حبل الله
أقوال النبي وأفعاله المتعلقان بالأمور الدينية هما التطبيق العملي للقرآن

أقوال النبي وأفعاله المتعلقان بالأمور الدينية هما التطبيق العملي للقرآن

السؤال:

قرأت في موقعكم أن السنة النبوية هي التطبيق العملي للقرآن الكريم، لكننا لا نجد في القرآن مثلا كيفية الصلاة أو أوقاتها بالتفصيل، فكيف نفهم هذه المسألة؟ هل أعطى الله تعالى نبيه صلاحيات تشريعية من تلقاء نفسه؟ أم أنه كان يوحي إليه هذه التفصيلات بشكل مستقل عن القرآن؟

الجواب:

الصلاة التي صلاها نبينا الكريم ونصليها اليوم هي نفس الصلاة التي صلاها جميع الأنبياء من قبل، وهي ذات الصلاة التي صلاها أتباع الأنبياء السابقين، وما زالت طوائف من أهل الكتاب تصلي بصلاة تشبه صلاتنا إلى حد كبير.

فعندما أمر الله تعالى المؤمنين بالصلاة لم يسأل أحدهم ما هي الصلاة ولم يقل أحدهم كيف نصلي، لأنها كانت معروفة لديهم مما شاهدوه من أهل الكتاب، وإن لم يكن كل الناس يعرفونها بالتفصيل فلا بد أن بعضهم كان يعرفها، والمقصود أن الصلاة لم تكن شيئا غريبا عن المجتمع الذي نزل فيه القرآن أو غيره من المجتمعات، فمثلا تذكر كتب السيرة أن بعض العرب كانوا يصلون حتى قبل بعثة نبينا الكريم، وبالرغم من أن الصلاة كانت معروفة إلا أن القرآن الكريم أورد كثيرا من تفصيلاتها. يقول الله تعالى:

﴿‌فَإِذَا ‌قَضَيْتُمُ ‌الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ…﴾ (النساء: 103) 

ذكْرُ الله بالقيام يكون بتكبيرة الإحرام وبقراءة الفاتحة وما تيسّر من القرآن، والقعود يكون بين السّجدتين؛ حيث يدعو المسلم ربَّه بالمغفرة، كما يكون في الجلوس بعد الرّكعتين في الصلاة الزائدة عن اثنتين، وفي ختام الصلاة حيث التشهّدُ والدعاء، أمَّا ذكرُ الله على الجُنوب فيكون بالركوع والسّجود؛ وقد جاء تفصيل ﴿وعلى جنوبكم﴾ بقوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج، 77)

أي أنَّ ذكر الله تعالى على الجنوب يكون بالركوع والسجود.

والجنوب جمع جنب وهو الناحية من الإنسان[1] وهي هنا أطراف الإنسان التي يعتمد عليها في ركوعه وسجوده، نفهم هذا حين نقرأ قوله تعالى:

﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة، 36)

قوله تعالى ﴿وجبت جنوبها﴾ أي هدأت حركةُ أطرافها ملتصقةً بالأرض، وهذا تعبير عن أنها فارقت الحياة، وكذلك في قوله تعالى واصفاً مَنْ يقومون الليل:

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (السجدة،16)

فأوّلُ ما يتحرّك من الإنسان عند استيقاظه من النوم أطرافُه، ولا يستطيع النهوض من مضجعه إلا معتمداً عليها.

ومن خلال الآيتين السابقتين نفهم قوله تعالى ﴿وعلى جنوبكم﴾ لأنَّ المصلِّي يعتمد على يديه ورجليه في ركوعه وسجوده، فإنْ رَكَعَ دون أن يضع يديه على ركبتيه معتمداً عليهما فلا يعتبر ركوعُه صحيحاً، وكذا السّجود يجب أن تكون الأطرافُ ملاصقةً للأرض، والجبهة والأنف يعتبران جانب الرأس الذي يلاصق الأرض عند السّجود، ولا ينبغي أن يكون غير الأطراف عاملاً في السجود، كأنْ يضع مرفقيه على الأرض أو يلصق بطنه بفخذيه، وتطبيقاتُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تؤكد هذا الفهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أُمرتُ أن أسجد على سبعة أعظمٍ على الجبهة، وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين، وأطراف القدمين»[2]

وعَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ»[3] 

وقد روت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ما يدلُّ على انتصاب القدمين عند السجود وملامسة أطراف أصابع القدمين الأرض[4] .

وبالرغم من وجود كل هذه التفصيلات المتعلقة بالصلاة في القرآن الكريم إلا أن جبريل عليه السلام  كان يعلم نبينا الكريم التطبيق العملي للصلاة، وذلك من باب التأكيد على كيفيتها:

فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر” ثم التفت إلي فقال: “يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين[5]

لقد كان جبريل عليه السلام بموجب وظيفته يعلم القرآن الكريم والحكمة المركوزة فيه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:

﴿‌وَالنَّجْمِ ‌إِذَا ‌هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ (النجم: 1-5) 

وعلى هذا فإن أقوال النبي وأفعاله المرتبطة بالدين لا تشكل مصدرا مستقلا في التشريع، بل هي مصدر تابع للقرآن الكريم. فإن سلمنا بهذه الحقيقة فإنه يتسنى لنا فهم القرآن فهما صحيحا وتطبيقه كما طبقه نبينا الكريم، فنحن مطالبون بالاقتداء به في حكمه بالقرآن وتطبيقه والجهاد به، أما العدول عن هذا المنهج فيؤدي إلى الفهم الخطأ؛ والفهم الخاطئ يؤدي إلى مشاكل كثيرة.

وختاما: يمكننا القول أن أقوال النبي وأفعاله المتعلقة بأمور الدين هي فهمه لكتاب الله تعالى وتطبيقه إياه حيث كان جبريل عليه السلام يعلمه تطبيق القرآن كما يعلمه تلاوته، فما نقل إلينا صحيحا من أقواله وأفعاله ليس وحيا مستقلا وليس تفويضا له لتشريع ما يراه مناسبا، لأنه متبع للوحي وليس مشرعا، وحاكم به وليس معقبا عليه.

*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بقراءة المقالات والفتاوى التالية:

مصطلح السُّنَّة بحسب القرآن والتراث https://www.hablullah.com/?p=5877

متى تكون الرواية عن النبي حجة ملزمة https://www.hablullah.com/?p=5191

هل تُعدُّ أحاديث النَّبيِّ من الوحي  https://www.hablullah.com/?p=3032

تقييد السنة بالكتاب  https://www.hablullah.com/?p=2244

كفاية القرآن  https://www.hablullah.com/?p=3353

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ. تَقُولُ: قعَدْتُ إِلَى جَنْب فُلَانٍ وَإِلَى جانِبه، بِمَعْنًى، وَالْجَمْعُ جُنُوبٌ وجَوانِبُ وجَنائبُ، الأَخيرة نَادِرَةٌ. (لسان العرب، مادة جنب). ولو كان القصد من قوله تعالى ﴿وعلى جنوبكم﴾ ما ذكره صاحب لسان العرب لوجب أن تكون كملة ﴿جنوبكم﴾ بالتثنية لا بالجمع، وعليه لا بدّ أن تكون كلمة الجنوب تعني أعضاء السّجود،  لأنّه لا يمكن أن يكون المعنى وجوب السجود على شقي الإنسان الأيمن والأيسر.

[2]   صحيح البخاري، باب السجود على سبعة أعظم، 812

[3] صحيح مسلم، باب الاعتدال في السجود،234 – (494)

[4]  عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: “اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”. صحيح مسلم، باب ما يقول في الركوع، 222 – (486)

[5]  سنن أبي داود، باب الصلاة رقم الحديث: 393؛ سنن الترمذي المواقيت، 1.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.