حبل الله
هل أشرك آدم وحواء بعد أن آتاهما الله تعالى الولد؟

هل أشرك آدم وحواء بعد أن آتاهما الله تعالى الولد؟

السؤال:

ما معنى قوله تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا ‌لَئِنْ ‌آتَيْتَنَا ‌صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: 189-190] 

هل المقصود بالنفس الواحدة هو آدم عليه السلام كما ورد في كتب التفسير وكيف يُشرك آدم كما ذكروا؟ لم أقتنع بتفسيرهم أبدا.

أم المقصود هو أن الله تعالى ضرب مثلا هنا عن الإنسان الذي يطلب من الله طلبا ثم إذا آتاه إياه نكث عهده مع الله؟ ولماذا قال تعالى وجعل منها زوجها؟ فقد علمت من موقعكم الكريم أن الله تعالى خلق آدم وحواء من ذات النفس وهي البيضة الملقحة، وكل إنسان خلق من البويضة الملقحة، فهل المقصود هنا هو أي إنسان؟ وإن كان كذلك لماذا قال عز وجل “وجعل منها زوجها”.

أفيدوني أدامكم الله لنا في هذا الزمن الصعب.

الجواب:

النفس الواحدة ليست آدم عليه السلام، وإنما المادة الأساسية التي خلق منها آدم (البويضة الملقحة) كما أن زوجه خلقت من تلك النفس أيضا[1]، وقد سماها الله تعالى نفسا باعتبارها أصل خلق النفس البشرية. ثم توالد البشر بالطريقة المعروفة حتى الآن:

﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ ‌سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: 8] 

الالتفات من الأساليب البلاغية التي يكثر استعمالها في القرآن الكريم، وهو في اللّغة تحويل الوجه عن أصل وضعه الطبيعيّ إلى وضْعٍ آخر. وفي اصطلاح البلاغيين هو التحويل في التعبير الكلاميّ من اتجاه إلى آخر من جهات أو طرق الكلام الثلاث: “التكلّم – والخطاب – والغيبة” مع أنّ الظاهر في متابعة الكلام يقتضي الاستمرار على ملازمة التعبير وفق الطريقة المختارة أوّلاً دون التحوّل عنها. كأنْ يتحدّث المتكلِّم عن نفسه بأسلوب الخطاب الذي يخاطب به غيره، أو يتحدَّث مع من يخاطبه بأسلوب التكلّم عن الغائب، أو يتحدّث عن نفسه بأسلوب الحديث عن الغائب، أو يتحدّث عن الغائب بأسلوب الخطاب، وهكذا[2]

وَفَائِدَتُهُ: صِيَانَةُ السَّمْعِ عَنِ الضَّجَرِ وَالمللِ فإن النُّفُوسَ جُبِلَتْ عَلَي حُبِّ التَّنَقُّلِ، وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ من الخطابِ يؤدي إلى السَّآمةِ. وفائدَتهُ أيضًا: إِظْهارُ الملكةِ فِي الكلَامِ، وَالِاقْتِدَارِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ[3].

فالآيات تتحدث عن آدم وزوجه لكنها تقرر حقيقة ما عليه كثير من البشر في التفات واضح عن آدم وزوجه إلى ذريتهما. والآيات التالية تؤكد أن المقصود مَن كان هذا شأنهم من جملة البشر وليس آدم وحواء:

﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ‌فَلَمَّا ‌نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ. لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 65-66] 

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ. وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ‌فَلَمَّا ‌نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾ [لقمان: 31-32] 

الإنسان بطبعه يتعلق بربه عندما تحل عليه المصائب لا سيما القاصمة، فعندما تنقطع الأسباب عنه يتعلق بربه ويدعوه مخلصا لئن أنجاه من الهلاك ليستقيمنَّ على أمره سبحانه، فإذا أنجاه الله تعالى فإما أن يبر بوعده فتكون تلك المصيبة درسا قاسيا استفاد منه، وإما أن يتنكر لوعده ويعود إلى غيه القديم فكأن شيئا لم يحدث، وهؤلاء الذين تحدث الله تعالى عنهم في الآيات التي وردت في السؤال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  عبد العزيز بايندر ، البشر والإنسان في القرآن الكريم https://www.hablullah.com/?p=3404

[2]  عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)  البلاغة العربية  1/ 479 ، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط1

[3]   سعيد مصطفى ذياب، أمثلة على أسلوب الالتفات في القرآن، شبكة الألوكة https://www.alukah.net/

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.