الجواب: هذه المسألة من شقَّين:
الأول: تسجيل الزَّوج عقارا باسم زوجته عملٌ صحيح من النَّاحية الشَّرعية ذلك أنَّ الله تعالى قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء 4/ 24) قوله تعالى ” فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً” يدل على استحقاق الزوجة كل المهر المسمى بالدخول. وقوله تعالى “وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ” يدلُّ على صحة تمليك الزوجِ زوجتَه ما شاء من الأموال زائدا على الفريضة (أي المهر).
كما يصحُّ للزَّوجة أن تُملِّك زوجَها ما تشاء من مالها حتى لو كان من المهر، قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (النساء 4/ 4)
على ضوء الآيتين السابقتين فإن تمليك زوجك بعض العقارات لك هو فعل صحيح، ولا يحقُّ لأبناء زوجك المطالبة به، ولا تُعدِّين آثمة إن تمسكت بما وهبكِ زوجُك، أمَّا إن أردت التَّنازل عن تلك العقارات لتصبح من جملة التركة فلك ذلك ولا تُجبرين عليه.
أما عمل الأولاد مع أبيهم ومساهمتهم في تشكيل ثروته فهو أمر طبيعي يحصل في العادة، لكنَّ المال يبقى مال الأب وليس مال الولد.
الثاني: تمليك الأب أحد أبنائه دون غيرهم، وهذا على خلاف العدل الذي أمر الله تعالى به في كتابه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (النحل 16/ 90) وبقوله {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة 5/ 8).
وعلينا أن نفرق بين نوعين من الأعطيات للأولاد:
الأول: الأعطية التي تُصنَّف في باب الإكرام، وهذا النَّوع من الأعطيات يجب على الوالد أن يساوي بين أولاده فيه، فلا يُفرِّق بينهم سواء الذكور أو الإناث، الصغار أو الكبار. ومثل ذلك ما رواه البخاري وغيره عن النُّعْمَان بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنَّه قال وهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ[1].
الثاني: الأُعطية بسبب حاجة أحد الأبناء دون سائر إخوته؛ كالنَّفقة على المتعلِّم منهم حتى ينهي تعليمه أو النَّفقة على المريض حتى يشفى، أو مساعدة الفقير منهم حتى يغنى، وهكذا. وهنا لا يُطلب من الأب أن يعطي بقية الأولاد مثل ما أنفق على المحتاج منهم، ولكن يبقى لكلِّ ولد الحقّ في أن يتلقّى نفس الأعطية من أبيه لو كان حاله كحال أخيه المستحق للأعطية وكان حال أبيه في نفس اليسار. وهذا هو العدل.
بناء على ذلك فإن تمليك زوجك لأحد أولاده عقارا دون غيرهم لا يُصنَّف في باب الحاجة، وإنما في باب الإكرام الذي يلزم فيه العدل، فكان ظلما لحق ببقيَّة إخوته، والصحيح أن تُعاد تلك العطيَّة لجملة التَّركة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري 2587
Etiketler: إبراء الذمة, الأعطية التي تُصنَّف في باب الإكرام, الأُعطية بسبب حاجة أحد الأبناء, العدل بين الأولاد, المساواة بين الأولاد في العطية, النَّفقة على المتعلِّم, النَّفقة على المريض, تمليك الأب أحد أبنائه دون غيرهم, صحة تمليك الزوج العقار لزوجته, صحة تمليك الزوجة المال لزوجها, مساعدة الفقير من الأولاد, ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة