حبل الله
عبادة الحج وعبادة الأضحية

عبادة الحج وعبادة الأضحية

عبادة الحجّ وعبادة الأضحية

عبادة الحج بدأت مع آدم عليه السلام، لكنّ الكعبة هدمت في طوفان نوح[1] لذا ضاعت الأماكن التي كانت تؤدّى فيها عبادة الحجّ. إبراهيم عليه السلام ذهب إلى مكة ووجد أُسُسَ الكعبة. نتعلّم هذا من الآيات التالية : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة 2/ 127-128) بعدما بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة من جديد سأل الله تعالى أن يريه بقيَّة المناسك، يُفهم هذا من قوله: (وأرنا مناسكنا) كما يفهم منها أنّ عبادة الحجِّ لم تؤدّ في الكعبة فقط، بل كان هناك ثلاثة أو أكثر من الأماكن التي تُؤدَّى فيها عبادة الحجّ. لأنّ كلمة “المناسك” جمعٌ، والجمع في اللغة العربيّة يدلّ على ثلاثة على الأقلّ. والمناسك التي خارج الكعبة هي عرفة ومزدلفة ومنى والصفا والمروة. حينما كان يبني إبراهيم عليه السلام الكعبة كان لا يوجد هناك مركز سكنيٌّ. ونتعلّم هذا من دعائه حينئذ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم 14/ 37)

حينما أرى الله تعالى إبراهيم مناسك العبادة أمره بما يلي : {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِير}  )الحج22/ 27-28) في الآية حرف التعريف “ال” الذي في بداية كلمة “بالحج” دليلٌ آخر على أنّه كان معروفاً من قبل. كما أن عدم ذكر زمن الحجّ يدلّ على أنه كان معروفاً أيضاً. ولذلك قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (البقرة 2/ 197) وردت كلمة ” أشهر” في الآية بصيغة الجمع، لذا لا يمكن أن تكون أشهر الحج أقلّ من ثلاثة؛ لأن الجمع لا يدلّ على أقلّ من ثلاثة. الشهر القمري ذو الحجة هو بمعنى الشهر الذي فيه عبادة الحج، قبله ذو القعدة وبعده شهر محرّم. وينبغي أن تكون أشهر الحج هذه الأشهر الثلاثة. وكون هذه الأشهر الثلاثة أشهراً حرماً يعطي إمكانيّة مجيئ الناس إلى مكّة المكرّمة وعودتهم منها في هذا الوقت. هذه الآيات تنبّه إلى هذا أيضاً: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا}( المائدة 5/ 2)

إن ذِكر كل من الشهر الحرام والأنعام الأضاحي والأشخاص الذين ينوون الذهاب إلى الكعبة معاً يقوّي فهم كون عبادة الحجّ والأضحية تقع في الأشهر الحُرُم. تبدأ عبادة الحجّ في اليوم التّاسع من ذي الحجة في وقت صلاة الظهر في عرفة. ولذلك يقال لذاك اليوم “عرفة”. وفقاً للقرآن يأتي النَّهار أوّلاً ثمّ الليل؛ لأنَّه لا يمكن مجيئ الليل قبل النَّهار[2]، ولذلك يبدأ يوم عرفة بطلوع الشمس من اليوم التاسع ويدوم حتّى طلوع الشمس من اليوم العاشر. الوقوف بعرفة والمزدلفة الذي هو من فروض الحج يؤدّيان في ذاك اليوم. روي عن عروة بن المضرس أنه قال: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبل طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلاَّ وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تمَّ حجّه وقضى تفثه)[3]. أيّام ذي الحجة من اليوم العاشر حتى اليوم الثالث عشر أيام لأداء الطواف حول الكعبة والسعي ورمي الجمرات وذبح الأضاحي. ولأنَّ هذه الأيام تأتي في وسط الشهر القمريّ حيث يكون القمر منيرا فإنه يتبدد ظلام الليل ويسهّل أداء العبادة.

عبادة الأضحية

كما كلَّف الله تعالى الأممَ بفريضة الحجِّ كلّفهم كذلك بذبح الأضحية، يقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [4] فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (الحج 22/ 34) المنسك يأتي بمعنى مكان نحر الأضحية وزمن ذبح الأضحية وذبح الأضحية. وهنا يناسب معنى الأضحية وزمن نحرها. ويفهم من ورود تعبيير “كل أمّة” أنّ عبادة الأضحية أيضاً كانت من العبادات التي كانت تعرف وتطبّق من آدم عليه السلام حتّى الآن. الأضحية التي وردت في هذه الآية المتعلّقة بالحجّ أيضاً هي أضحية الأضحى: {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج 28/22) وقوله تعالى ” أيامٍ معلوماتٍ” يدلُّ على أن أيام الأضحية كانت معروفة من قبل أيضاً.

للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الأشهر الحُرُم والكعبة والحجّ والأضحية) على الرابط التالي:   http://www.hablullah.com/?p=2910



[1] فخر الدين الرازي، التفسير الكبير، بيروت 1420. آل عمران تفسير الآيتين 96-97.

[2] يس 36/40.

[3] أبو داوود، “المناسك”،69.

[4] وفقاً للآيتين 143-144 من سورة الأنعام فإنّ الأنعام هي الضأن والمعز والبقر والإبل من الذكر والأنثى.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.