حبل الله
السبليمينال (التأثير على اللاوعي) وقضاء الصلوات الفائتة

السبليمينال (التأثير على اللاوعي) وقضاء الصلوات الفائتة

السؤال:

هل السبليمينال حرام؟

وهل الذي كان لا يصلي يلزمه قضاء/تعويض كل الصلوات التي فاتته سابقا؟

الجواب:

بالنسبة للسؤال الأول المتعلق بـــ (السبليمينال) وهو مصطلح لاتيني يعني (تحت الشعور) وهو مجموعة من المحفزات أو الرسائل التي تحتوي على الرموز والصور أو كلمات وأصوات بخلفية موسيقية، وهذه المحفزات تخاطب العقل الباطن (اللاوعي) بغرض تنبيهها وبث الرسائل الإيجابية أو السلبية.

وقد يعتقد البعض أن هذه الأشياء لم تأتِ في كتاب الله تعالى نظرًا لحداثتها أو اكتشافها مؤخرًا، والحقيقة أن هذه مجرد مسميات جديدة لمعاني وأفعال قديمة، وإنما اتخذت أسماء جديدة تناسب العصر وكذلك غُلفت بأشكال تواكب ما يألفه الناس ويتماشى مع تطورهم، يقول الله تعالى:

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ النحل (89).

فالمتأمل للمعنى والهدف الذي يدور حوله ما يُسمى السبليمينال سوف يدرك قدمه واستخدامه في كل زمان ومكان، فالهدف هو السيطرة على الإنسان والتأثير عليه وتوجيهه حسب إرادة القائم على الأمر عن طريق مخاطبة الخيال ودغدغة المشاعر واللعب على مركز اللاشعور وتعطيل العقل؛ مما يحقق للقائمين عليه الأرباح المادية أو السلطوية وحشد المؤيدين والمنساقين لهم.

وقد ورد هذا الأمر في كتاب الله تعالى بصوره المختلفة:

  • فنرى مثالًا على مخاطبة اللاشعور لدرجة السيطرة على الحضور وتوجيههم لفعل شيء معين في قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ يوسف (31)

فامرأة العزيز عندما سمعت بمكر النسوة وحديثهن عليها وأرادت أن ترد المكر بمكر مثله فدبرت لهن خطتها التي ذكرتها الآية الكريمة من تهييء الطعام والجلسة المريحة التي تساعد على الاسترخاء، وفي اللحظة التي حملت فيها النسوة السكاكين وفي أيديهن ما يقطِّعنه أمرت الشاب ذا الوجه الحسن والطلعة المهيبة بالخروج عليهن، وبالفعل انساقت النسوة وراء المشاعر واللاوعي مما جعلهن يقطِّعن أيديهن بدون أن ينتبهن أو حتى يشعرن بالألم الناتج عن الجرح بالسكين.

  • وكذلك نرى مثالًا للتأثير على الخيال وجذبه عن طريق سرعة وخفة اليد مما تسبب في رهبة الحشد الكبير من الناس ليروا ما يريد الساحر أن يروه دون أن يكون له حقيقة، وهو الأسلوب الذي استخدمه سحرة فرعون كما أورده في قوله تَعَالَىٰ:

﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ الأعراف (116)

وقد امتلكوا المهارة في ذلك وكأن عصيهم تتحرك بالفعل:

﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ﴾ طه (66)

وقد كان ما فعلوه مؤثرا للدرجة التي جعلت نبي الله وكليمه يتخوف من تأثيرهم على الناس:

﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَىٰ﴾ طه (67)

لولا أن تداركه ربه:

﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَىٰ﴾ طه (68).

وانقلب السحر على الساحر وغلب العقل والعلم مكر السحرة وخيالاتهم حين قَالَ له سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ، وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ طه (69)

وهو الأمر الذي جعل السحرة بكل ما لديهم من مهارة وتأييد من فرعون أن يسلموا لرب العالمين لأنهم أدركوا وتيقنوا أن ما فعله موسى ﷺ لا يمت بصلة لخفة اليد أو الخيال أو الترهيب وأن ما فعله هو الحق بينما الباطل ما صنعوه هم، فما كان منهم إلا التسليم بنبوة موسى:

﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ﴾ طه (70)

  • ونرى الأمر يتكرر بصورة أخرى من صور السيطرة على الناس، ألا وهو استعراض القوة والملك لترهيب الناس؛ فنرى فرعون يعدد لقومه مظاهر قوته وعظمة ملكه والأنهار التي تجري من تحته وأنه قادر على هذا النبي الذي استهان به، وهكذا فقد لعب على اللاوعي لديهم وعطل فكرهم، فما كان من الناس إلا أن خضعوا له:

﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ، إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ الزخرف (54)

ولو أنهم تفكروا قليلًا وأعملوا عقولهم لعلموا أن هذا مجرد استعراض للباطل وأن فرعون لا يستطيع أن يفعل شيئًا أمام إرادة رب موسى وهارون الذي خضع له السحرة واختاروا الصلب والقتل عن عذابه تعالى.

إن (السبليمينال) وغيره من المسميات عادة ما ينجرف إليها ضعاف النفوس الذين يحاولون الهرب من المشكلات وبدلًا من حلها والسعي والعمل لتخطيها امتثالًا لقوله تعالى:

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ الإسراء (19)

إلا أنك تراهم يبحثون عن البديل الزائف الذي ينسيهم الحاضر ويغيب عقولهم عن إدراك الحقائق وهؤلاء كمن قيل فيهم:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ، ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ. يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ الحج (11: 13)

بناء على ما سبق فإن كل ما يعطل العقل ويسوق الإنسان وراء الخيال ويسلبه الإرادة ويبعث على بث الوهم بداخله فهو يضره وعليه اجتنابه.

وقد نبأنا العليم الخبير في السياق نفسه أن اللجوء لغيره تعالى من أسباب واهية لا يتسق مع العلم والحكمة ولا يحقق النفع لصاحبه مهما أظهر خلاف ذلك وأن التأييد الحقيقي يتأتى ممن لديه القدرة المطلقة سبحانه، وإذا ظن الإنسان الذي يحتاج إلى النصرة أن الله تعالى غير قادر على نصرته وتأييده فله أن يتعلق بكل ما يريد من أسباب دنيوية ولينظر إلى قدرتها على تأييده ونصره قَالَ تَعَالَىٰ:

﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ الحج (15)

ثم أكد تعالى في الآية التالية لها مباشرة أن المؤمن الحق عليه التسمك بكتاب ربه والالتزام بتعاليمه لنصرته وهدايته في الدنيا والآخرة:

﴿وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ﴾ الحج (16)

وبالنسبة للسؤال المتعلق بالصلاة الفائتة التي لم يؤدها الإنسان من قبل، فإن الصلاة تتفرد بخصوصية تختلف عن العبادات الأخرى كالصوم الذي إن لم يؤدَ في وقته لمرض أو سفر فيؤديها في وقت آخر قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة (184)

وكالزكاة التي إن تأخر عن تأديتها فيتداركها بإخراج نصيب أكبر عند توبته قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ﴾ طه (82)

وكذلك الحج لأن الإنسان يستطيع أن يؤديه حال القدرة فهو ليس محددا بعام معين يتوجب عليه أن يؤديه فيه.

ولكن الصلاة هي العبادة الوحيدة التي تؤدى في وقتها قَالَ جَلَّ وعلا:

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ النساء (103)

وهي لا تسقط عن المؤمن بأي حال من الأحوال بخلاف غيرها من العبادات، فالحج مثلًا يسقط عن المكلف عند عدم القدرة عليه؛ وهذا من رحمته تعالى ولطفه بعباده لعلمه بأن الصلاة كالرباط والصلة التي تمد الإنسان بالروح وتمنحه القدرة على تخطي الصعاب وتطهره عن فعل الفواحش والمنكرات إن صدق وخشع فيها، قَالَ اللَّهُ تعالى:

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ العنكبوت (45).

لذلك جعل فيها سبحانه وتعالى من التيسير ما لم يجعله في غيرها، فرفع عنا الحرج عند عدم القدرة على الوضوء أو الاغتسال ورخص في التيمم قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ المائدة (6) 

وكذلك رخص سبحانه في الصلاة حال المشي أو الركوب:

﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا، فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة (239)

وفي حالة الخوف قصرها لنا:

﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ النساء (101)

ورخص في حمل السلاح فيها حالة الحرب، ويسر للمريض أن يقييم الصلاة في كل حالاته من القيام أو القعود أو على جنب أو حتى بقلبه إن كان عاجزًا عن الحركة قَالَ اللَّهُ تعالى:

﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ آل عمران (191)

وبعد كل هذا التيسير في أداء الصلاة فلا حجة للإنسان المؤمن أن يتركها إلا أن يكون متكاسلًا أو منكرًا لنعمة ربه أن كتب عليه الصلاة لتعينه على الطاعة والبعد عن المعاصي قَالَ اللَّهُ تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة (153)،

وإن تركها غافلًا أو متغافلًا فلا إعادة للصلوات الفائتة وعليه بالتوبة والاستغفار والمدوامة عليها في أوقاتها، وليكثر من النوافل وخاصة قيام الليل لما فيه من النفع الكبير والخير الكثير قَالَ اللَّهُ تعالى:

﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ الإسراء (79)

وكذلك بالاستغفار وقت السحر قَالَ تعالى:

﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الذاريات (18).

*وللمزيد حول قضاء الصلوات الفائتة ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:

الصلاة خارج وقتها المقرر  https://www.hablullah.com/?p=2411

لا يصح قضاء الصلاة الفائتة لمن تركها متعمدا https://www.hablullah.com/?p=2771

قضاء صلاة العصر في وقت المغرب https://www.hablullah.com/?p=8122

 

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.