حبل الله
أهمية الصبر في حياة المسلم

أهمية الصبر في حياة المسلم

أهمية الصبر في حياة المسلم
الصبر: الإمساك في ضيق، يقال: صبرت الدابة: حبستها بلا علف، والصبر: حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه، فالصبر لفظ عام، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه؛ فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير، ويضاده الجزع، وإن كان في محاربة سمي شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر، ويضاده الضجر، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا، ويضاده المذل، وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرا، ونبه عليه بقوله: {والصابرين في البأساء والضراء} (البقرة، 177)، {والصابرين على ما أصابهم} (الحج، 35)، {والصابرين والصابرات} (الأحزاب، 35)[1].
 (والصَّبُور) من أسماء اللّه تعالى أي الذي لا يُعاجل العُصَاة بالانْتِقام وهو من أبْنِية المُبالغة ومعناهُ قريبٌ من معنى الحَلِيم والفرقُ بينهما أنَّ المُذْنب لا يأمَنُ العُقُوبة في صِفَة الصَّبُور كما يأمَنُها في صِفَة الحَلِيم، ومنه الحديث (لا أحَدَ أصبَرُ على أذًى يَسْمَعُه من اللّه عز وجل)[2] أي أشدُّ حِلماً عن فاعِل ذلك وتَرْكِ المُعاقبة عليه. وفي حديث الصوم (صُمْ شهر الصَّبر) هو شهرُ ومضان . وقد روي (أنه نَهى عن قَتْل شيء من الدَّواب صَبْرا) هو أن يُمسَك شيءٌ من ذوات الرُّوح حيَّا ثم يُرْمى بشيء حتى يموت[3].   
فالصبر خلق إسلامي كريم هو أساس الإلتزام بأوامر الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه، وقد حثنا الله سبحانه وتعالى عليه في جميع أمور حياتنا ووعد الصابرين الأجر الجزيل في الدنيا والآخرة.
لقد بين الله سبحانه وتعالى في كثير من الأيات الكريمة أنه مع الصابرين، لا يخذلهم ولا يسلمهم. قال الله تعالى:
1_ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 153)
2_ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال، 46)
3_ {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 249)
4_ {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال، 66)
الثناء على الصابرين وبشارتهم وأن الله سيكافئهم بغير حساب.
قال الله تعالى:
1_ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 155)
2_ {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (آل عمران، 17) وقد نصبت كلمة الصابرين على الإختصاص، وهو يفيد المدح والثناء، وقد تقدم وصف الصابرين على غيره لأهميته.
3_ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران، 142) فبالجهاد والصبر يتميز المخلصون.
4_ {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الانبياء،85
5_ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات،102) فكان جزاء صبره أن فداه الله بذبح عظيم، وجعل قصة صبره قرآنا يتلى إلى يوم الدين.
6_ {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} (القصص، 80)
7_ {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر، 10)
8_ {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف، 90) وفي الآية إرشاد لكيفية الوصول إلى خير الدِّين والدنيا، وإنما يتمثل ذلك بالتقوى والصبر.
الحث على الصبر في القرآن الكريم
قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (آل عمران، 146) ولأن الله يحب الصابرين، فقد دعا إلى التحلي بالصبر في أكثر من آية، ووجه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إليه، والله لا يدعو إلا لما فيه الخير في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى:
1_ {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص، 17)
2_ {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (يونس، 109)
3_ {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (هود، 115)
4_ {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (النحل، 127)
5_ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف، 28)
6_ {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان،17)
7_ {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (الطور، 48)
8_ {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (المزمل،10)
9_ {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (هود، 49)
10_ {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} (طه، 130)
11_ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (الروم، 60)
12_ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (غافر، 55)
13_ {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (الأحقاف، 35 )
14_ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (غافر، 77 )
15_ {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (ق، 39)
16_ {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} (القلم، 48)
17_ {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} (المعارج، 5)
18_ {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (المدثر، 7)
19_ {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} (الإنسان، 24)
20_ {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص، 17)
أعظم الصبر عند وقوع المصيبة
لقد بيّن القرآن الكريم أن أعظم الصبر يكون عند وقوع المصيبة أو الفاجعة، وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى قولٍ هو عنوان الصبر والإحتساب في تلك اللحظات: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ومن قالها استحق صلاة الله عليه بأن ينزل عليه الرحمة والسكينة والرضى بقضائه. قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ}
 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَفْزَعُ إِلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا وَعَوِّضْنِي مِنْهَا إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَعَاضَهُ خَيْرًا مِنْهَا. قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ ذَكَرْتُ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتِي هَذِهِ فَأْجُرْنِي عَلَيْهَا فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ وَعِضْنِي خَيْرًا مِنْهَا قُلْتُ فِي نَفْسِي أُعَاضُ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ثُمَّ قُلْتُهَا فَعَاضَنِي اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآجَرَنِي فِي مُصِيبَتِي)[4].
البكاء على الميت لا ينافي الصبر وإنما يعد من الرحمة
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ[5] عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)[6].
وعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا. فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ قَالَ حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)[7].
أنواع الصبر
لا يحصر الصبر في حالات معينة، وإنما هو ميزة المؤمنين الصادقين، حيث يظهر أثره في حياتهم، وما سنذكره من أنواعه هو بعضها وليس محصورا بها:
1- الصبر على الفقر، ويكون بالإستعفاف عن المسألة، فمن يستعفف يعفه الله تعالى، وقد أثنى الله تعالى على هؤلاء وأوصى بهم خيرا فقال سبحانه {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة، 273)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ)[8].
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توجيه أصحابه نحو العمل والصبر عليه، وبذلك يتحول الإنسان من عالة يتكفف الناس في أيديهم إلى عامل يسهم في رقي نفسه ونهضة مجتمعه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ)[9]
2-  الصَّبْرُ عندَ القِتَالِ، فقد أمر الله تعالى المؤمنين بالثبات والصبر عند لقاء العدو بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال، 45)وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قام في الناس خطيبا فقال: (أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)[10].
وقد استحق الصحابة الكرام ثناء الله تعالى عليهم ورضوانه لما بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر والثبات عند لقاء عدوهم. قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } وقد سئل نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما: هل بايع النبي أصحابه على الموت؟ (قَالَ لَا بَلْ بَايَعَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ)[11]
3- الصَّبْرُ عِنْدَ الأذى والْغَضَبِ.
قال الله تعالى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (المؤمنون، 96) في الآية أمر بأن يواجه المسلم الأذى من غيره بأن يدفع بالتي هي أحسن، والتي هي أحسن يحددها الحال والمآل، فإن رأى الدفع بالعفو أو السكوت أو امتصاص غضب الآخرين فيكون هو الأحسن. ورب شخص يشكك في جدوى هذا الأسلوب من الدفع، إلا أن الآية الآتية تنفي هذه الشبهه، قال تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت، 34) فمن خلق النفوس هو أعلم بما يصلحها وصدق الله إذ يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك، 14)
وها هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعرض للأذى فيصبر مستذكرا سيرة أولي العزم من الرسل قبله، فقد أمره الله تعالى أن يقتدي بصبرهم وثباتهم بقوله {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف 35) عن عَبْد اللَّهِ[12] قال قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ قُلْتُ أَمَّا أَنَا لَأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ ثُمَّ قَالَ قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ)[13]
4-  الصَّبْرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ
نعلم جميعا أن هذه الحياة هي دار ابتلاء وامتحان، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (الملك، 2) وقد أودع الله تعالى في الأرض زينتها وأبدع فيها من آيات الحسن والجمال ما يدفع الإنسان إلى إعمارها. قال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الكهف، 7) لكن الشيطان يفعل فعله في إخراج هذه الزينة عن الإطار الصحيح، فبدلا من أن تشكل دافعا للبناء والإعمار تصبح هدفا بحد ذاته تُطلب بكل وسيلة.
قال الله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران، 14) وحتى لا يبقى الإنسان مندفعا خلف شهواته ناسيا أن زينة هذه الدنيا هي اختبار وامتحان، يخبرنا تعالى أن الإستمتاع الحقيقي بالزينة والمجرد عن التكليف إنما يكون في الآخرة. قال تعالى { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران، 15) ومن صبر عن محارم الله فإنه سيوفى أجره قال تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقد عرف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قيمة الصبر متمثلا بالإبتعاد عن المحرمات، فقد روي عن عُمَر رضي الله عنه أنه قال (وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ)[14]
 5- الصبر على البلاء
والمسلم يصبر على ما يحل به من بلاء كالمرض والفقر وموت الأحبة وغير ذلك من بلاء الدنيا، وعدم الرضى والتبرم هو إهلاك للنفس؛ لأن الإنسان عاجزٌ عن دفع ما تحقق من بلاء خاصة فيما ليس للإنسان طول عليه كالموت، فلا ينفعه تبرمه وسخطه، بل يزيده هما وغما مع استحقاقه للعقاب في الآخرة. والمؤمن يواجه الإبتلاء بالصبر، لأن الصبر علامة الرضى بقضاء الله تعالى، والرضى بقضاء الله تعالى هو سكينة للنفس وتجاوز للمصيبة واستحقاق للثواب. عن صهيب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)[15]
 ومن البلاء فقدان الأولاد، وفي بيان عظيم أجر الصابرين على ذلك ، روى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ)[16] وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا ذَهَبَ بِصَفِيِّهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَقَالَ مَا أُمِرَ بِهِ بِثَوَابٍ دُونَ الْجَنَّةِ)[17]
المؤمن لا يسأل الله الصبر بل يسأله العافية في الدنيا والآخرة
عن معاذ بن جبل قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وهو يقول اللهم إني أسألك الصبر فقال (سألت الله البلاء فسله العافية)[18] وذلك لأنّ الصبر مترتب على البلاء، فلا يسأله المؤمن إلا عند داعيه أمّا قبله فلا، وإنما يسأله العافية في الدين والدنيا.
ثَوَابُ مَنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ
وكفى الصابرين جزاء بشرى الله تعالى لهم بقوله {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 155) وكفاهم قدرا أن الله معهم {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 153) (الأنفال، 46) {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 249) (الأنفال، 66) ويكفيهم فخرا وحظا أن الله يحبهم {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (آل عمران، 146) إن أجرهم عظيم لا يستطيع الإنسان أن يحصي له عددا {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر، 10) ولهم المنزلة العالية في الجنة بما صبروا على طاعة الله واجتناب ما نهى عنه {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا. خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (الفرقان، 75، 76)

[1] المفردات للراغب الأصفهاني، مادة صبر
[2] روي هذا الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ أَحَدٌ أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) صحبح البخاري، باب الصبر على الأذى، 6099
[3] النهاية في غريب الأثر، 3/9
[4] سنن ابن ماجه ، رقم الحديث 1587
[5]  أي زوج مرضعته . (لسان العرب، مادة ظئر)
[6] صحيح البخاري، رقم الحديث 1220
[7] صحيح البخاري، رقم الحديث 1204
[8] صحيح البخاري، رقم الحديث 1376
[9]  صحيح البخاري، رقم الحديث 1377
[10]  البخاري، رقم الحديث2966
[11]صحيح البخاري، رقم الحديث 2738
[12] في مسند الحميدي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
[13] صحيح البخاري، رقم الحديث 5635
[14] صحيح البخاري، مقدمة باب الصبر عن محارم الله
[15] صحيح مسلم، باب المؤمن أمره كله خير، رقم الحديث 64
[16] صحيح البخاري، رقم الحديث 1171
[17] سنن النسائي، باب من صبر واحتسب، رقم الحديث 1871، وحسنه الألباني
[18] سنن الترمذي، رقم الحديث 3450، وقال هذا حديث حسن

تعليق واحد

  • وما أجوجنا في هذه الأيام لهذا الخلق عندما يتعرض المسلمون للقتل والتعذيب في مصر وسوريا والعراق وليبا وأفغنستان ومينمار ، نسأل الله تعالى ان يلهمهم الصبر وأن يحقن دماءهم

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.