حبل الله
بطلان قصة الغرانيق وبند تصدير العبيد في معاهدة البقط

بطلان قصة الغرانيق وبند تصدير العبيد في معاهدة البقط

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله

أتمنى من حضرتكم الإجابة على أسألتي فلقد وجدت الراحة في منطقكم في فهم القرآن الكريم والسنة في هذا الزمان المليء بالشبهات، ولا أُخفي عليكم أنني أُصاب أحيانا بالشك من كثرتها، ولكني أظل أبحث حتى أجد الجواب الشافي، فأشكركم على إجاباتكم الشافية لي .

عندي سؤالان: 

الأول:  ما رأيكم بقصة الغرانيق وخطأ الرسول بتحدثه عن اللات والعزى وبأنه ترجى شفاعته؟

والثاني:  عن موضوع العبيد. يوجد معاهدة في عهد عثمان بن عفان بين المسلمين ومصر تسمى بمعاهدة القبط،  التي كان من إحدى بنودها تصدير الدولة الإسلامية العبيد لمصر أرجو مراجعة الموضوع .  انتظر إجابتكم وجزاكم الله كل الخير.

الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله، وشكرا لتواصلك معنا وعلى ثقتك بموقعنا.

أولا: حديث الغرانيق[1] رجح علماء الحديث ضعفه من جهة السند، “ذكرُوا أَنه لما قَرَأَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة النَّجْم وَبلغ قَوْله – تَعَالَى -: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه، وحماه الله من ذَلِك: تِلْكَ الغرانيق العلى، وَإِن شفاعتهن لترتجى، وَأَنه لما بلغ آخر السُّورَة سجد، وَسجد مَعَه الْمُؤْمِنُونَ، والكافرون، ثمَّ أخبرهُ جِبْرِيل بِمَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان على لِسَانه من ذَلِك، فَحزن فَنزل تَسْلِيَة لَهُ قَوْله – تَعَالَى -: {وَمَا أرسلنَا قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} الْآيَات من سُورَة الْحَج. فَهَذِهِ الْقِصَّة كذب مفترى كَمَا ذكر هَذَا غير وَاحِد، وَلَا عِبْرَة بِمن قواها وأولها؛ إِذْ لَا حَاجَة لذَلِك، وَصَحَّ من هَذِه الْقِصَّة فِي الصَّحِيح قِرَاءَة سُورَة النَّجْم، وَسُجُوده وَسُجُود الْمُسلمين والكافرين، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر قصَّة الغرانيق أصلا،

وَمَا هُوَ مَذْكُور فِي السُّورَة الْمَذْكُورَة من ذمّ آلِهَتهم فِي قَوْله – تَعَالَى -: {إِن هِيَ إِلَّا الْأَسْمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان} الْآيَة، يكذب هَذِه الْمقَالة المضللة؛ إِذا لَو وَقعت مِنْهُ لردوا عَلَيْهِ قَوْله، حَيْثُ اجْتمع فِيهِ الذَّم والمدح،

وَأما نزُول قَوْله – تَعَالَى -: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى} الْآيَة، فَلم يعلم هَل نزلت قبل هَذَا أَو بعده أَو فِي حِينه، وَقَول ابْن عَبَّاس – رَضِي الله عَنهُ – فِي تَفْسِيره: إِن تمنى مَعْنَاهُ تَلا وَقَرَأَ، لَا يدل على مَا زعموه من أَن معنى الْآيَة: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى} أَي: قَرَأَ {ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} ، أَي: قِرَاءَته مَا يُرْضِي الْمُرْسل إِلَيْهِ كَمَا ألْقى الشَّيْطَان فِي قِرَاءَة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَلِمَات الْمَذْكُورَة، وَهِي تِلْكَ الغرانيق العلى، لِأَنَّهُ لَو فسر تمنى بِمَعْنى قَرَأَ وتلا على قَول ابْن عَبَّاس كَانَ مَعْنَاهُ أَنه إِذا قَرَأَ النَّبِي أَو الرَّسُول مَا يُوحى إِلَيْهِ من ربه ألْقى الشَّيْطَان فِي قِرَاءَته لقلوب الْمُشْركين والكافرين أوهاما حَتَّى لَا يُؤمنُوا بِهِ، ثمَّ إِذا أَرَادَ الله هِدَايَة أحد مِنْهُم نسخ من قلبه هَذَا الْوَهم، وَأحكم فِي قلبه الْحق، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِع فِي شَأْن الْكفَّار عِنْد سَماع الْحق، وَيَزُول عِنْد الْإِسْلَام بقدرة الله – تَعَالَى -، فَلَا إِشْكَال فِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس، وَقيل: مَعْنَاهُ: إِذا تمنى هِدَايَة قومه، واشتهى ذَلِك ألْقى الشَّيْطَان فِي قُلُوبهم خلاف مَا اشتهاه حَتَّى يفتح الله بَاب قلب ذَلِك العَبْد، وَلَا يغتر بِمَا انتصر لَهُ ابْن حجر فِي شرح الهمزية من تَصْحِيح هَذِه الْقِصَّة وَأول تِلْكَ الْأَلْفَاظ بتآويل بعيدَة فَهُوَ من التعسف، وَالله أعلم”[2].

والحق أن قصة الغرانيق مفتراة بتمامها؛ لأنها تفترض أن الشياطين تستطيع أن توحي للنبي أثناء تلقيه الوحي من جبريل عليه السلام، وهذا مناقض لقوله تعالى في آخر سورة الجن:

{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (الجن، 26_ 28)

أمين الوحي هو جبريل عليه السلام، أما الرصد فهم الملائكة المرافقون له، وعندما يجيء أمينُ الوحي النبيَّ بالرسالة يرافقه مجموعة من الملائكة كحراسٍ من تدخل الجن. فتحيط الملائكة “الرصد” بالنبي عند إيحاء جبريل له بالقرآن؛ ليعلم النبيُّ ويستيقنَ أنَّ ما جاءَه هو رسالةُ الله تعالى التي لم تخالطها وساوس الشيطان أو سنوحات الخيال، فيحيط بما سمع، ليكون بعدئذ مكلفا بتبليغه إلى الناس.

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ شَيَّعَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا سَدَّ الْأُفُقَ»[3] وفي رواية موقوفة على ابن عباس: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً بِمَكَّةَ لَيْلًا وَحَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجْرُونَ حَوْلَهَا بِالتَّسْبِيحِ»[4]

ثانيا: أما بالنسبة لما ورد في معاهدة البقط من تصدير العبيد من بلاد النوبة إلى ولاية أسوان فتذكره كتب التاريخ، ولا يعني ذكره فيها أنه صحيح؛ لأنه افتري على عثمان بن عفان كما افتري على غيره، بل إن من افترى على الله ورسوله في مسألة استرقاق الأسرى واتخاذ الجواري لأهون عليه أن يفتري على عثمان.

إن اتخاذ الأسرى عبيدا ثم بيعهم في أسواق النخاسة هو خلق جاهلي منعه الإسلام ، لكنه عاد إلى بلاد المسلمين في القرون اللاحقة لما ابتعد الفقه أن يكون مصدره القرآن الكريم، فقد وجدنا من الفقهاء من أقر استعباد الأسرى وبيعهم بل واتخاذ الجواري بدون عقد النكاح في مخالفة واضحة للقرآن الذي حرم العلاقة بين رجل وامرأة إلا بعقد النكاح.

وقد تناول أ.د عبد العزيز بايندر هذه المسألة بمقالة قيمة بيّن فيها كيف تم تحريف النصوص للوصول إلى تجويز استعباد الأسرى واتخاذ الجواري وما إلى ذلك. المقالة بعنوان (استرقاق الأسرى واتخاذ الجواري) وقد نشرت على موقع حبل الله في الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=2742

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  الغرانيق هِي طيور المَاء

[2]  أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ، ص 193، حديث رقم 947 –

[3]  رواه الحاكم في المستدرك برقم 3226

[4]   المعجم الكبير للطبراني برقم 12930

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.