حبل الله
ما هو اللعان وما الغاية من تشريعه؟ ولماذا يكون بطلب الزوج؟

ما هو اللعان وما الغاية من تشريعه؟ ولماذا يكون بطلب الزوج؟

السؤال: لماذا شرع الله اللعان في حال كشف الزوج خيانة زوجته بدون شهود و لم يشرعه للمرأة في حال كشفت خيانة زوجها عند عدم وجود شهود؟ فماذا تفعل المرأة إن خانها زوجها ولم تجد شهودا؟ لماذا أحل اللعان للرجل فقط؟ أو ليست المرأة تشعر و تتأذى من الخيانة أيضا؟ لماذا إذا خانت هي تُفضح! و هو يُستر؟ وأيضا فإن الشيوخ يقولون بإباحة دم الزوجة في حال خيانتها و يجيزون لزوجها قتلها! فهل يحل له هذا دينيا؟

الجواب: في البداية يجب توضيح نقطتين غاية في الأهمية:

  • إن حدود الله تعالى تؤخذ من كتابه فقط وليس لأي مخلوق أن يفتري على الله تعالى وكتابه ما ليس منه، فكل رأي أو قول لا نجد مستندا له من كتاب الله تعالى فهو مردود ولا يلزمنا بشيء.
  • أنه إذ رفع الزوج دعوى قضائية بعدم ثبوت نسب الطفل إليه فإن المحكمة تطالبه بالدليل على دعواه وإن ثبتت دعواه فلا ينسب الطفل إليه وينسب لمن قامت الزوجة بالزنا معه قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾  (الأحزاب 5) وإن لم تثبت الدعوى فهذا الطفل هو ولده شرعًا وقانونًا.

ومن هنا فإن مسألة نسب طفل إلى غير أبيه يمكن تصورها من المرأة لا من الرجل؛ وذلك لأن المرأة قد تأتي بطفل من رجل غير زوجها وتنسبه إليه أما الرجل فكيف له أن يأتي بطفل ويدعي نسبه لزوجته؟!

ويجب توضيح أنه إذا تبث كذب الزوج في ادعاء عدم نسب الطفل إليه فإن حكمه في كتاب الله تعالى أن يعاقب بحد القذف قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًاۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النّور 4) وذلك لأن دعواه يترتب عليها قذف الزوجة بالزنا.

أما بالنسبة لقضية اتهام الزوج زوجته بالخيانة والزنا ومسألة إباحة قتله لها فيُرد عليه بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ (النّور 6- 10)

فكما يتضح من آيات الله البينات أنه إذا رأى الزوج زوجته في حالة الزنا فإنه يشهد خمس شهادات وعلى المرأة أن تشهد خمس شهادات مثله تمامًا، ولم يفرق الله تعالى بين شهادتيهما، ولم يذكر القتل تصريحا أو تلميحا في الآيات، بل قال سبحانه ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ وليس (ويدرأ عنها القتل).

والعذاب هو الجلد مئة جلدة المذكور في بداية السورة نفسها:

﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النّور 2)

وحكم الله تعالى هنا بالأيمان الخمس هو من رحمته سبحانه وحكمته البالغة في الحفاظ على كيان الأسر، فإنه حتى لو كانت المرأة قد زنت بالفعل وحلفت الأيمان فلا عذاب عليها وذلك لعدم إلحاق الفضيحة بأسرتها وأولادها، وحسابها عند ربها.

أما عن السؤال لماذا ذكرت الآيات حالة المرأة فقط؟

ذلك لأن المرأة هي الأكثر تضررًا من مسألة تهمة الزنا بتشويه سمعتها فأنزل الله تعالى في كتابه حدًا لمن يقذفها به بدون دليل حتى لو كان زوجها (النّور 4).

بل أنه سبحانه قد ذم مجرد التكلم عنها وسماه بهتانًا عظيمًا قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ (النّور 16).

وقد لعن من يتكلمون به: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النّور 23).

فلماذا لم نقل أن الله تعالى قد ذكر حد القذف في حق المرأة ولم يذكره للرجل؟!

وهل يصح لنا بعد ذلك أن نقول أن الإسلام ستر الرجل وفضح المرأة؟!

أم أنه سبحانه سترها وأهلها كي لا يعيرون طيلة حياتهم؟ فصدق الله العظيم ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ (النور 10)

فكما نرى فإن الله تعالى لم يفرق بين عقوبة الرجل والمرأة في جميع الحدود وليس فقط في حالة الزنا، ولكن البعض يرد حكم الله تعالى ويفترى عليه وعلى رسوله الكذب ليستبيح بذلك دم المرأة وقتلها بدون حق. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (المائدة 45) فلا تُقتل النفس إلا قصاصا. والمتجاوزون سوف يلقون جزاءهم ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ﴾ (المائدة 32)

وختامًا: فالله سبحانه وتعالى قد جعل للمرأة حق الافتداء دون أن تُسأل عن سبب ذلك. قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ (النساء 130) فكيف لا يعطيها الحق أن تفارق زوجها إذا تأذت من خيانته لها؟!

وينبغي التنويه أن الزاني أو الزانية يكون قد خان عهد ربه تعالى قبل أن يخون زوجه. والخيانة خلق منبوذ سواء صدر من المرأة أو الرجل، وإن كانت فاحشة الزنا أكبر في حق المرأة خاصة إن جاءت بطفل ونسبته إلى زوجها ظلمًا وبهتانًا، لذلك كان عدم افتراء المؤمنة بنسب طفلها مما كن يبايعن نبينا الكريم عليه. قال الله تعالى:﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ ‌يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (الممتحنة ١٢).

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.