حبل الله
الروايات التي تخوض في علاقة النبي الكريم بأهل بيته

الروايات التي تخوض في علاقة النبي الكريم بأهل بيته

السؤال:

هل يصح عن رسول الله أنه جامع مارية القبطية على فراش زوجته صفيه في غيابها! فأنا أستبعد أن يصدر هذا الفعل من النبي! و كيف يبررون هذا الفعل بأن صفية كانت ( ملك يمين)، أليس هذا بزنا! و يقولون أن هذا استثناء للنبي! كيف لهذا أن يكون صحيحا؟ أيسمح الله لنبيه بالزنا تحت مسمى التسري و على فراش زوجته؟ كيف هذا ؟! فهناك شيوخ يدافعون عن هذا تحت مسمى أتحاسبون رسول الله ؟!

أردت فقط توضيح هذه المسألة، فأنا لا أصدق أن هذا فعل يصدر من النبي! و أنه حرم مارية عليه عندما عرفت صفية!؟

أرجو منكم الرد بالتفصيل لمواجهة هذه الشبهة، فالنبي على خلق عظيم! ما يحزنني هو تشجيع البعض على مثل هذا الفعل لأنه صدر من النبي بحسب قولهم! فكيف الدفاع عن هذا و كيف يصدر هذا من النبي أصلا ؟!

الجواب:

هذا السؤال ينقسم إلى شقين، شق يتعلق بشخص النبي الكريم كرجل، وشق يتعلق بأحكام ملك اليمين في كتاب الله تعالى.

  • الشق الأول فيما يتعلق بالروايات والأحاديث التي تقولت عن فراش النبي الكريم وخاضت في الحديث عن أزواجه بكلام لا يليق وسلوكيات لا تصدر من رجل قد رُبي على الآداب والخلق القويم فما بالنا بمن رباه رب العالمين: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ﴾ الضحى (6) ومعلمه الروح الأمين ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ﴾ النجم (5)

في الحقيقة فإن مثل هذه الأقاويل يجب أن لا يوليها المؤمن الحق اهتمامًا ولو بالسؤال عنها وقد أمرنا سبحانه: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ الإسراء (36)

وذلك لأن مجرد تصديقها أو حتى  سردها فيه إثم وتعرض صاحبها للعن في الدنيا والآخرة؛ لأنها تفتري الكذب على رسول الله وتؤذي سيرته العطرة النقية قَالَ تَعَالَىٰ:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ الأحزاب (57)

فالنبي الكريم لا تصدر منه أفعال الجاهلين ولا حديثهم، وهذه الأقاويل تخالف الآيات البينات التي تحدثت عن علاقة الفراش في كتاب الله تعالى والتي غُلفت بغلاف الأدب والعفة والحياء، ومن هنا لا ينبغي الخوض فيها بغير ما ذكرته الآيات امتثالًا لقوله تعالى:

﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الأنعام (68)

فالكلام عن النبي الكريم في هذا الشأن يعد من الخوض حتى لو قال البعض أنه كان يُعلم الصحابة فهذا عذر أقبح من الذنب إذ لم يأت النبي ليعلم الناس ما يعلمونه بالفطرة عن فراشهم بتلك الألفاظ النابية وذلك الأسلوب الركيك الذي يترفع عنه نبي أثنى عليه ربه بخلقه العظيم:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم (4)

فالهدف من افتراء مثل هذه الروايات واضح جلي ألا وهو الإساءة للنبي الكريم ومن ثم الطعن في الدين الذي بلغه.

أما بالنسبة للآيات الواردة في سورة التحريم التي تتحدث عن تحريم النبي على نفسه شيئًا من أجل إرضاء نسائه كما قال تَعَالَىٰ:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ التحريم (1)

وكذلك عن السر الذي أسره لبعضهن:

﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ، فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا، قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ التحريم (3)

فإن الآيات البينات لم تذكر لنا ما الذي حرمه النبي على نفسه ولا عن السر الذي أسره وأفشته زوجته، وبالتالي فليس لنا أن نتقول أو نتخيل أو ننسج قصصًا من عندنا حول الحادثة.

ولو كان في ذكرهما فائدة ما سكتت عنه الآيات، وعلينا أن نتعلم العبرة من ورائها ألا وهي:

  • عدم تحريم ما أحل الله تعالى من أجل أحد كزوج أو قريب، وأنه إذا حرم الإنسان على نفسه شيئًا فعليه أن يعود عنه، وإن ترافق التحريم مع اليمين فعليه كفارة اليمين ، ويبدو أن نبينا الكريم قد حلف يمينا لذا جاء في الآية الثانية من السورة نفسها:

{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ، وَاللَّهُ مَوْلَاكُم، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} التحريم (2)

وقد ورت تفصيل كفارة الأيمان[1] بقوله تَعَالَىٰ:

﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ‌فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ، وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ المائدة (89)

  • وكذلك تعليم الناس أن للبيوت أسرارًا يجب المحافظة عليها من كلا الزوجين قَالَ سُبْحَانَهُ و تَعَالَىٰ:

﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ البقرة (187)

  • أما بالنسبة للشق الثاني المتعلق بملك اليمين، فإن هذه المسألة من أكثر المسائل التي تم الافتراء فيها على الله تعالى وعلى رسوله الكريم، ومع الأسف الشديد فإن الكثير من المذاهب الفقهية والتفاسير قد تلقتها بالقبول محرفين الكلم عن مواضعه فأحلت للرجال بأن يأتوا ملك اليمين بغير عقد النكاح بدون حصر بعدد حتى لو كان متزوجا من حرة أو أكثر، وقد تناسوا أن الله تعالى قد حدد العلاقة بين الرجل والمرأة في كتابه بين نكاح أو سفاح وجعل للنكاح أحكامه من الصداق والنفقة والطلاق والعدة، وجعل للسفاح عقوبته وما يترتب عليه من عدم حل الزواج من كليهما قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ النّور (3)

ولكن المذاهب التي اعتمدت في أدلتها على الروايات المفتراة على الله تعالى وعلى رسوله قد تركت الحق المبين في كتابه تعالى.

وتناسوا أن أحكام ملك اليمين جاءت في كتاب الله تعالى معطوفة على النكاح وليس على السفاح، وذلك كما جاء قوله تعالى:

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾ النساء (3)

فإن حرف العطف (أو) كبقية حروف العطف يفيد الاشتراك في نفس الحكم ألا وهو (فَانْكِحُوا) ولكنه يفيد التخيير ما بين نكاح الحرة وبين نكاح ملك اليمين؛ ذلك لأنه لا يجوز للرجل أن يجمع بين حرة وملك يمين، وذلك بدليل قوله تَعَالَىٰ:

﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ النساء (25)

فنجده تعالى قد أحل لمن لا يملك القدرة المادية على نكاح الحرة أن ينكح من ملك اليمين، ووضع شروطًا للزواج منهن كإذن الأهل ودفع المهر وعدم التلاعب بهن، لأنه أمرهم بالإحصان ونهاهم عن السفاح.

وقد استثني النبي الكريم من تحريم الجمع بين الحرة وملك اليمين، إذ أحل الله تعالى له أن يجمع بينهن بأن تكون بعض نسائه من الحرائر وبعضهن من ملك اليمين حيث جاء حكم النكاح له بحرف العطف (و) الذي يدل على الجمع وليس التخيير كما جاء لغيره من الرجال؛ وذلك لحكمة بالغة من أن النبي الكريم لن يظلم زوجته من ملك اليمين لحساب الحرة قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الأحزاب (50)

ولو كانت ملك اليمين تحل بغير نكاح لما عطفت على أزواجه ولما عطفت على ملك اليمين بنات عمه وبنات عماته وغيرهن، فكل من ذكرتهن الآية الكريمة لا تحل بغير نكاح حتى وإن جاءت امرأة تهب نفسها للنبي فقد بيَّن تعالى حكمها في الآية الكريمة.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة المقالات التالية:

(هل كانت مارية القبطية زوجة لنبيِّنا الكريم أم سريَّة؟ وعلى ماذا استند الفقهاء في إباحة التسري بالجواري؟) https://www.hablullah.com/?p=6691

(استرقاق الأسرى واتخاذ الجواري)   https://www.hablullah.com/?p=2742

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله https://www.hablullah.com/

الباحثة: شيماء أبو زيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر فتوى (الحنث باليمين) https://www.hablullah.com/?p=2222

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.