حبل الله
الخوف والحزن الناتجان عن الخيال والتفكير السلبي وعلاج ذلك

الخوف والحزن الناتجان عن الخيال والتفكير السلبي وعلاج ذلك

السؤال:

بعد إذنكم .. أنا دائما في تشتيت غريب في تفكيري يجعلني أحيانا غير مركزة في الحاجة التي أعملها سواء كانت مذاكرة أو غيرها، ودائما لما يدخل علي منتصف الليل أحس بالخوف يطاردني في معظم الأوقات، وأبكي كثيرا وأخاف من أن أفقد شخصا عزيزا علي، ولما أتخيل أن هذا يحصل أحس بأني أكتر واحدة مكسورة مع العلم أني أصلي.. سؤالي هل هذا وسوسة شيطان أم حاجة لها علاقة بنفسيتي ؟

الجواب:

إن الحزن والخوف من أحداث واقعة بالفعل أو حتى متوقع حدوثها هو شعور إنساني فطري يشعر به كثير من البشر، حتى الرسل والأنبياء أنفسهم، فها هو نبي الله يعقوب ﷺ  يتوجس ويخاف من حدث يتوقعه:

﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ يوسف (13)

وها هو نبي الله تعالى وكليمه موسى ﷺ يخاف من غلبة السحرة:

﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَىٰ﴾ طه (67)

وكذلك خاف هو وأخوه من بطش وطغيان فرعون المحتمل:

﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَىٰ﴾ طه (45)

فكان الرد عليهما منه تعالى:

﴿قَالَ لَا تَخَافَا، إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ طه (46)

فأخبره سبحانه أنهما إذا كانا في معيته تعالى فليس للخوف مكان ولا ينبغي أن يستسلما له.

ذلك أن التخويف من عمل الشيطان:

﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران (175)

وهدفه على الدوام إضعاف المؤمن وإبعاده عن منهج ربه، وقد بيَّن سبحانه أن من جعل الله حسبه فلن تضره تلك المخاوف في الآية السابقة لها مباشرة:

﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّه، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران (174)

ولنا الأسوة الحسنة في خليل الرحمن إبراهيم ﷺ الذي لم يخف من المشركين وتهديداتهم المستمرة له بالرجم والحرق والقتل لإيمانه أنه لن يصيبه أذى إلا أن يشاء ربه فأعلنها لهم:

﴿وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾ الأنعام (80)

وأخبرهم أنهم هم الأولى بالخوف منه لإشراكهم به وتخليهم عن سبيله، بينما هو في معية ربه يشعر بالأمن والأمان بالرغم من أنه وحيد ليس معه أحد من الناس حتى أقرب الناس إليه قائلا لهم:

﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الأنعام (81)

وفي الوقت الذي لا يخافهم إلا أنه يخاف ربه:

﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ الأنعام (15)

ويخاف على أبيه من عذاب الله:

﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ مريم (45)

وها هو النبي الكريم ﷺ يقول:

﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ يونس (15)

ويخاف حتى على من كفر:

﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ هود (3)،

ذلك لأن الخوف الحقيقي يجب أن ينحصر في الخوف منه تعالى ومن عذابه:

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ الرعد (21)

والمؤمن الصالح لا يخاف حتى مما يتوقع حدوثه قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:

﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ طه (112)

وحتى الجن أدركت هذا المعنى لما سمعت كتاب الله تعالى، ولهذا آمنت طائفة منهم ليقينهم الكامل أن إيمانهم سوف يحميهم من كل المخاوف ويبددها:

﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ الجن (13)

أما ما عدا ذلك فلا مجال للخوف منه؛ لأن كل ما يجري في الكون من أحداث لا دخل للإنسان فيها كالموت أو المرض هو قضاء منه تعالى، والخوف المسبق منه لن يؤخره أو يمنعه، قَالَ اللَّهُ تعالى:

﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المنافقون (11)

وكذلك فإن كل ما سيحدث من أمر الله تعالى فلن يكون فيه ظلم أو بخس لأحد وأن قضاءه فيه الرحمة حتى ولو كان الظاهر لا يقول هذا:

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ‌وَأَنْتُمْ ‌لَا ‌تَعْلَمُونَ﴾ البقرة (216) 

أما ما تعاني منه السائلة الكريمة من الخوف من أحداث لم تحدث وغير متوقع حدوثها وتخيلها لها والحزن عليها قد يعود إلى سببين:

  • أن تكون قد عاشت تجربة سابقة أو رأتها في فقد عزيز مع الأهل أو الأقارب أدت إلى الشعور الدائم بالفقد، وهذا الأمر يحدث للإنسان شديد الحساسية والانفعال لما يدور حوله وفي الوقت نفسه يخاف ويهلع مما يخشى حدوثه.
  • وإما أن السائلة تعاني من بعض المشاكل النفسية بسبب تجارب قاسية أو شعورها بالظلم مما يجعلها حزينة وينتج عن ذلك دخولها في حالة من الاكتئاب وتخيل أحداث مأساوية؛ فيجهشها البكاء لتفريغ نوبات الحزن التي تنتابها.

وفي كلتا الحالتين أراد الشيطان صرفها عن الطريق المستقيم:

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ الأعراف (16)

فيصرفها عن حسن الظن بقضاء الله تعالى فتتوقع الأسوأ دائما علما أنه:

﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ ‌مَغْفِرَةً ‌مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ البقرة  (268) 

وكذلك يصرفها عن شكر ربها عما آتاها من النعم بينما يغرقها بالحزن والخوف من المستقبل الذي لا يعلمه إلا رب العالمين:

﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ النّمل (65).

﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا ‌تَكْسِبُ ‌غَدًا ﴾ لقمان (34) 

أما عن كيفية العلاج فقد نبأنا العليم الخبير في بضع آيات بينات تصف لنا تلك الحالة في قوله:

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ المعارج (19: 21)

ثم قدم لنا العلاج الأمثل لهذه الحالة عندما استثنى من يستطيع أن ينجو بنفسه من الهلع والخوف وأول ذلك دوام الصلة به:

﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ المعارج (23)

وذلك لما في الصلاة من اللجوء إليه سبحانه وبث الشكوى إليه والقرب منه جل جلاله.

ثم أتبعها بالصدقة:

﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ المعارج (24: 25)

لما لها من أثر عظيم في تزكية النفس وتطهيرها بالإضافة إلى سعادة المؤمن حين يقدم الخير لغيره.

ثم ذكر الركن الركين وحصن الخائفين:

﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ المعارج (26)

والتصديق بيوم الدين لا يتوقف فقط عند الاعتقاد به، وإنما ينعكس على نفس المؤمن وطمأنينته بأن ما حدث وما يحدث وما سوف يحدث وما يصيب الإنسان إلا بحسابه، وأنه لا يضيع أجر الصبر والعمل؛ فلا ينبغي أن نحزن على ما فاتنا ولا ما أصابنا ومن ثم لا يخاف المؤمن إلا من عذاب ربه ولذا قال بعد ذلك:

﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ المعارج (28).

ثم ذكر تعالى بقية العلاج بحفظ الفروج ورعاية الأمانة ووفاء العهود والقيام على الشهادة (المعارج 29_33)

ثم ختم بالتأكيد على ما بدأ به، وهو الحفاظ على الصلاة بالخشوع فيها قَالَ سُبْحَانَهُ:

 ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ المعارج (34)

بالإضافة إلى تلك الأعمال والاعتقادات التي تعين المؤمن للتغلب على نوبات الحزن والهلع من المستقبل أنزل تعالى إلينا سورة تعلمنا الاستعاذة بالله تعالى من وساوس الشيطان، ألا وهي سورة الناس، وقد بينَّا من قبل أن الاستعاذة ليست فقط مجرد قول يخلو من العمل وبذل الجهد في إبعاد تلك الوساوس، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ الأعراف (200)

وذلك بالتقوى كما بيَّن بعدها:

﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ الأعراف (201)

ولا يتأتى ذلك إلا بالتمسك بكتابه تعالى وتدبره والعمل به:

﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ النحل (98)

وبالتوكل عليه حق توكله ليتخلص من سيطرة الشيطان عليه:

﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ النحل (99)

فإن اتبع الإنسان أمر ربه وحده لا شريك له فسوف يتحقق له وعده وتتبدد مخاوفه وينعم بالسكينة والرضا عن كل قضائه، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ النّور (55)

ويمكن للسائلة الكريمة بجانب ذلك أن تفرغ طاقتها بشيء تحبه بخلاف الدراسة لتحويل تلك المخاوف إلى عمل إيجابي عن طريق كتابة خواطرها مستخدمة خيالها الواسع وإنتاج عمل أدبي، أو بعمل مجتمعي بالذهاب إلى إحدى دور الرعاية سواء للأيتام أو كبار السن لتعينهم ولو بالكلمة الطيبة والبهجة عما فقدوه بالفعل ولتخرج نفسها من دائرة الخيال إلى الواقع.

 

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله https://www.hablullah.com/

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.