البناؤون» هو من نسل إسماعيل حيث إن النبي الوحيد الذي جاء من نسله هو النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

المراجع في المصادر الإسلامية

يتجاهل بعض المفسرين حقيقة الآية 157 من سورة الأعراف التي تقول:

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا ‌عِنْدَهُمْ ‌فِي ‌التَّوْرَاةِ ‌وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: 157] .

ويقولون أيضًا “هناك أناجيل كثيرة جدًا، ففي أي واحد نجدها؟”، بالإضافة إلى الكلمات الأخرى المهينة للكتاب المقدس. إلا أن هذا الإعلان المهم الصادر عن المسيح لعلماء اليهود البارزين في بيت المقدس متضمَّن بالإجماع في أناجيل متى ومرقس ولوقا.[11] فعبارة “الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا ‌عِنْدَهُمْ ‌فِي ‌التَّوْرَاةِ ‌وَالْإِنْجِيلِ” في الآية هي الحقيقة نفسها التي نطق بها المسيح في خطبته.

كلام النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)  التالي يلخص ما قلناه حتى الآن:

«‌مثلي ‌ومثل ‌الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين»[4]

يمكننا أن نستنتج من الحقائق السابقة وكما جاء في التوراة والإنجيل أن النبي القادم سوف يبعث من العرب، أي الأميين، تحديدا الذين هم من نسل إسماعيل.

وبما أن الإسرائيليين فهموا هذه المعلومات التي قدمها المسيح جيدًا، فقد أرادوا إلقاء القبض عليه هناك على الفور. ومع ذلك، لم يتمكنوا من فعل أي شيء، خوفا من رد فعل الجمهور الذي كان يعتبره نبيا.

حجر الزاوية الرئيسي

إن كون النبي الخاتم هو “حجر الزاوية الرئيسي” يتوافق تمامًا مع مفهوم “أحمد” في القرآن. فكل الأنبياء مستحقون “الحمد” لأنهم الذين يختارهم الله من بين الناس. إلا أن هذه الصفة استخدمت في القرآن للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بصيغة التفضيل “أحمد”. ومع أن المدح مستحق لكل نبي ، إلا أن صفة “الأكثر مدحًا” تخص واحدًا منهم فقط. كل حجر في المبنى مهم، لكن حجرًا واحدًا فقط يتمتع بشرف كونه “حجر الزاوية الرئيسي”.

الخاتمة

عندما نتفحص التوراة والأناجيل المعتمدة من حيث العلاقة التأكيدية بينها وبين القرآن نحصل على معلومات مهمة عن نبي الله التالي للمسيح والأخير/الخاتم في سلسلة النبوة كما يلي:

– سيكون حجر الزاوية الرئيسي

– سيكون نبيا مثل موسى

– سيكون من نسل إسماعيل المرفوض إسرائيليا

– سوف يأتي “باسم الرب”

ولا شك أن “المنتظر” قد جاء بالفعل، وهو النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  كلمة “أُمِّي” هي من الجذر “أم” وتعني الشخص الذي كأنه بقي كما ولدته أمه ولم يتعلم (لسان العرب، مادة أم). والمقصود في الآية “من ليس لديه علم في كتاب الله”.

[2]  بحسب هذه الآية فإن “الأميين” هم قوم لم يؤت لهم كتاب إلهي. كان أهل مكة يُلقبون بـ “أميين” في الوقت الذي نزل فيه القرآن. ولم يكن ذلك لعدم قدرتهم على القراءة والكتابة، بل لأنه لم يكن معهم كتاب إلهي. أولئك الذين أعطوا كتابًا ولكنهم لا يعلمون محتواه يُطلق عليهم أيضًا اسم “أميون” ، ورد في القرآن وصف الأميين لمن بين أيديهم كتاب لكنهم لا يتدبرونه بحسب ما يريد الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ ‌أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [البقرة: 78]

[4]  صحيح مسلم (4/ 1791) ت عبد الباقي 22 – (2286)

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.