حبل الله
هل الزوج يُحاسَب على خلع زوجته لحجابها؟ وهل يُحاسَب المرء على شعور الكراهية تُجاه من يسيء إليه؟

هل الزوج يُحاسَب على خلع زوجته لحجابها؟ وهل يُحاسَب المرء على شعور الكراهية تُجاه من يسيء إليه؟

السؤال: زوجت ابني من فتاة قيل لي إنها ذات خلق ودين، ولم أبحث عن الجمال لأني أردت زوجة تساعد ابني على حفظ دينه، فهو شاب أحسبه ذا خلق ولا أزكيه على الله، ومن ناحية تدينه فهو عادي؛ يصلي ويصوم كما بقية الشباب. ويشهد الله أني عاملتها كابنتي، وعندي كنة قبلها أحبها وتحبني وأعتبرها ابنتي. فأنا اؤمن منذ صغري بأن الكنة هي ابنة والصهر هو ابن، وهكذا تعاملت مع أهل زوجي.

بعد سنة من زواج ابني _وكنت أظن أن العلاقات طبيعية بيننا_ بدأت تحدثني عن الحجاب وأنه ليس فرضا وأنها أُجبرت عليه، ولما اختلفت وجهات نظرنا افترت علينا بأننا لا نعاملها جيدا وأخبرت ابني بانها لا تريدنا، وقالت له نحبهم من بعيد، طبعا ابني يعيش في بيت منفصل عنا ويأتي يزورنا مرة بالأسبوع/ أي أنها لا تريد أن تزورنا. وبعد مشاكل عدة أصبح ابني يأتي وحده لزيارتنا وحُرمنا زيارته ودخول بيته. وطبعا هي خلعت الحجاب وابني يعتقد أن كل إنسان مسؤول عن نفسه وأنه غير مسؤول عن أفعالها، أي أنه لن يحاسب عنها. فهل هو مسؤول عنها أمام الله تعالى لا سيما أنها عنيدة وقد حدثت مشاكل بينهما وهددت بالانتحار مدعية أن الحجاب يؤثر عل نفسيتها؟. وتسببت بمرض ابني نتيجة التوتر الذي عاشه. وتبين لنا أن كل افتراءاتها لكي تعيش حياتها كما تريد.

لقد قررنا أن ننسى أن ابننا متزوج، وقد قلت لها ذلك كي لا يبقى ابني في هذا التوتر.

سؤالي هل سيحاسب ابني عن خلعها للحجاب. وهل سيؤاخذني الله عن مشاعر الكره التي أكنها لها علما بأني والله ما كرهت أحدا في حياتي علما أني تعرضت في حياتي المهنية لكثير من المشاكل واستطعت أن أحلها وتحول أعدائي إلى أصدقاء بفضل الله. لكنها تسببت لي بصدمة وزلزلت ثوابتي في التعامل وشككت في نفسي من كثرة افتراءاتها ولم أتوازن إلا بعد فترة بمعونة الله تعالى.

وأدعو الله عليها أن يصرفها عن ابني، فهل سيؤاخذني الله؟.

الجواب: في البداية إن مسألة فرضية الحجاب (غطاء الرأس) أمر ثابت بكتاب الله تعالى ولا شبهة فيه، وإنما أثيرت حوله في الآونة الأخيرة بعض الأقاويل نتيجة تسمية غطاء رأس المرأة بالحجاب، حيث إن هذه الكلمة لم تأت في كتاب الله تعالى بمعنى لباس المرأة، وإنما بمعنى الحاجز الذي يمنع الرؤية (الأحزاب 53)، أما لباس المرأة فله مسمياته كالخمار والجلباب اللذين تستر المرأة بهما كامل بدنها بما في ذلك شعرها، وقد استثنت الآية (النور 31) ما يظهر من زينة المرأة بالضرورة كالوجه والكفين.

ومع مرور الوقت أصبح الناس يطلقون على لباس المرأة كلمة الحجاب، وفي الأزمنة المتأخرة بدأت الكلمة تنحصر في غطاء الرأس تحديدا، وهذا التحول في معنى الكلمة عند الناس لا يغير حقيقة المعنى الشرعي الذي ينبغي الوقوف عليه بحسب استخدام القرآن للكلمة وليس إلى ما صارت إليه في الاستخدام اليومي.

أما بالنسبة لمسألة حساب الله تعالى لزوج المرأة التي تخلت عن لباسها الشرعي فإن أي إنسان لا يحاسب على فعل غيره، قال الله تعالى:

﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَۖ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (الزمر 7)

فكما نرى لا أحد يحمل وزر أحد حتى في الكفر والشرك بالله تعالى وهو أعظم الظلم وليس بعده ذنب.

فلم يجعل الله تعالى لأي إنسان حق السيطرة الدينية على إنسان آخر حتى لرسله، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مخاطبا خاتم أنبيائه:

﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية 22).

ولا يُطلب منهم إكراه الناس على الهداية:

﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (البقرة 272)

ولا أحد يملك هداية أحد حتى أقرب المقربين:

﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (القصص 56).

والذي يقع على المسلم هو أن يبلغ أوامر الله تعالى ونواهيه، وأن يبدأ بأهله وأقرب الناس إليه:

﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء 214)

وليس عليه سوى الإنذار باللين، أما الحساب فهو لله رب العالمين:

﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ (الأنعام 52)

وقد ضرب لنا القرآن الكريم كل الأمثلة على ذلك الأمر، فلم يعاقب خليله إبراهيم على كفر أبيه، ولا نبيه نوح على كفر ابنه أو زوجته، ثم ذكر لنا الزوجة في قوله سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ (التحريم 10).

وبعدها ذكر لنا حالة كفر الزوج في قصة امرأة فرعون (التحريم11)

وقد قال تعالى لنبيه الكريم أن يقول لأزواجه:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ (الأحزاب 28)

ولم يطلب منه أن يعاقبهن بل فرض عليه إعطاءهن حقهن من نفقة المتعة وتسريحهن باللطف والإحسان.

ومن هنا فليس على هذا الزوج شيء من حساب زوجته إلا في حالة واحدة، وهي إن كان هو المتسبب في خلعها للحجاب وغوايتها. قَالَ عز وجَلَّ:

﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ (النحل 25).

أما بالنسبة لمسألة الكراهية والعداوة لمن خلعت الحجاب فإنه بالرغم من أن الإنسان ليس له يد في مسألة المحبة أو الكراهية ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي للمؤمن الحق أن يغذي مشاعر الكراهية والعداوة لديه إلا لمن حارب الله تعالى ورسوله، فكل بني آدم يخطئون، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّىۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ (فاطر 45)

فتلك المشاعر وما يترتب عليها من التنافر وقطع أواصر القربى التي أمرنا الله تعالى بوصلها _حتى لو كانوا كافرين_ قد تجعل المسلم يزكي نفسه على حساب غيره وكأنه لا يخطئ ولا يذنب، وقد نهانا الله سُبْحَانَهُ عن ذلك بقوله:

﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ (النجم 32).

ولذلك علينا أن نعفو ونصفح ليقبل الله تعالى منا، ولنكون قدوة في هذا السلوك الجميل امتثالًا لقوله تعالى:

﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُواۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النّور 22).

فالله سبحانه يغفر كل الذنوب إلا أن يشرك به:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا﴾ (النساء 48).

وواجبنا تجاه المذنبين أن ننصحهم باللين وأن نظهر الرأفة بهم والاستغفار والدعاء بالهداية لهم، وأسوتنا في ذلك هو رسولنا الكريم الذي قال له ربه:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ (آل عمران 159)

ذلك أن التعامل بالحسنى هو أرقى وأقصر الطرق للدعوة إلى سبيله سبحانه:

﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل 125)

وخاصة بين الأهل وذوي القربى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَاۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًاۖ نَحْنُ نَرْزُقُكَۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ (طه 132).

نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال الناس وأن يهدينا جميعا لخير الأعمال والأقوال والنوايا، إنه سميع مجيب.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

موقع حبل الله www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.