حبل الله
لماذا لا يقبل غالبية الناس الحق؟ ولماذا لا يمنع الله تعالى الأذى الواقع على النساء؟

لماذا لا يقبل غالبية الناس الحق؟ ولماذا لا يمنع الله تعالى الأذى الواقع على النساء؟

السؤال:

في البداية أعتذر عن غرابة سؤالي، و لكنه يشغل بالي في كثير من الأوقات. وقد قرأت على موقعكم أن الضرب في القرآن الكريم ليس المقصود منه الضرب المتبادر (الإيذاء الجسدي)، و لكن سؤالي أن الله يعلم الغيب و يعلم كل شيء، و هناك الكثير من الزوجات تعرضن للضرب و الإهانة و التعنيف باسم الدين (للأسف) مدعين أن الضرب مذكور في القرآن. فلماذا ذُكر هذا اللفظ في القرآن و تسبب عنه كل هذا الضرر، و الله سبحانه كان قادرا على منع كل هذا من البداية. و الأشد من هذا أن الله تعالى أباح التعدد حيث وقع الظلم على آلاف النساء بسببه و تخربت بيوتهن و تعرضن للتهديد بهذا في كل سوء تفاهم صغيرا أو  كبيرا و كانت هذه العصا التي يهدد الزوج بها الزوجة، فلماذا علم الله بكل هذا الأذى الواقع علينا و لم يمنعه مسبقا؟ أليس الدين مهمته أن يحفظ أمان الأفراد؟ و يمنع عنهم أي أذى.
لا أعترض ولكني أعلم أن الله قادر على كل شيء، و تخيلت لو  أن كل هذا لم يكن موجودا من البداية!

أنا متابعة لكم و أقرأ فتاويكم و أنكم تقولون أن التفسيرات المختلفة هي التي فعلت هذا بنا على مر العصور، و لكن مع احترامي الشديد فان تفسيركم لشتى المسائل تختلف عن فتاويهم التي تسبب الأذى على مر العصور و هي الأكثر شهرة و انتشارا حيث لا يُرحب بأي آراء جديدة لتظل القديمة راسخة في الأذهان. فما الحل؟

لقد طرحت تفسيركم عن معنى (ضرب الزوجة) لشخص أعرفه، لكنه رفضه بشدة! و قال أن هذا المعنى بعيد جدا لغويا! و أن كل هذا لإرضاء النساء على حساب الكتاب! و لكني مقتنعة به جدا و أحترمه وأحترم موقعكم كثيرا وأدعوا لكم .

ولكن هذه الردود تشعرني باليأس من تغيير القديم! و تشعرني أني لست على حق! فهل الضرب بعيد أن بكون بمعنى التثبيت حقا؟

آسفه للإطالة و أرجو أن تتسع صدوركم لي.

الجواب:

شكرا لك على ثقتك بموقعنا ونسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنك.

أما حزنك بسبب أن ما ذهبنا إليه في مسألة (ضرب الزوجة) لا يقبله عامة الناس فهذا دليل على حسن نيتك وصدقك في البحث عن الحق، فالمؤمن يحزن على انحراف الناس في الفهم أو السلوك. قال الله تعالى في وصف نبيه الخاتم:

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ‌عَزِيزٌ ‌عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128] 

وينبغي أن لا يتحول هذا الشعور إلى حالة مرضية قد تمنع صاحبها من مواصلة الاحتكاك بالناس والتفاعل معهم ليقدم القدوة والفهم السليم. وقد وجه الله تعالى نبينا الكريم أن لا ينفطر قلبه على غي قومه بقوله سبحانه:

﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ ‌حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8] 

وقد أمرنا الله تعالى بقول الحق دائما حتى لو لم يقبل به إلا قلة من الناس، ويكفي المؤمن أن الله تعالى معه:

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ ‌اللَّهَ ‌مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194] 

لقد وصف الله تعالى إبراهيم بأنه كان أمة كاملة بإيمانه وتمسكه بالحق:

﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ‌كَانَ ‌أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: 120] 

ومما يؤنس حقا أن الله تعالى ينصر عباده المؤمنين ولو بعد حين. يقول الله تعالى:

﴿إِنَّا ‌لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51]

ويقول في حتمية ظهور الحق:

﴿بَلْ ‌نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18]

أما لماذا يستخدم الله تعالى لفظ الضرب للدلالة على التثبيت في البيت فلأنه استخدام لما تعاهده العرب من الألفاظ، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، لكن مع تعاقب الأزمنة بدأ قصر الكلمة على معنى الإيذاء الجسدي بفعل التفسيرات الخاطئة للكلمة، فالمشكلة هي في التفسير الخاطئ وليس في الكلمة ذاتها.

إن تحريف كلام الله تعالى ليس بالعمل الجديد بل هو قديم عانى منه الناس عبر تاريخهم، ولما كان تغيير كلمات القرآن مستحيلا نظرا لتعهد الله تعالى بحفظه من التبديل والتغيير [الحجر: 9]  فلم يبق أمام المجرمين سوى تحريف الكلمات عن معناها الحقيقي بإعطائها معنى آخر أو بفصلها عن السياق الذي جاءت فيه تارة وعن الآيات التي تتحدث عن نفس الموضوع تارة أخرى، والمقصد هو تحريف كلام الله تعالى ليتوافق مع رغباتهم وتحقيق أهدافهم.

فهؤلاء يحرفون الكلام من بعد مواضعه ليدّعوا أن الله تعالى هو الذي أمرهم بهذا، وهؤلاء قال الله فيهم:

﴿‌وَإِذَا ‌فَعَلُوا ‌فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [الأعراف: 28-29] 

أما عن التساؤل (فلماذا علم الله بكل هذا الأذى الواقع علينا و لم يمنعه مسبقا؟)

وللإجابة على هذا التساؤل يجب معرفة مهمة الإنسان على هذه الأرض وغاية وجوده، فإن علمنا أن وجوده ليكون مبتليا وممتحنا علمنا لماذا لا يمنع الله شرور البشر قبل حدوثها:

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ‌لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2] 

فلو فعل الله تعالى ذلك لانتهى امتحان البشر ولما بقي لغاية خلقهم أي معنى. إن المطلوب من البشر أن يفعلوا الخير وأن ينتهوا عن الشر بمحض إرادتهم، فإن التزموا عاشوا السعادة في الدنيا والآخرة، وإن نكصوا وتنكبوا خسروا الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ ‌الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: 11] 

أما تعدد الزوجات للرجل الواحد فهو مشروع لحل مشكال اجتماعية وليس حصرا لسد رغبات الرجال كما يزعمه البعض[1]، فلا يصح أن يكون وسيلة لتهديد وإرهاب الزوجة.

إن سوء استخدام الصلاحية يتحمل نتائجه المستخدم وليس المشرع، وكلٌ يحاسَب بحسب كسبه من الخير أو الشر، ومن فاتته العقوبة على الذنب في الدنيا فلن تفوته في الآخرة إلا بتوبة صادقة ورد للمظالم إلى أصحابها. قال الله تعالى:

﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. ‌فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: 111-112] 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر (لماذا يشرع الله تعالى تعدد الزوجات بالرغم من أنه ليس في صالح الزوجة الأولى؟) https://www.hablullah.com/?p=7403

 

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.