حبل الله
الخوف من المستقبل وعلاقته بالثقة بالله تعالى؟

الخوف من المستقبل وعلاقته بالثقة بالله تعالى؟

السؤال:

أعاني دائمًا من القلق في التفكير في أحداث مستقبلية لم تحدث بعد! ودائما تفكيري يأخذني لأخذ خطوات لتجنب ما أخشاه مع أني أعلم أن الحذر لا يمنع قدر! وقد قيل لي من قبل استشارية نفسانية أنه يجب أن تثقي في الله تعالى لأن القلق ينتج للأسف من قلة الثقة بالله. أتساءل لماذا لا أثق في خالقي! وأخشى أقداره. وفي بعض الأوقات أرى أشخاصًا يعيشون بابتلاءات فيزيد خوفي أكثر من أن يبتليني بما أخشاه ليختبرني فأتعذب! كيف أصلح هذا؟ كيف أقوي ثقتي في خالقي ولا أخشى أقداره؟ كيف أزرع اليقين بداخلي أنه لن يفعل لي إلا الصالح؟ كيف أطمئن؟ أعرف أن سؤالي سيء للغاية ومحزن ولكني أحب هذا الموقع جدًا ومتأكدة أنكم سوف تساعدوني ولن تسخروا مني. شكرًا لكم على كل شيء.

الجواب:

نشكر السائلة الكريمة على حبها للموقع وثقتها فيه وإرسالها العديد من التساؤلات القيمة، وسؤالها هذه المرة ليس سيئًا ولا محزنًا كما تظن، بل يعبر عن رغبة حقيقية في المعرفة والوصول إلى حلول يحتاج إليها كثيرون.

ولكن قبل الجواب عن سؤالها نود منها أن تطرح على نفسها سؤالين، وإذا أجابت عنهما فسوف يتضح لها أنها مخطئة في شعورها بعدم الثقة في ربها بل على العكس تمامًا، سوف تكتشف أنها لا تثق إلا به سبحانه وتعالى!

السؤال الأول: – من أين جاء اليقين الذي جعل السائلة (متأكدة) – على حد قولها – من أننا سوف نساعدها وأننا لن نسخر منها؟ والذي تسبب في حبها للموقع ومراسلاتها الدائمة له؟

فهي لم ترانا وليست على معرفة شخصية بأحد من مسؤولي الرد على رسائلها؟ فما منبع هذه الثقة التي منحتها للبشر وفي الوقت نفسه تقول أنها لا تستطيع أن تمنحها لرب البشر وخالقهم؟!

الجواب يتلخص في أن الموقع غالبًا ما يجيب عليها ولا يهمل رسائلها مهما كثرت ويقوم بنفي شكوكها الدائمة (في انحياز الخالق في تشريعاته للذكور على حساب الإناث) وهي تجد فيه الملاذ مما تعاني منه في ظل المجتمع الذكوري الذي تعيشه أغلب النساء وينتقص من حقوق المرأة ويكلفها أحيانا بأكثر مما تطيق ويلقي باللوم عليها في الخطايا والمنكرات أو يستهين بقدراتها ويهمش دورها، وأسئلة أخرى كثيرة مشابهة. وهي تشعر بالارتياح والطمأنينة في الإجابات التي تتلاقها من هذا الموقع، لأنه عادة ما يؤكد لها أن ما تأباه فطرتها بالفعل ليس صحيحًا فتوقن أنه لا ينبغي أن يكون الخالق ظلاما للعبيد.

السؤال الثاني: – ما مصدر الإجابات التي تشعرها بهذا الارتياح؟ أليس مصدرها القرآن الكريم كلام الله تعالى تعالى الذي أنزله

فالسبب الذي جعل السائلة الكريمة مطمئنة هو أن مصدر الإجابات هي القرآن الكريم وليس آرائنا الخاصة أو المصادر غير القرآنية، ولكنها قد نسيت _في ظل خوفها من الأحداث المستقبلية_ أن الرد على جميع تلك التساؤلات الذي كان سببًا في طمأنينتها ليس من عند أنفسنا وليس مجرد أفكار نروج لها سعيا وراء مجد أو ربح؛ ولذا فإن ثقتها في الأصل مرده إلى منبع هذه الثقة التي نستمدها نحن – الموقع – أولا قبل أن نمنحها للآخرين.

فإن كنا نجيب على رسائلها ولا نهملها فأرحم الراحمين يجيبها قبل أن تنطق ويلهمها أن تكتب وترسل ويسخر لها عباده فما وجدت الرد إلا لأنها سألت، وقد قال سبحانه:

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ البقرة (186)

إن السائلة الكريمة ما زالت حديثة السن، وفي الحقيقة فإن انعدام الثقة لديها ليست في رب العالمين كما تظن أحيانا وإنما في نفسها ذلك لأن الثقة في الله تعالى فطرة أودعها سبحانه في قلوب عباده، أما الثقة في النفس فهي مكتسبة تتأثر بالعوامل والبيئة المحيطة بالشخص، تلك الثقة التي تجعل الطفل منذ ولادته ودون أن يعلم أي شيء عن الحياة لا يسكن إلا بين أحضان أمه وفي أولى خطواته وحبوه فإنه يركض نحو أمه حال شعوره بالخوف حتى وإن أخطأ، ويعلم أنها ستعاقبه لكنه يحتمي منها إلى صدرها وفي طيات ملابسها وخلف ظهرها، وهو لا يدرك معنى الثقة، ولكنها فطرة خالقه التي بثت في روعه اليقين أنها لن تؤذيه وأنها في النهاية مصدر الأمان حتى لو عاقبته.

هي نفسها فطرة الإنسان بشعوره بالأمان والحماية بمجرد أن يتعرض لخطر ما فإن أول من يلتجئ إليه هو ربه الرحيم ويسقط كل شريك سواه، حتى لو كان هذا الإنسان قد خالف فطرته بمعصيته أو طمسها بكفره فإنه عند الخطر لا يخطر بباله سواه، مصداقًا لقوله:

﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ يونس (22)

أما بالنسبة لخوفها من البلاء فنحن لا نستطيع أنه نعدها بعدم حدوثه، بل إن ما تمر به من الخوف هو نوع من الابتلاء يتبعه البشارة:

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ.. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة (155)

وبإذن اله تعالى سوف تتخطاه إن صبرت وأقامت الصلاة، وهذا اليقين ليس منا وإنما من اللطيف لما يشاء هو الذي يعدها وهو (لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) أنه لن يكلفها إلا وسعها وأنه أرحم بها حتى من نفسها:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ البقرة (286)

والمسألة ليست فقط في أن الحذر لا يمنع قدر، ولكن لربما لا يقع ما تخشاه أبدًا:

﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ لقمان (34)

وإذا وقع شيء مما تخشاه فعليها التمسك بالصبر والدعاء:

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ، أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ النّمل (62)

ومن قبل الدعاء أن تجد لنفسها مكانًا بين عباد الله المتقين ليتحقق وعده جل جلاله:

﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الزمر (61)

هؤلاء هم من يشعرون بالرضا في قضائه بالابتلاء، فمن رضي بقضائه أنزل على قلبه السكينة، وليس هذا فحسب وإنما وعده بالفتح القريب كما قال جَلَّ وعَلَا:

﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ الفتح (18)

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالة ذات الصلة:

(الخوف والحزن الناتجان عن الخيال والتفكير السلبي وعلاج ذلك) https://www.hablullah.com/?p=8251

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.