حبل الله
الاستدلال الخاطئ بآية (وليس الذكر كالأنثى)

الاستدلال الخاطئ بآية (وليس الذكر كالأنثى)

السؤال:

استمعت إلى فقيه منذ مدة قد طرح إليه سؤال من قبل أولئك الذين يطالبون بالمساواة، وقد رد الفقيه بكون المساواة هي مجرد كذبة، و أنه لا يمكن المساواة بين مختلفين، فلا يمكن أن يقبل أحد المساواة بينه و بين الحيوان أو لا يمكن المساواة بين الشخص المسلم و النبي، و الكثير من الأمثلة حتى وصل إلى كون المرأة لا يُساوى بينها و بين الرج.

مشكلتي أنه قد استدل بالأدلة التالية :

(وليس الذكر كالأنثى)

(الرجال قوامون على النساء)

(للذكر مثل حظ الأنثيين)

(شهادة المرأة نصف شهادة الرجل)

و قد استدل بهذه الأخيرة على كون المرأة لا يمكن أن تكون قاضية لكون شهادتها ناقصة.

لكن ما أشكل علي هو استعمال آية (وليس الذكر كالأنثى)

ألم يكن هذا خطاب امرأة عمران عند وضعها لمريم و ليس كلام الله جل جلاله؟ فلماذا تستعمل هذه الآية خارج سياقها كثيرا من قبلهم؟

وأكمل بأحاديث في الصحيحين:

-كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء إلا أربع…

-لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة

ما يحزنني هو كون هذه الأدلة موجودة فعلا و خاصة أحاديث الصحيحين، سؤالي هنا هو حقيقة آية (وليس الذكر كالأنثى) فهل يوجد احتمال كون صحيحي البخاري و المسلم قد وضعت الكثير من الأحاديث التي نسبوها للنبي؟

الجواب:

لا داعي لحزن السائلة فما قيل ينطبق عليه قوله تعالى:

﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ الأنعام (33)

فالآيات التي استدل بها (الفقيه) على حد تعبير السائلة مع الأسف الشديد قد حُرف المعنى فيها عن مواضعه وجُحد بها وهي ككلمة الحق التي يراد بها باطل كمن قيل فيهم:

﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ المائدة (41)

ولو كان فقيهًا حقا لعاد في تفصيل الكتاب لمن أنزله سبحانه وتعالى:

﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ الأنعام (98)

وتحريف المعنى عن مواضعه يتم بعدة أمور منها، اجتزاء بعض الجمل والعبارات من الآيات، وفصل المعنى عن السياق، وتغيير معنى الكلمات بصرفها عن مرادها الحقيقي، وكذلك إطلاق العام على الخاص والعكس وسوف نضرب أمثلة على ذلك:

  • فمن الآيات التي اجتزئ فيها الكلام لهدف التعميم وإطلاق الخاص على العام، قوله تعالى:

﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ يوسف (28)

وكأن كل النساء يكدن بالسوء. وتناسوا أن الكيد السيء من عمل الشيطان ويتصف به الذكر والأنثى كما جاء في السورة نفسها التي ذكرت كيد إخوة النبي الكريم يوسف:

﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا، إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ يوسف (5)

ومن المعلوم أن إخوته كانوا رجالًا وليس نساء.

  • وكذلك مسألة شهادة المرأة كما في قوله تعالى:

﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ البقرة (282)

فإن الآية الكريمة جاءت في سياق الحديث عن الدَّين المتعلق بالتجارة، بدليل قوله تعالى:

﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ البقرة (282)

وبيَّن لنا سبحانه السبب في ذلك بقوله:

﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ﴾

وذلك لأن الأسواق دائمًا ما تمتلئ بتلك الشهادات، والمرأة قد تتواجد في بعضها وتغيب عن البعض بحكم رعاية شئون بيتها، فخفف الله تعالى عنها، وجعل معها من تذكرها إن ضلت واختلط عليها الأمر، وذلك لحكمة بالغة أنه لربما تنسى المرأة وربما يقع الدَّين على عاتقها وتُطالب هي بالسداد.

والآية تحدثت عن الصورة المثلى للشهادة، وهذا لا يمنع قبول ما دونها كأن تشهد امرأتان أو رجل وامرأة أو رجل واحد أو امرأة واحدة[1]، وذلك بدليل قوله تعالى بعد أمره بالإشهاد في الديون:

﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ‌وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ﴾ [البقرة: 282] 

ولكن في غير ديون التجارة فإن شهادة المرأة كشهادة الرجل كما جاء في حالة الزنا، قَال تعالى فيما يخص الرجل:

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ النّور (6)

والحكم ذاته فيما يخص المرأة:

﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ النّور (8)

وفي الطلاق قَالَ تَعَالَىٰ:

﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ الطلاق (2)

ولم يشترط كون الشهداء رجالا أم نساء.

وكذلك في الوصية. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ المائدة (106)

  • ومن الآيات التي حرف فيها المعنى بصرفه عن مراده قوله تعالى:

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ النساء (34)

وذلك حين أعطوا القوامة معنى تشريفيا للرجال على حساب النساء وأخرجوها عن معنى التكليف والمسؤولية المحددة بشروط بينها تعالى في الآية ذاتها:

﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ النساء (34)

فالقوامة تعني القيام على الشيء ورعايته وليس الترفع عليه.

بالإضافة إلى صرف معنى التفضيل من التميز إلى التمييز، وفرقٌ بين الاثنين، فالتميز يعني إعطاء كل منهما مميزات وقدرات تختلف عن الآخر؛ كتفضيله تعالى للرسل بعضهم على بعض بالآيات والمعجزات المؤيدة لهم حسب حاجة أقوامهم:

﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ…﴾ البقرة (253).

أما التمييز فهو إعطاء جنس مقابل حرمان الآخر، وهذا يتعالى الله تعالى عنه فسبحان الله وتعالى عما يصفون من الظلم:

﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ فصّلت (46)

وقد بيَّن لنا سبحانه وتعالى تفضيله لكل من الرجل والمرأة على الآخر بميزات وصفات ينفرد بها كل جنس ليحتاجه الآخر فيكمل بعضهما بعضا.

وقد نهى سبحانه عن تمني أحدهما ما فُضل به الآخر:

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ النساء (32)

فقد فضل الرجال بالقوة اللازمة للعمل ومن ثم الإنفاق:

﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ طه (117)

حيث جعل الشقاء على أبينا آدم وحده دون زوجه،

وفضل النساء بتحمل آلام الحمل والولادة والفصال وبالحنان والرقة اللازمة لتربية أطفالها:

﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ لقمان (14).

وما قيل من أن المرأة لا تساوي الرجل لأنه لا مساواة بين مختلفين وتشبيهه الفرق بين الرجل والمرأة بالفرق بين الإنسان والحيوان، فهذا كلام لا يقوله عاقل فضلا عن مؤمن، لأن الله تعالى خص الكرامة ببني آدم جميعا بغض النظر عن الجنس واللون والعرق:

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ الإسراء (70)

والسؤال هنا: أليست المرأة من بني آدم؟! أم أنها تنتمي إلى جنس آخر لا يرقى لمرتبة التكريم؟!

أما الأكرم عند الله من بين الخلق فهم المتقون من الجنسين، كما أنبأنا العليم الخبير:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات (13).

وأما عن خلطه بالفرق بين الرسل وبقية البشر فهو استشهاد بالحق لكن أريد به باطل، ذلك لأن الرسل اختارهم الله تعالى من أعظم البشر خُلقًا وتقى قَالَ جَلَّ وعلا:

﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ الدّخان (32) ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا، وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام (86).

أما إذا جئنا إلى قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ﴾ فسواء أكانت العبارة قد قيلت عن رب العالمين أو على لسان امرأة عمران فهي حق لا ريب فيه، وهي بالفعل تشير إلى الفرق التكويني بين الذكر والأنثى الذي يقتضي اختلاف الوظيفة، ولكن لا علاقة لها بالمساواة في الثواب والعقاب من قريب أو بعيد.

فالله تعالى لم يقل (ولا يستوي الذكر والأنثى) ولو أراد الله تعالى ذلك المعنى لذكره حيث أن كلمة المساواة ليست غريبة عن القرآن كقوله تعالى:

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الزمر (9) وقوله: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ الحشر (20)

ولكن الآية ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ﴾  قد تم تحريف المعنى فيها لاستخدامها كسلاح ضد المرأة، ولو تدبرناها قليلًا فسوف نجدها العكس تمامًا حيث أن الفرق بين الذكر والأنثى هو لصالح المرأة وليس عليها كما يزعمون.

  • فلو نظرنا إلى السياق، فقد قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ﴾ آل عمران (36)

فقد نذرت امرأة عمران ما في بطنها لله تعالى بأن تتركه في المحراب منذ صغره ليتفرغ للعبادة وإمامة الناس في الصلاة والدعوة والخروج في سبيل الله، ومن البديهي أن هذه الأمور ليست مما تكلف به النساء ابتداء لأنها مما لا يتناسب مع تكوينها البدني والعاطفي. والرغم من قبول الله تعالى اعتذار أم مريم عن الوفاء بوعدها إلا أن السيدة مريم تم تنشئتها تنشئة خاصة أهلتها لتحمل ابتلاء عظيم تمثل بحملها بالمسيح دون أن تتزوج، وولادته بعيدا عن أعين الناس وحيدة، ثم مواجهة قومها به، ولذلك كانت _بحق_ أعظم نساء العالمين:

﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ آل عمران (42)

فالله سبحانه لم يفرض على المرأة ما يشق عليها كتكليفها بإمامة الناس وقيادتهم للجهاد ومجابهة العدو ، بل لم يفرض عليها الخروج للعمل، وفرض على الرجال حمايتها والإنفاق عليها ورعايتها، وإذا خرجت للعمل فهو بمحض إرادتها وليس بالجبر.

وعندما نادى القائمون على حقوق الإنسان بالمساواة بين الرجل والمرأة فقد ظلموا المرأة عندما كلفوها بتحمل المسؤولية مثل الرجل، وهكذا أُجبرن على الشقاء خارج البيت في العمل بالإضافة إلى تحملهن مسؤولية البيت ورعاية الأطفال.

أما بالنسبة عن تولي النساء الحكم فهو لا يحتاج إلى قوة بدنية ولكنه يحتاج إلى الحكمة ورجاحة العقل والحكم بالعدل وهذه صفات مشتركة يوجد فيها تكافؤ بين الرجل والمرأة[2]، وقد ضرب الله تعالى لنا مثالًا في كتابه عن ملكة سبأ وقد أثنى عليها رب العالمين ولم يصف قومها بعدم الفلاح قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ النّمل (23).

وما يجب المناداة به هو القسط الذي أمر الله تعالى به:

﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ، وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ الأعراف (29)

فالقسط أعلى درجات العدل وهو يقوم على مراعاة الفروق بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه، ولذلك قال تعالى:

﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ﴾ يونس (4)

﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا، وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ الأنبياء (47)

وكذلك المتدبر للآية الكريمة يجد ملمحًا غاية في الأهمية يرد على الروايات المفتراة على رسول الله بقولهم (كمل من الرجال ولم يكمل من النساء….)!!

ألا وهو أن الله تعالى قال ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ﴾ ولم يقل (فضلك)!! حيث أن الطاهرة مريم لم تفضل بميزة عن أي أنثى في خِلقتها وإنما اصطفيت وطهرت لخُلقها ونقاء قلبها وصبرها وقنوتها وعلمها:

﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ التحريم (12)

فالله تعالى اختارها على نساء العالمين، وفي الوقت نفسه ضرب لنا مثالًا على الزوج الكافر بإمراة فرعون وعلى الزوجة الكافرة بزوجتي النبيين نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام، ولا يحق لكائن من كان أن يضيف على كلام رب العالمين ويزيد عليه ما يشاء حتى ولو كان النبي الكريم نفسه، وهذا لا ينفي مكانة أهل بيته الطيبين الطاهرين بشرط اتباعهن لأمر الله تعالى ورسوله:

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ، وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ الأحزاب (33).

وأما بالنسبة لمسألة ميراث الأنثى في كتاب الله تعالى فهو  من المسائل التي يدور حولها بين الحين والأخر جدال ومحاورات هدفها الأساسي الطعن في دين الله تعالى ونسبة الظلم إلى رب العالمين الذي جعل للذكر ضعف نصيب الأنثى في حالات معينة، وينسى أنها ليست قاعدة مضطردة، فبنت المتوفى ترث أكثر من أبيه حيث ترث هي النصف ويرث هو السدس.

وحتى إن وجد تفاوت وزاد نصيب الذكر فيتناسى السبب الحقيقي من وراء ذلك، وهو أنه تعالى قد أوجب النفقة على الرجل ولم يوجبه على المرأة.

فلم يجعل الله تعالى للذكر حقا زائدا عن الأنثى لمجرد كونه ذكرا، بل لأنه المطالب بالإنفاق والمطالب بالمهر وتأسيس بيت الزوجية[3]، وحتى عند الطلاق فهو مطالب بالنفقة ليس فقط على أولاده بل على مطلقته إذا أرضعت ابنها قال تعالى:

﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ‌وَإِنْ ‌تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [الطلاق: 6] 

فالأنثى غير مطالبة حتى بنفقة رضيعها، وهي تحصل على حقها في الميراث وفي الوقت نفسه يتولى الرجل الإنفاق عليها سواء أكان أباها أو زوجها أو ابنها أو حتى أخاها.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  عبد العزيز بايندر، شهادة المرأة، موقع حبل الله https://www.hablullah.com/?p=1461

[2]  جمال نجم، الولاية العامة للمرأة، موقع حبل الله، https://www.hablullah.com/?p=2135

[3] لماذا كان للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث، موقع حبل الله https://www.hablullah.com/?p=2457

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.