السؤال:
أعلم أن سؤالي غبي وقد يكون محرجا وفيه تقليل أدب مع الله حاشاه بالطبع. أنا حقا محرجة أن أسأل هذا السؤال:
من هو الشيطان، وما علاقة الشيطان بالله قبل أن يكفر، ماذا كان يفعل؟
وهل خلق الله الشيطان ليكون آية، فهو من خلق الله؟.
ولكن لماذا هو فقط من عصى الله؟ أقصد هل خلقه الله بإرادة حرة مثلنا؟ وإذا فعل لماذا عصى الله؟
ألا يحب الله فلماذا يعصيه من الأساس؟
وهل إن لم يعص الشيطان الله لما كنا موجودين هنا الآن في الدنيا؟
وهل الله يحب الشيطان حيث أعطاه العديد من الفرص للتوبة لكنه من أبي واستكبر؟.
من ماذا خلق الشيطان؟ هل خلق مثلنا من نفخ الله روحه فيه؟
أنا آسفة حقا لطرحي هذه الأسئلة غير المهمة والمحرجة، وأرجوكم فإن هذه الأسئلة كانت عندي عندما كنت طفلة لكن ما عرفت جوابها لذا تذكرتها الآن وأريد إرضاء طفلي الداخلي بالإجابة المقنعة.
الجواب:
ما طرحته الأخت السائلة في سؤالها الطويل يشغل بال الكثيرين لا سيما الأطفال ومن هم في مقتبل العمر، ولا ينبغي أن يشعر المسلم بالحرج من السؤال إن كان تشغله مسألة معينة. والحقيقة أن كل هذه التساؤلات قد أجابت عليها آيات القرآن بشكل مفصل، حيث سنحاول تجزئة الأسئلة والإجابة عليها ليسهل على القارئ الكريم احتواء الإجابة:
من هو الشيطان، وما علاقة الشيطان بالله قبل أن يكفر، ماذا كان يفعل؟
الشيطان قبل كفره كان واحدا من الملائكة الذين هم رسل الله تعالى من الجن، وقد خلقوا من النار، وقد ذكر الله تعالى في كتابه أن مادة خلق الإنسان هي الطين، بينما مادة خلق الجن هي النار. والآية لم تفرد حديثا عن الملائكة، وهم ليسوا من الإنس قطعا، مما يوحي بانضوائهم تحت مسمى الجن. قال الله تعالى:
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ. وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ [الرحمن: 14-15]
فلو كانت الملائكة صنفا ثالثا لذكرهم سبحانه، خاصة أن الآية في معرض بيان قدرة الله تعالى في الخلق، والملائكة خلق عظيم فناسب أن ينفردوا بالذكر لو كانوا خلاف الجن. قال الله تعالى:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر: 1]
هل خلق الله تعالى إبليس والجن بإرادة حرة مثلنا ؟
لقد خلق الله تعالى الجن (ومنهم الملائكة) بإرادة حرة كما البشر تماما، فهم مخيرون في الطاعة لا مسيرون، يقول الله تعالى:
﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 172]
والآية التالية تبين أن إبليس كان من جملة الملائكة عندما أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50]
فإبليس الذي كان من الجن لم يطع أمر الله تعالى بينما الملائكة الذين هم أيضا نوع من الجن سجدوا جميعا، والسبب في ذكر أن إبليس كان من الجن هو أنه تجرد من وصف الملك فور عصيانه لله تعالى.
فإبليس كان ملكا مقربا قبل أن يطرد من رحمة الله فتحول إلى شيطان رجيم بسبب إصراره على عصيان أوامر الله تعالى بالسجود لآدم.
وهل خلق الله الشيطان ليكون آية؟
كل مخلوق من مخلوقات الله تعالى هو آية على عظمة الله تعالى في الخلق وأن المخلوق يعجز عن مضاهاة خلق الله تعالى، ولذلك فإن إبليس كغيره من الجن والإنس والجماد يمثل آية من آيات الله تعالى في الخلق، ولا يلزم من كونه آية أن يكون مؤمنا. قال الله تعالى:
﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 20-21]
﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: 101]
﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ، قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16]
لماذا هو فقط من عصى الله؟
إبليس لم يكن أول من عصى، فقد عصى خلقٌ من الجن قبله، كما تبينه الآية التالية:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34]
(وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) أي صار من جملتهم بعدما كفر كما كفروا من قبل.
وعصيان الله تعالى ينبع في الأساس من تقديس النفس واتباع هواها، ومن ذلك أن إبليس رأى أن اتباع هوى نفسه أولى من التزامه أمر الله تعالى في مسألة السجود لآدم، كما تظهره الآيات التالية:
﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر: 32-35]
واتباع هوى النفس متلازم مع تفضيل الحياة الدنيا على الآخرة، فالاستعجال صفة في النفس قد تقود صاحبها نحو المسارعة إلى إرضاء الله أو تنحرف به نحو المسارعة إلى الدنيا ونسيان الآخرة، وقد بينت الآيات التالية السبب الرئيسي في ضلال الإنسان:
﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ﴾ [القيامة: 20-21]
بينما ينبه الله تعالى في مناسبات كثيرة على ضرورة ان يفضل المكلف الآخرة على الأولى، كما في الآية التالية:
﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى: 4]
﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ، وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 96]
وهل إن لم يعص الشيطان الله لما كنا موجودين هنا الآن في الدنيا؟
خلق الله تعالى آدم ليكون وذريته خلفاء الأرض وعمارها، وقد خلقه الله تعالى من تراب الأرض ومائها لأنه مخلوق لأجل الحياة فيها، أما حادثة إخراجه من الجنة بعد عصيانه لأمر الله تعالى بأكله من الشجرة التي نهاه الله تعالى أن يأكل منها وتوبته بعد ذلك فكان لتعليمه وبنيه درسا للحذر من غواية الشيطان:
﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22]
والعدو الأكبر للإنسان هو اتباع هوى النفس، أما عمل الشيطان فيكمن في تعزيز هذا الهوى وتزيين المنكر وصد الإنسان عن الحق، ويخطئ من يظن أن الإنسان يخطئ فقط بسبب الشيطان، فهذا لو يكن موجودا لرأينا الناس يخطئون كذلك وإن بوتيرة أقل.
ألا يحب الله، فلماذا يعصيه من الأساس؟
ربما كان إبليس محبا لله تعالى لكنه لما عصاه فاق حبه لنفسه حبه لله تعالى، وهذا نراه في الكفار والفساق من الناس فلا أحد منهم ينكر محبته لله تعالى، لأنهم يرون فيه خالقا ورازقا ومعينا، لكنهم لا يتبعون أوامره ولا يجتنبون نواهيه اتباعا لهوى أنفسهم، فهم في الحقيقة يضعون الله تعالى في المرتبة الثانية بعد أنفسهم، يقول الله تعالى في وصف هؤلاء:
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23]
فضلال المكلف يبدأ من اللحظة التي يقدس فيها هوى نفسه، فإن استمر مصرا مستكبرا يختم الله على قلبه فلا يعود ينتفع بالتذكير، وتعلو بصره غشاوة فلا يعود يستطيع رؤية الحق.
وهل الله يحب الشيطان حيث أعطاه العديد من الفرص للتوبة لكنه من أبي واستكبر؟.
الله تعالى لا يحب الكافرين كما في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: 38]
لكن رحمته الواسعة وعدله المطلق يوجبان منح الكافرين كل الفرص ليؤمنوا ويعودوا إلى الحق، وهذا هو السبب في منح إبليس الفرصة ليتراجع عن عصيانه.
*وللمزيد حول هذه المواضيع ننصح بالاطلاع على ما يتعلق بها من المقالات التالية:
الجن والملائكة https://www.hablullah.com/?p=2191
البشر والجانّ في القرآن الكريم https://www.hablullah.com/?p=5231
أهمية الإيمان بالملائكة https://www.hablullah.com/?p=2792
إشكالية الشر https://www.hablullah.com/?p=5801
لماذا لا يقبل غالبية الناس الحق؟ https://www.hablullah.com/?p=7671