حبل الله
موضوع الربا في القرآن الكريم والسنة النبوية

موضوع الربا في القرآن الكريم والسنة النبوية

       جاءت كلمة “الربا” في القرآن الكريم بمعنى  الزيادة. وهي  من أربْى يربي والمصدر ارباء. أي الزيادة على الشيء. وربا الشيء، إذا زاد على ما كان عليه فعظم. وإنما قيل للمربي:”مُرْبٍ”، لتضعيفه المال، الذي كان له على غريمه حالا أو لزيادته عليه بسبب الأجل الذي يؤخره إليه فيزيده إلى أجله الذي كان له قبلَ حَلّ دينه عليه. ولذلك قال جل ثناؤه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً» (آل عمران، 3/  131). وعلى هذا فلا يكون الربا إلا في التداين. قال الله تعالى: «وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» (الروم، 30/  39).

والمقرض هو الذي يملك مالا يزيد عن حاجاته، ويقرض الناس ليربيه. لذا لا يقرض إلا من ملك كمية من المال.

والمقرض بشرط الربا يطلب من المقترض كفيلا لضمان إعادة المال سالما. كما يأمن بذلك في الحفاظ على ماله. وسبب وقوع المقترض في الربا هو الأمل في زيادة الربح أو ضرورة سد الدين. ويعرف الربا بأنه القيمة الزمنية للمال تشبيها بحصيلة الإيجار. غير أن المال المؤجر يستفاد منه بدون أن ينفد أو ينقص من قيمته الأصلية. كالذي يستأجر بيتا ليسكن فيه وكذلك الذي يستأجر السيارة ليركبها. وعند انتهاء مدة الإجارة يعيدها إلى صاحبها. ولا تجوز الإجارة في مال لا يمكن الإستفادة منه بدون تنفيد. وعلى سبيل المثال أن النقود بحد ذاتها لا تسد الحاجة؛ فهي لا تؤكل ولا تشرب. والذي يملك كمية كبيرة من النقود فإنه يموت من الجوع إذا لم يجد ما يسد جوعه.  ويبقى بلا مأوى إذا لم يكن له بيت؛ ولا يمكن أن تصبح النقود بيتا يسكنه ولا طعاما يأكله. فلا يمكن الإستفادة من النقود إلا بتبديلها مقابل مال أو خدمة من خدمات الحياة اليومية؛ أي أن النقود تنفد بالإستفادة منها؛ لذا لا يجوز استئجار النقود. فلا يمكن أن نتصور القيمة الزمنية في أموال لا يمكن الإستفادة منها ببقاء عينها.

والمتعاملون بالربا يقولون: من الممكن أن يكون شخص بحاجة ماسة إلى نقود، ومن المؤكد أنه سيحصل على النقود المطلوبة في الأيام المقبلة؛ أو بمعنى آخر أنه يملك النقود ولكن ليست معه في الوقت الحاضر، وفي الوقت نفسه توجد نقود عند شخص آخر وهو لا يحتاجها ولا يستعملها، فيمكن له أن يقرضها للمحتاج مقابل فائدة تعود عليه. وهذا حين يكون التعامل بالربا مرخصا. فتذهب حاجة المحتاج ويسد دينه حين الحصول على المال بالفوائد. ويستفيد كل منهما فلا  يبقى المال بلا فائدة.

قال الله تعالى: « وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ» يعني أنه لا ينمو حسب الفطرة أي طبقا للقوانين الطبيعية الموجودة في النظام السوقي. لأن الدَيْن ليس من المعاملة التي تأتى بالربح. وإنما يحصل الربح  باستثمار المال المقترض. وليس الإقراض استثمارا بحد ذاته. فلا يحق للمقرض المرابي أن يتقاسم الربح لأنه لا يتحمل المسئولية في الإستثمار ،كما أنه لا يقوم بأي عمل تجاهه. وجل عمله هو دفع المال والإنتظار ليتقاسم الربح.

وكثيرا ما يشبَّه الربا بالبيع. فيقال إن سلعة تباع ب10 ليرات نقدا، يجوز بيعها بـ 11 ليرة بالتقسيط لمدة شهر. وعلى هذا يجوز بيع 10 ليرات بـ 11 ليرة لمدة شهر. ولكن البيع هو مبادلة شيئين من جنسين مختلفتين؛ مثل أخذ الخبز مقابل نقود؛ فهي تكون نقدا كما تكون بالتقسيط. أما الربا فيطلق على العائد من الدين. وهي تختلف عن البيع تماما. وسنقف على هذا الموضوع فيما بعد إن شاء الله.

والمعاملة الربوية تكون دائما في نفس الأسلوب؛ وكان العرب في الجاهلية أي قبل الإسلام يربون ويحتفظون برأس المال. وحين يتم الأجل يطلبون المال المتقرض، فلو عجز المدين عن سد الدين مدد في الأجل مع زيادة مقدار الربا.[1]

لو كان الدين ناتجا عن معاملة ربوية، يسأل المدين حين يأتي الأجل؛ هل تؤدي ما عليك من الدين أم أزيد في الأجل؟ إذا لم يستطع المدين الأداء يزيد في الأجل مع زيادة الدين الناتج من الربا.[2] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:

وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله.[3]

ربا الجاهلية هو نفس الربا الموجود في يومنا هذا، أي أنه ناتج عن الدين. والذين خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم فهموا معنى ربا الجاهلية لأنهم أهل ذلك العصر.

والآية التالية دليل قطعي على أن الربا هو ما نتج عن الزيادة في الدين. قال الله تعالى: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ » (البقرة، 2/ 279).

رأس المال هو المال المقترَض. ولا يكون في البيع رأس المال في هذا المعنى لأنه مبادلة في المالين المختلفين في الجنس. وشرط الزيادة في سداد الدين يكون ربا. وهذه الآية تبين أن الربا له علاقة وثيقة بالدين.  قال الله تعالى: «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة، 2/ 280).

وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث تتعلق بالموضوع نذكر بعضا منها:

عن ابن عباس قال أخبرني أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الربا في الدين».[4] وقال: «لا ربا إلا في الدين».[5] وقال: «إنما الربا في النسيئة».[6] وقال: « لاربا إلا في النسيئة».[7]



[1] التفسير الكبير لفخر الدين الرازي (المتوفى. 606/ 1209)، مصر 13/ 1938. جـ : 7 صـ: 91.

[2] ابن رشد (المتوفى. 520/ 1226) مقدمات مع المدونة الكبرى.  جـ : 3 صـ 18. المطبعة الخيرية، 1314؛ ابن العربي أحكام القرآن دار إحياء الكتب العربية، 195جـ 1 صـ 241. ويتحدث ابن العربي هنا عن ما نتج عن المعاملة الربوية. كما نقلناه في الأعلى.

[3] أبو داوود، مناسك، 57، رقم الحديث: 1950.

[4] سنن الدارمي ، البيوع / 42.

[5] صحيح مسلم، مساقات، 1033 (596).

[6] صحيح مسلم، مساقات، 102 (1596)؛ سنن النسائي، البيوع، 50.

[7] صحيح البخاري، البيوع، 70. مساقات، 101 (1596).

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.