حبل الله
عثرات الإنسان، مقدرة أم عشوائية؟

عثرات الإنسان، مقدرة أم عشوائية؟

السؤال:

بعد أن دخلت سنا معينة بدأت أشعر بأن حياتي قد قلبت، مشاكل من حيث أدري ولا أدري. فهل هي اختبار أم مجرد عثرات لا بد منها في هذه الحياة. سؤالي هنا: هل هذه الأمور مدبرة؟ أي هل الله سبحانه قد وضعها لي أم أنها عشوائية؟ فربما هناك أمور سيئة أنا فعلتها لنفسي، وهل يدبر الله الحياة في كل لحظة أم أن التدبير كان في بداية الخلق ثم ترك لتدبيره الأول كالقوانين الكونية أو سنن الله في الأرض مثلاً الولادة و الجاذبية و تدافع الناس؟

الجواب:

بداية لا بد من الوقوف على معنى القدر في القرآن الكريم:

القدر هو المقاييس والقوانين التي وضعها الله لكل شيء، وقد وضع الله المقادير وأمر الناس أن يراعوها ويعملوا بموجبها، ولم يجبر أحدا عليها، لأن الاجبار مناف للتكليف. ثم وعد سبحانه بأن يفتح الطريق لمن يعمل صالحا ويسهل له عمله، وهذا إكرام من الله تعالى الذي قال:

﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى. فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىفَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ (الليل، 92/4-7).

وكما أنه سبحانه يسهل طرق الهداية لمن سلك سبيلها، فإنه كذلك يشق على الذين بخلوا وكذبوا وأعرضوا عن سبل الهداية، وهذا إنذار من الله تعالى يمتحن به من يشاء ليهتدي. قال الله تعالى:

﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ (الليل، 8-10).

هل ما يحدث لك اختبار أم مجرد عثرات؟

كل ما يحدث في الحياة يقع ضمن حكمة الله والمقادير التي وضعها لكل شي، ومن ذلك:

  1. الاختبار والابتلاء: قال الله تعالى:
    ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155)
    أي أن الله يختبر عباده ليرى صبرهم وثباتهم. فقد يكون ما يتعرض له الإنسان من مصائب وعثرات هي من باب الاختبار.
  2. نتيجة أفعالنا: قد تكون بعض المشكلات بسبب قرارات أو أفعال خاطئة قمنا بها، لأن تجاوز المقادير التي وضعها الله تعالى لكل شيء لا بد أن يوقع الإنسان في العنت والمشقة والنتائج التي لا يرغب بها. قال الله تعالى:
    ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ (الشورى: 30)
    أي أن بعض الأمور السيئة قد تكون بسبب أخطائنا، لكن الله بلطفه يعفو عن كثير منها، ومع ذلك يصيب الإنسان الكثير من المصائب بسبب سوء عمله، لأن المقدمات السيئة لا تفضي إلى نتائج حسنة، وهذا قانون قدره الله تعالى.
  3. رحمة وخير خفي: أحيانًا تكون المصائب بابًا لخير لم نكن لندركه، كما قال النبي ﷺ: “عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ” (رواه مسلم).
    فقد يكون الله يهيئك لأمر أعظم، أو يرفع درجتك في الدنيا والآخرة.

هل الأمور مدبرة من الله في كل لحظة أم أن التدبير كان في البداية فقط؟

الله سبحانه يدبر كل شيء في كل لحظة، وليس فقط في بداية الخلق. يقول تعالى:

﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ﴾ (السجدة: 5)

وهناك نوعان من التدبير:

  1. تدبير سنني (قوانين كونية ثابتة): مثل الجاذبية، حركة الكواكب، قوانين الفيزياء… وهي مستمرة بحكمة الله تعالى.
  2. تدبير خاص لكل إنسان (القدر المتغير): الله سبحانه يتدخل في حياة العباد بحكمته، يرفع أقوامًا ويخفض آخرين، ويغير الأحوال بقدرته، استجابةً لدعاء أو عمل صالح أو غيره.

هل حياتك تسير عشوائيًا؟

لا عشوائية في هذا الكون، ولا شيء يحدث بلا سبب. كل شيء يقع بقدر الله، حتى لو بدا لك غير مفهوم الآن. ثق أن كل موقف له حكمة، حتى الألم والمعاناة تحمل في طياتها خيرًا ربما لن تدركه إلا لاحقًا. يقول الله تعالى:

﴿وَعَسَى أَنْ ‌تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 216) 

نصيحتنا لك:

  • اصبر واحتسب، وثق بأن الله أرحم بك من نفسك.
  • واصل العمل الصالح وتمسك بالحق حتى لو كان على خلاف رغبتك، فالنفس قد تميل نحو الباطل، فالواجب مقاومة الرغبات المخالفة للحق، لأن المصلحة الحقيقية هي بالتمسك بالمبادئ المستمدة من كتاب الله تعالى.
  • أكثر من الدعاء، فالله يغير الأقدار بالدعاء.
  • لا تترك الهموم تسيطر عليك، بل اجعلها وسيلة للتقرب من الله أكثر.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات ذات الصلة التالية:

القدر

معركة بدر والقدر

مفهوم المصيبة في القرآن الكريم

كيف يتصرف المسلم تجاه المصيبة التي تقع عليه في ماله؟

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.