حبل الله
المبالغة في القيام بالشعائر الدينية

المبالغة في القيام بالشعائر الدينية

السؤال:

إذا بالغنا في الأمور الحلال فهل يكون مفعولها عكسي؟ مثلا كثره الأكل أو النوم أو سماع بعض الأغاني أو الأشياء الأخرى أو حتى قراءة القرآن بشكل مكثف، أشعر بالضياع فماذا يمكن أن أفعل لكي لا أبالغ في هذه الأمور حتى يصل بي الأمر في الصلاة والقراءة أن أصير متعبة أحيانا، وأحيانا قد لا أشعر بالسكينة عندما أسمع القرآن.. لماذا؟

الجواب:

لا يطلب من المسلم أن يكثر من العبادة أو قراءة القرآن حتى لا تمل نفسه، لأن الإخلاص شرط في العبادة، فلا خير في عبادة تجردت منه، قال الله تعالى:

﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ‌مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5] 

ولا ينبغي انقطاع المسلم للعبادة لأن ذلك مخالف لغاية وجوده في الدنيا، وهو إقامة الدين في كل مجالات الحياة، قال الله تعالى:

﴿الَّذِي ‌خَلَقَ ‌الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2] 

وقد أمر الله تعالى عباده بالأعمال النافعة التي تسهم في إدامة الحياة إقامة الميزان:

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا ‌فَسَيَرَى ‌اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105] 

ولهذا فإن الأعمال الصالحة لا تقتصر على الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام وقراءة القرآن بل تتعداها لكل عمل نافع يسهم في رفعة صاحبه ومجتمعه شرط أن يكون ابتغاء رضوان الله تعالى كما جاء في قوله:

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا ‌كُتِبَ ‌لَهُمْ ‌بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 120-121] 

فكل عمل ابن آدم محسوب له أو عليه حتى أصغر الأعمال:

﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. فَمَنْ يَعْمَلْ ‌مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 6-8] 

لهذا فإن المسلم لا يصح له أن يختار عملا ويترك آخر بل يأتي بها جميعها كما أراد الله تعالى، فعندما أمر الله تعالى بصلاة الجمعة _مثلا_ أمر بالانتشار لطلب الرزق بعد قضائها بقوله:

﴿فَإِذَا ‌قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10] 

وقد نهى الله تعالى عن الإسراف في الأمور المباحة كالطعام والشراب:

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ ‌الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31] 

والإسراف هو تجاوزُ الحدِّ في كلِّ شيءٍ. فالإسراف في الطَّعام _مثلاً_ يؤدِّي التخمة ومن ثم تعريض الجسم إلى العديد من الأمراض، كما يؤدي إلى الجَوْر على مصادره، فيَقِلُّ العرض ويزيد الطلبُ وترتفع الأسعارُ ويزداد الفقر.

أما العبادة وكذا أعمال البر كلها فلا إسراف فيها، لكن المرء يأتي منها على قدر وسعه وطاقته حتى لا تتحول إلا عبء يفقده الإخلاص وصدق التوجه.

ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث كان يصلي ويرقد ويصوم ويفطر وكان يتزوج النساء أي لا يترهبن من أجل العبادة.

فقد روى أنس ابن مالك – “أنَّ رهطًا من الصحابَةِ ذهبوا إلى بيوتِ النَّبِيِّ يسألونَ أزواجَهُ عن عبادتِهِ فلمَّا أُخبِرُوا بها كأنَّهُم تقالُّوها أي : اعتبروها قليلةً ثُمَّ قالوا: أينَ نحنُ مِن رسولِ اللَّهِ وقد غَفرَ اللَّهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ وما تأخَّرَ ؟ فقال أحدُهُم: أما أنا فأصومُ الدَّهرَ فلا أفطرُ، وقال الثَّاني: وأنا أقومُ اللَّيلِ فلا أنامُ، وقال الثَّالثُ: وأنا أعتَزِلُ النِّساءَ. فلمَّا بلغ ذلك النَّبيَّ بيَّنَ لهم خطأَهم و عِوَجَ طريقِهِم وقال لهم: إنَّما أنا أعلمُكُم باللَّهِ وأخشاكم له ولكنِّي أقومُ وأنامُ وأصومُ وأفطِرُ وأتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي”.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.