حبل الله
الولاية العامة للمرأة

الولاية العامة للمرأة

السؤال: هل يجوز أن تتولى المرأة منصبا كبيرا كرئيس الدولة أو رئيس الوزراء؟

الجواب:

خلق الله تعالى آدم وحواء من نفسٍ واحدة. وهذا بيِّن من خلال قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (النساء،1) ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} (الأنعام، 98) والآية تشير أن كلاً من آدم وحواء خلقا من نفس واحدة، ثم بثّ منها رجالا كثيرا ونساءً. والمستقر رحم المرأة حيث يقر الجنين فيه، وهو المشار إليه في قوله تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} (المؤمنون، 13) أما المستودع فهو الحياة الدنيا يكون الإنسان فيها كوديعة تُرد إلى بارئها عندما تسلم الروح لرب العالمين .

 البشر رجالهم ونساؤهم متساوون. قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات، 13) كما أنهم متساوون في التكليف {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل، 97)

ولم يفرق القرآن الكريم بين الناس بناء على أجناسهم أو ألوانهم أو أنسابهم. والتكليف موجه لجميع البشر على حد سواء ذكورا وإناثا إلا ما يقتضيه اختصاص الطبيعة فيخرج من دائرة الخطاب عقلا كالأحكام المتعلقة بالحمل والإرضاع والولادة، أو ما نص الشرع على تخصيص الرجال به دون النساء كجعله مسؤولا ومكلفا بحماية الأسرة والإنفاق عليها كما يظهر ذلك من خلال قوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ…} (النساء، 34).

والقرآن الكريم إذ يُثني على ملكة سبإ وما كانت عليه من حلم وصبر وشورى فإنه يذم فرعون لكونه متجردا عن كل ذلك. وعليه فإن توافر الصفات القيادية ومن ثم اتباع قواعد الحكم الصحيحة من شورى وعدل وغير ذلك هي المعايير المعتبرة لصحة تولي الحكم. وعلى المسلمين أن يعتبروا هذه المعايير بغض النظر عن كون المترشح للمنصب ذكرا كان أو أنثى.

ما الذي دفع كثير من الفقهاء للقول بتحريم الولاية العامة على المرأة؟

إنّ القراءة التاريخية للنصوص ومحاولة تطويعها للتصورات المسبقة والتقاليد الموروثة هو ما دفع كثير من العلماء المسلمين إلى القول بحرمة تولي المرأة المناصب العامة، كما ذهبوا يتجولون بين النصوص باحثين عما يؤيد فكرهم ونظرتهم للمسألة، وقد بنوا معظم أدلتهم على تصورهم عن علاقة الرجل بزوجته وبأهل بيته متناسين أن أحكام الأسرة والعلاقة الزوجية تختلف عما نحن بصدده،

 مناقشة أدلة مانعي المرأة من تولي المناصب القيادية:

1_ احتج المانعون بقوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ…} (النساء، 34) قالوا إن الآية ظاهرة في كون الرجل هو صاحب القوامة، وقد فسروا القوامة بالقيادة مطلقا، وهذا غير مسلَّم، فالقوامة مصطلح خاص يبين موقع الرجل في الأسرة فقط، ويتحدد من خلاله واجبات الرجل والتزاماته تجاه أسرته، أما خارج الأسرة فليس للرجل قوامة على نساء العالمين. وفي أحيان كثيرة تكون المرأة قائدة للرجل ومسؤولة عنه كحال المديرة في العمل تجاه موظفيها من الجنسين وهكذا.

2_ قال تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النساء،11) قالوا هذا يدل على تميز الذكر على الأنثى وولايته عليها. وهذا غير صحيح على الإطلاق لأن الآية تبين أنصبة الميراث وهي ليست في سياق الولاية. والميراث جزء من النظام المالي في الاسلام؛ حيث يعطي الذكر ضعف أخته نظرا لما يحمله من أعباء مالية بدءا بدفع المهر عندما يتزوج وتأمين البيت والنفقة وغير ذلك بينما تعفى المرأة من ذلك إلا أن تتصدق.

3_ يحتجون بقوله تعالى على لسان امرأة عمران {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} (آل عمران، 36) ولا يصح الاستدلال بهذه الآية على من له أحقية الولاية. معلوم أن أم مريم نذرت ما تحمله خادما في بيت الله ليقيم الصلاة للناس وهذه المهمة لا تستقيم للمرأة، لهذا قالت أم مريم وليس الذكر كالأنثى.

4_ يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم، لما علم أن الفُرس استخلفوا عليهم ابنة كسرى “لا يفلح قوم تملكهم امرأة “[1] انفرد أبو بكرة رضي الله عنه بهذا الحديث وقد روي عنه بعدة ألفاظ. ولا يفهم من أي منها أنه لا يجوز أن تتولى المرأة الحكم، وغاية ما في الحديث بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بزوال ملك كسرى. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا على كسرى أن يمزق الله ملكه كل ممزق وذلك بعدما سمع أنه مزق كتابه الذي أرسله إليه. وكان لا بد أن يقول النبي ذلك بعد أن لم يبق من أبناء كسرى سوى ابنته بعد أن قُتل هو وأبناؤه نتيجة لفساد داخلي. هكذا ينبغي أن يُفهم الحديث ولا يصح تحميله أكثر مما ينبغي.

ولا يمكن للنبي أن يصدر حكما عاما بعدم فلاح قوم يولون أمرهم امرأة لمجرد كونها امرأة لأن ذلك مخالف لما أورده القرآن بخصوص صلاحية المرأة للحكم ومثاله بقليس ملكة سبأ حيث أثنى على طريقة حكمها التي اعتمدت الشورى وأشركت القوم في الحكم. ثم إنه مخالف لمبدأ المساواة بين الجنسين في التكليف إلا ما اقتضته الطبيعة من اختلاف.

5_ يقولون إن طبيعة المرأة لا تحتمل أو لا تقدر على تحمل تبعات الحكم. وهذا غير مسلَّم كذلك. فبعض النساء لها القدرة الكافية للقيادة وتحمل تبعاتها كما هو الحال في بعض الرجال مما يسقط دعوى عدم القدرة. والتاريخ يشهد لذلك وما ضربه القرآن الكريم عن ملكة سبأ خير مثال.

6_ احتجوا بقوله تعالى لنساء النبي {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (الأحزاب، 33) قالوا إن الخطاب وإن كان خاصا بنساء النبي إلا أنه يشمل المسلمات جميعا.

وهذا تعميم في غير محله ولا يقبله عرف اللغة ولا القياس؛ فالخطاب موجه لنساء النبي خاصة؛ وقد جاء في الآية التي قبلها {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (الأحزاب، 32) كما أنهن مكلفات بذكر ما كان يتلى في بيوتهن من كتاب الله والحكمة[2]، فاقتضى أن يقرن في البيوت حتى يؤخذ العلم من مكان معلوم. ولأنهن أمهات المؤمنين والأم تُقصد في بيتها وفي ذلك مزيد إكرام لها.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

جمال نجم


[1] أخرجه البزار في “مسنده” (3647) ، والبيهقي في “الدلائل” 4/390 والترمذي (2262) ، والبزار (3649) ، والنسائي 8/227، والحاكم 3/118-119 و4/291

[2] بعد ان أمر الله تعالى نساء النبي بالقرار في بيوتهن جاء قوله تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (الأحزاب، 34)

التعليقات

  • أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، والذينَ علَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ إضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ علَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ، لا تَبَاغُضَ بيْنَهُمْ ولَا تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الحُورِ العِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِن ورَاءِ العَظْمِ واللَّحْمِ.
    هل هذا الحديث صحيح ام لا واذا كانت اول زمرة تشمل الجنسين كيف يكون للمراة زوجتين ارجو الاجابة وجزاكم الله كل خير

  • اخي المقصود بالتزوبج هو من الازواج وليس النكاح والمقصود بالحور العين هم الخدم للمؤمنين والمؤمنات سواء هذا مافهمته انا من خلال شرحهم لمعنى الحور العين من القرآن الكريم والله اعلم
    يمكنك البحث في هذا الموقع عن الحور العين وستجد الاحابة مفصلة إنشاء الله

    • جزاك الله خيراً أختي ليلي وعندى سؤال اخر هل معنى إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين فى سورة الواقعة موجه للجنسين ام للذكور فقط لان يوجد تفسير يقول ان معنى فجعلناهن أبكارا عربا أترابا تعنى النساء الشابات كيف يجعل الله نساء للنساء فى الجنه كيف والخطاب لاصحاب اليمين يعنى يشمل الذكر و الانثى ارجو الرد وجزاكم الله خيرا

    • الجواب: أنزل الله كتابه لهداية الناس وليخرجهم من الظلمات إلى النور، فالمؤمن يعمل جاهدا لتدبره وفهمه وتطبيقه والاستفادة مما حوى من العلم والمعرفة، ولا يصح أن يكون القرآن محلا للجدل العقيم أو أن يصرف عن هدفه لتثار حوله قضايا ما أنزل الله بها من سلطان، كمسالة هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق، فهذه المسألة وما يشبهها من المسائل هي مما انشغل به المسلمون قديما دون فائدة، ذلك أن الله تعالى لم يذكر لنا في كتابه هذه المسألة ولم يشر إليها ولم يرد منا أن نهتم بها، فيكون السؤال عنها كسؤال بني إسرائيل عن لون البقرة وعمرها وهيئتها.

      لقد ذم الله تعالى بني إسرائيل لما سألوا عن أشياء لم يطلب الله تعالى منهم معرفتها، وبين أن هدف مسألتهم هو تفريغ أوامر الله تعالى الأصلية من محتواها ولفت النظر عنها والانشغال بغيرها.

      لهذا يجدد بالمسلم الحق أن لا يشغل نفسه بمسائل لم تذكر في كتاب الله تعالى ولا تعود عليه بالنفع في الدين ولا في الدنيا، وأن يركز بدلا من ذلك على تطبيق أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه وأن يعمل على إقامة الدين في نفسه ومجتمعه، وأن يشهد بالحق وأن يقول للناس حسنى، وأن يعمل الأعمال النافعة المفيدة له ولعباد الله تعالى أجمعين.

      • السؤال: عن قول النبي ﷺ: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه نرجو أن تتفضلوا ببيان المقصود من قوله ﷺ: وأوتيت مثله معه؟

        • المثل هو الحكمة التي تضمنها الكتاب
          قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ ‌الْكِتَابَ ‌وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113]

    • غير المسلمين يعاملون بالحسنى كما يعامل المسلمون بعضهم بعضا، ولا يصح البغي عليهم لمجرد عدم إسلامهم، والمسلم مطالب بالتصرف الحسن مطلقا مع الناس جميعا لعموم قوله تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وفي تحريم الظلم والإعتداء عليهم يقول الرسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[6] وفي زيادة عند البيهقي وغيره (وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ)[7].
      ويصبح التكليف بالمعاملة الحسنة أكثر وجوبا إذا دخل غير المسلمين بلادنا . قال تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} (التوبة، 6) فدخوله بلاد المسلمين فرصة له للتعرف على الإسلام، فلا يحرم من ذلك بل يعان عليه، ولا يجوز التعرض له بالأذى والمضايقة فهو ضيف البلد المسلم ويعامل بموجب ذلك.

      • في القرآن الكريم: “قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي ألقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيم، إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، ألا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِين” [النمل 29 ـ 31]، “ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُون” [النمل 37]. في هذه الآيات الكريمات يبدو جَلِيًّا أن النبي سليمان عليه السلام يُخَيِّرُ سبأ بين الدخول في الإسلام أو الحرب القتالية، أفلا يعد هذا إكراهًا؟! أليست قضية الإيمان يجب أن تبنى على الاقتناع؟! هذا إشكال شديد لم أجد له حلًّا، فما رأيكم؟

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.