حبل الله
المذهب الصوفي والتفرق في الدين

المذهب الصوفي والتفرق في الدين

السؤال:

ما هو المذهب الصوفي ؟ أليس اتباع المذاهب محرما ؟
وأساسا أليس التسمية بصوفي أو سني أو شيعي منها عنها؟ ألسنا مسلمين وكفى؟ أليست الطائفية من الأشياء التي تفرق الأمة الإسلامية ويجب القضاء عليها ؟ أم ما هو رأيكم؟

الجواب:

الطُّرقُ الصُّوفيَّةُ هي مجموعاتٌ مُنظَّمةٌ تمتلكُ التَّكايا والزَّوايا، ولكلِّ مجموعةٍ منها زعيمٌ روحيٌّ يُسمَّى بشيخ الجماعة. يرى المُتصوِّفون أنَّ الشَّيخَ وسيطةٌ بين الله وبين العباد، وبابٌ من أبواب الله تعالى. ويتمُّ الانتسابُ إلى الطَّريقة الصُّوفيَّة بـ “البَيْعة”. فيكونُ الشَّيخُ قد تكفَّلَ المُريدَ في سبيل الله بحسب زعمهم.

إنَّهم يرون أنَّه لا خلاصَ إلَّا بالانتساب إلى إحدى الطُّرق الصُّوفيَّة، وأن الشَّيخُ هو وكيلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فهو معصومٌ، كما أنه الأبُّ الرُّوحانيُّ للمُريدين.

وهذه الآراءُ تُخالفُ القُرآنَ الكريم، لأنه لا يصح أن يكون هناك واسطة بين العبد وربه، لأن الله تعالى أقرب إلى العبد من حبل الوريد، فما حاجة الواسطة؟ كما أن الزعم بأن الشيخ واسطة بين المريد وربه يعطي الشيخ سلطة وقداسة فوق بشرية وهذا لا ينبغي حتى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يقول الله تعالى:

﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا ‌بَشَرٌ ‌مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [إبراهيم: 11] 

ويقول تعالى آمرا نبيه الخاتم أن يقول للناس:

﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا. قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ ‌لَكُمْ ‌ضَرًّا وَلَا رَشَدًا. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا. إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن: 20-23] 

فالطُّرقُ الصُّوفيَّةُ قد تشكَّلتْ بعيداً عن القرآن، وهي من الجماعات التي مهَّدتِ الطَّريقَ نحو الثيوقراطيَّة (الحكم باسم الله تعالى ونيابة عنه) تماماً كما فعلتْ الكنائسُ التي بنتْ عقائدَها وأفكارَها بعيداً عن الإنجيل الحقيقيِّ. لقد كانتِ الأفكارُ الصُّوفيَّةُ مُتداولةً بين الصُّوفييِّن وحدهم، أمَّا اليوم فقد تسرَّبتْ أفكارُهم إلى الكثير من المسلمين غير المنتسبين إليهم.

وبالرَّغم من كون الطُّرق الصُّوفيَّة جماعاتٍ مُنظَّمةً إلَّا أنَّها لم تبلغْ درجةَ الكنيسة، كما لم تكن هناك دولةٌ قد دخلتْ تحت أمر شيخٍ من شُيوخ الطُّرق الصُّوفيَّة ، والكفيل بعدم حصول ذلك هو التمسك بكتاب الله تعلى واعتباره مصدر المعارف والأحكام الدينية.

هناك مآخذُ كثيرةٌ على الطُّرق الصُّوفيَّة سواءً في الاعتقاد أو العبادة، لكنَّها ستزولُ إذا قامَ المُسلمون بتعلُّم دينهم على ضَوْء القرآن الكريم بعيداً عمَّا ورثوه من آبائهم.

أما تفرق المسلمين إلى طوائف ومذاهب شتى متنازعة هو عين ما حذرت منه آيات الكتاب العزيز. قال الله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام 159)

إن التسمية الوحيدة التي يرتضيها المسلم الحق لنفسه هي تسمية الله تعالى له:

﴿هُوَ ‌سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (الحج 78) 

فالمسلم الحق يرفض أن يسمي نفسه بغير ما سماه الله تعالى به.

إن اختلاف هذه الأمة إلى طوائف ومذاهب شتى له سبب وحيد هو البعد عن كتاب الله تعالى، وقد تمثل ذلك البعد بجعل القرآن أحد مصادر التشريع بدلا من أن يكون المصدر الوحيد له، وبالرغم من إقرار الطوائف أنه المصدر الأول للتشريع وفهم الدين إلا أننا نجدهم يقدمون عليه الرواية عن النبي أو الأئمة بزعم أن أقوالهم هي تفسير وشرح للقرآن، ويصرون على هذا الطرح بالرغم من كون القرآن جاء تبيانا لكل شيء وأنه مفصل ومبين من منزله سبحانه، وبالرغم من كون المنقول عن النبي والأئمة يتصادم أحيانا مع مسلمات القرآن وبديهيات العقل نظرا لما طرأ عليها من الزيادة والنقصان والتحريف والوضع عمدا أو سهوا.

ولما كان القرآن الكريم لا يوفر المبررات المطلوبة لترسيخ الطائفية والمذهبية كان لا بد من اختراع مصادر جديدة للدين يمكن من خلالها تكريس دين مواز يقدم الشرعية الدينية لرغبات كل طائفة وميولها السياسية والاجتماعية، وهذا ما يفسر تطور الرواية المستمر في القرنين الثالث والرابع الهجريين تزاما مع تكريس الطائفية المذهبية عند المسلمين.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على ما يتعلق به من المقالات التالية:

الشيعة والتشيع في ميزان القرآن  https://www.hablullah.com/?p=7836

الإسلام: من دين مركزه الكتاب إلى دين مركزه البشر https://www.hablullah.com/?p=3092

كما ننصح بالاطلاع على موضوعات كتاب أ.د عبد العزيز بايندر (نظـرة إلى الطرق الصوفية في ضوء القرآن) من الرابط التالي https://www.hablullah.com/?cat=52

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.