حبل الله
هل أمر الله تعالى بمقاتلة أهل الكتاب في الآية 29 من سورة التوبة؟

هل أمر الله تعالى بمقاتلة أهل الكتاب في الآية 29 من سورة التوبة؟

السؤال:

ما زال لدي تساؤل شديد الأهمية في آية الجزية [التوبة: 29] 

ولقد قرأت جميع مقالاتكم بخصوص هذه المسألة ومقالات لآخرين ولكن لم أجد إجابة شافية للسؤال التالي:

يفهم البعض من الآية أنها صريحة في محاربة من لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولكن أهل الكتاب يؤمنون بذلك. لكنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، فأهل الكتاب لا يحرمون الخنزير مثلا، فهل المقصود هنا بعدم التحريم التخصصي لكل ديانة أم تحريم الفواحش من قتل وسرقة وزنا؟

(ولا يدينون دين الحق)، فهل دين الحق هنا هو الإسلام وبالتالي نفهم من هذه الآية مقاتلة أهل الكتاب لأنهم لا يؤمنون بالإسلام.

كيف أقنع شخصا متطرفا بخلاف ما يُفهم من هذه الآية؟

أرجو الإجابة بالتفصيل؛ لأن صريح الآية يأمرنا بمقاتلة من لا يدينون دين الحق بالرغم من جواز الزواج منهم، والقرآن الكريم مليء بآيات حرية العقيدة والإيمان، وهي تتفق تماما مع العقل وحرية الإنسان حتى تتم محاسبته في الآخرة بشكل عادل.

الجواب:

يقول الله تعالى:

﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ‌حَتَّى ‌يُعْطُوا ‌الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29] 

في الآية يأمر الله تعالى بمقاتلة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحرِّمون ما حرَّمَ الله ورسولُه من أهل الكتاب، والآيةُ  التالية من سورة محمَّد تُبين أنَّ الأمر بالقتال يكون عند اللقاء في الحرب:

﴿‌فَإِذَا ‌لَقِيتُمُ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ [محمد: 4] 

والمسلمون لا يكونون سبباً لبدء الحرب أبداً، وإنما خروجهم إليها يكون بهدف ردِّ العدوان[1] كما بيَّنه قوله تعالى:

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة، 190).

وهكذا يتبين لنا أن الحكم في أي مسألة يلزمه جمع الآيات المتعلقة بها وإيجاد الروابط بينها، وهذا هو التدبر المأمور به في كتاب الله تعالى، فلا يصح أن يبنى الحكم على آية واحدة دون ردها إلى متشابهاتها[2] كما تبينه الآية 7 من سورة آل عمران:

﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ‌زَيْغٌ ‌فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران: 7] 

أما الجزية التي يدفعها الحربي فهي الجزاء المذكور في الآية الرابعة من سورة محمد، وهو الفداء في حالة استبعاد خيار المن[3].

وقوله تعالى “وهم صاغرون” يبين حالة العدو عندما يقع أسيرا، فليس هناك صغار كوقوع المحارب في الأسر.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة أ.د عبد العزيز بايندر (العلاقة مع غير المسلمين) على الرابط التالي  https://www.hablullah.com/?p=1294

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر الفتوى (الابتداء بمحاربة الكفار بدون مبرر) https://www.hablullah.com/?p=2958

[2]  عبد العزيز بايندر، الأصول في تفسير القرآن بالقرآن/ مفهوم المحكم والمتشابه والمثاني والتأويل https://www.hablullah.com/?p=1228

[3]  جمال نجم، مفهوم الجزية في القرآن الكريم  https://www.hablullah.com/?p=2845

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.