حبل الله
عقوبة شارب الخمر

عقوبة شارب الخمر

السؤال: كم جلدة يجلد شارب الخمر، قرأت أنه يجلد 40 جلدة وقرأت انه يجلد 80. أرجو توضيح المسألة.

الجواب: لم يأت في كتاب الله تعالى أي إشارة على العقوبة القضائية (الدنيوية) لشارب الخمر، وإنما نصت الآيات على تحريمها وما كان محرما فأمر فاعله إلى الله تعالى؛ إما يعذبه أو يعفو عنه، وقد أمر الله تعالى باجتنابها أي الابتعاد عنها لذلك استحق شاربها ومن اشتغل بها خدمة للشارب اللعن[1].

 ورغم عدم وجود ما يفيد عقوبة شارب الخمر إلا أن جمهور الفقهاء رأوا أن العقوبة فيها حد من حدود الله، وقد ذهب البعض منهم إلى أن الحد ثمانون جلدة مستدلين بتقدير عمر رضي الله عنه، وذهب الآخرون أنه أربعون محتجين بما اتفق عليه الصحابة زمن أبي بكر، ومن العجيب ادعاء الإجماع دون الرجوع إلى القرآن والسنة الصحيحة الموافقة للكتاب.

ومن الغريب حقا اعتبار العقوبة حدا من حدود الله رغم الإختلاف في تقديرها ورغم صعوبة نسبة تلك التقديرات للنبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن عدم وجود إشارة عليها في القرآن الكريم. وقد حملت أقوال الفقهاء تناقضات كبيرة وهم يسوقون الحجج لإثبات الحد في الشرب حتى وصل التناقض إلى حد زعم الشيرازي بقوله “فإن رأى الإمام أن يبلغ بحد الحر ثمانين وبحد العبد أربعين جاز”[2] .

وبعد أن نقل ابن حجر رواية ابن عباس والتي تفيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب في الخمر أثناء غزوة تبوك التي حصلت في السنة التاسعة للهجرة رد على هذه الرواية بقوله ” إن الإجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد لأن أبا بكر تحرى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران، فصيره حدا، واستمر عليه، وكذا استمر من بعده، وإن اختلفوا في العدد. “[3] وقول ابن حجر: “فصيَّره حدا” يشير صراحة أن الخمر لم يكن فيه حد أصلا.

وقد ذهب البعض إلا أن العقوبة في الخمر تعزير وليست حدا، واستدلوا بالأحاديث الواردة؛ فإنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب، وقد سئل ابن شهاب “كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر؟ فقال: لم يكن فرض فيها حدا، كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم: ارفعوا “[4]

وورد أنه لم يضربه أصلا وذلك فيما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “لم يوقت في الخمر حدا “[5] ، وقد روي عن ابن عباس: “وشرب رجل فسكر فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس، فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم يأمر فيه بشيء “[6]  وفي رواية أخرى عن ابن عباس “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إلا أخيرا، ولقد غزا تبوك فغشي حجرته من الليل سكران فقال: ليقم إليه رجل فيأخذ بيده حتى يرده إلى رحله”[7].

وعن علي قال: “ما من رجل أقمت عليه حدا فمات فأجد فى نفسى فيه شيئا إلا صاحب الخمر فإنه لو مات لوديته لأن النبى – صلى الله عليه وسلم – لم يسنه وإنما نحن سنناه” [8]

هذه الرواية تنفي أن يكون النبي عاقب على شرب الخمر، وهذا هو الأصل الموافق للكتاب؛ حيث لا إشارة فيه على عقوبة شارب الخمر، والنبي مأمور باتباع ما أنزل إليه من ربه. بقوله تعالى {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام، 106) ثم يُؤمر النبي أن يخبر قومه بهذه الحقيقة بقوله تعالى {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف،203)

ولو كانت العقوبة حدا كما يدعي جمهور العلماء لما جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعفو عن أي شارب كما أفادت الروايات السابقة. ولمّا تبين أنه عفا فهذا يدل دلالة قاطعة أنه ليس في شرب الخمر حد.



[1] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أتانى جبريل فقال يا محمد إن الله لعن الخمرَ وعاصرها ومُعْتَصِرَها وشاربها وحاملها والمحمولةَ إليه وبائعها ومُبْتَاعها وساقيها ومُسْقِيَها. أخرجه أحمد (1/316، رقم 2899) ، والطبرانى (12/233، رقم 12976) . قال الهيثمى (5/73) : رجاله ثقات. والحاكم (2/37، رقم 2234) ، وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبى. وغيرهم

[2] المهذب / 18/ 448.

[3] فتح الباري لابن حجر، باب الضرب بالجريد والنعال، 12/72

[4] سنن أبي داود، الحدود (4488)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 88).

[5] سنن أبي داود الحدود (4476)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 322).

[6] سنن أبي داود الحدود (4476)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 322).

[7] فتح الباري، باب الضرب بالجريد والنعال، 12/72

[8] أخرجه البخارى (6/2488، رقم 6396) ، ومسلم (3/1332، رقم 1707) ، وأبو داود (4/165، رقم 4486) ، وابن ماجه (2/858، رقم 2569) ، وعبد الرزاق (7/378، رقم 13543) ، وأحمد (1/130، رقم 1084) ، وغيرهم

التعليقات

  • هل معنى كلامك يادكتور ان النبى لم ينص على ان فى الخمر حداً فهل من الممكن ان ناخذ بحد الصحابة لان الرسول بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى ولان عمركما فعل فى التراويح جعل فى امام واحد كع انها كانت فى عصر الرسول متفرقة والمسلمون يصلون التراويح وراء امام واحد

    • لا يصح أن ينسب الحد إلى الله تعالى ما لم ينزله في كتابه الكريم، أما ما صدر من الصحابة بهذا الخصوص _إن صح نسبته إليهم_ فلا يعدو كونه اجتهادا منهم، واجتهاد الصحابة لا بد وأن يُعرض على كتاب الله تعالى ، فإن وافقه فنعمّا هو، وإن لم يوافقه توقفنا عن الأخذ به والتزمنا كتاب الله تعالى الذي هو الحجة علينا دون غيره، ونحن محاسبون أمام الله تعالى بناء عليه.

    • لا يجوز لسببين:
      الأول أن الحديث هذا ضعيف فالرسول لم يقل سنتي و سنة الخلفاء الراشدين من بعدي. بل قال تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعده أبدا كتاب الله و عترتي. و لك بحث هذا
      الثاني أنه لا يجوز لأحد أن يحدث عقوبات لم يشرعها الله مهما كان هذا الشخص من الصحابة آل البيت أو من الصحابة القرشيين أو غيرهم.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.