حبل الله
هل كانت مارية القبطية زوجة لنبيِّنا الكريم أم سريَّة؟ وعلى ماذا استند الفقهاء في إباحة التسري بالجواري؟

هل كانت مارية القبطية زوجة لنبيِّنا الكريم أم سريَّة؟ وعلى ماذا استند الفقهاء في إباحة التسري بالجواري؟

السؤال: هل يعقل أن يكون إجماع الفقهاء على التسري باطلا؟.. والآية المكيه “والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين” .. كيف يفهم منها الصحابة أنها زواج من ملك اليمين وهي سورة مكية ولم تنزل بعد آيات سورة النساء المدنية التي تحث على الزواج.. يفهم من ذلك ربما التسري كان موجودا ثم نسخ بآيات “وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم”. وكذلك آية الطول وغيرها. ما تفسيركم وجزاكم الله خيرا؟…وهل التسري فحشاء؟ إن كان كذلك فكيف تسرى النبي بالسيدة مارية؟ ..وتسرى سيدنا إبراهيم قبله بالسيدة هاجر؟. وشكرا.

الجواب: إن العلاقة بين الرجل والمرأة تنحصر في كتاب الله تعالى في حالتين لا ثالث لهما، إما النكاح الذي أحله الله تعالى وحث عليه وإما السفاح الذي حرمه الله تعالى ونفر منه، وقد بين الله تعالى الأحكام المتعلقة بالنكاح وواجباته وكل ما يترتب عليه من الخطبة والمهر والسكن والنفقة حتى نهايته من طلاق وعدة ونفقة متعة ورضاع وغير ذلك.

والسفاح وهو علاقة الزنا كذلك له أحكامه من إقامة الحد وما يترتب عليه من عدم الزواج من الزاني أو الزانية إلا إن تابا وأصلحا.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:

أين علاقة التسري (كما يسميها الفقهاء) من هاتين الحالتين التي لم يرد ذكرها في كتاب الله لا من قريب أو من بعيد؟!

فتحت أي مسمى تندرج تلك العلاقة؟ تحت مسمى النكاح أم السفاح!!

فإن كانت تحت مسمى النكاح فأين ما يذكره الفقهاء من الأحكام المترتبة عليه (كالعدة التي حددوها بشهر أو بحيضة وإذا أنجبت الأمة تصبح أم ولد وغيرها من الأحكام) هل جاء لها ذكر في كتاب الله تعالى؟

وإن كانت تحت مسمى السفاح فهل يعقل أن يحلل الله تعالى الزنا والسفاح ثم يحرمه فيما بعد وينسخه؟!

وهو سبحانه الذي يؤكد على المؤمنين قوله:

﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (المائدة 5)

ومن هذا المنطلق فإن إجماع الناس على شيء ليس دليلًا على صحته، ولا يحلل الإجماع مهما بلغت كثرته ما حرمه اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ مصداقًا لقوله:

﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾  (المائدة 100)

فهؤلاء يتبعون الظن الذي يسيء إلى دين الله تعالى وإلى رسوله الكريم بالاستناد إلى روايات منسوبة زورا إلى رسولنا الكريم تحلل الحرام. يقول تعالى:

﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾  (الأنعام 116)

وإن أردنا أن نعرف حكم الأسير فقد حدده الله تعالى في كتابه بين خيارين لا ثالث لهما قَالَ جَلَّ في عُلاه:

﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ (محمد 4)

  • فالأول: هو المن، الذي يعني إطلاق سراحه دون مقابل
  • والثاني: الفداء، الذي يعني إطلاق سراح الأسير مقابل مال أو خدمة أو مبادلته بأسرى مسلمين

فمن أين جاء حكم اتخاذ ملك اليمين والتسري بهن بغير نكاح وكل الآيات الكريمة التي تتحدث عن علاقة الرجال بالنساء الحرائر وملك اليمين تتحدث عن النكاح؟ يقول الله تعالى:

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾ (النساء 3).

فحرف العطف (أو) يفيد التخيير في النكاح من ملك اليمين وهو حرف عطف يفيد الاشتراك في الحكم ولا يعني خروج ملك اليمين من حكم النكاح إلى السفاح. وعلى هذا يكون المعنى: “فانكحوا واحدة حرة أو انكحوا ما ملكت أيمانكم”. ومن زعم أن العامل في (ما ملكت أيمانكم) غير فعل (فَانْكِحُوا) فقد افترى على الله ورسوله.

وأما بالنسبة لقوله سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ: ﴿إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ (المؤمنون 6).

فهي لم تخير الرجل بين النكاح وبين السفاح. كما أن الآية لا تتحدث عن علاقة الرفث، وإنما عن ما يحل ظهوره من العورة.

والدليل على ذلك أن الآية تصف حال المؤمنين من الرجال والنساء ولا تخاطب الذكور منهم، فالآيات من بداية السورة إلى الآية المذكورة وما بعدها تخاطب جميع المؤمنين وذلك بدليل قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (المؤمنون 1).

ولو كان الأمر كما يقول الفقهاء على إتيان ملك اليمين بغير نكاح لكانت النساء داخلة في الوصف نفسه، وذلك بأن يحفظهن فروجهن إلا على أزواجهن أو ما ملكت أيمانهن.

فهل يصح للمرأة أن يكون لها ملك يمين يجوز لها معاشرتهم كما تفعل مع زوجها؟!

إذًا فإن لملك اليمين هنا معنى آخر غير ما دُس في تفسير كتاب الله وتُقوَّل على لسان رسوله الكريم من أنهن الجواري المتخذات للمتعة، فتعبير ملك اليمين يطلق على الذكر والأنثى على حد سواء.

وإذا قصد به الإناث فلا بد للسياق أن يدل عليه وذلك في حالتين:

  • إن كان الخطاب موجهًا للرجال خاصة كما جاء في قوله تعالى:

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾ (النساء 3)

وقد بينا أنهن معطوفات على معمول فعل النكاح.

  • وإن جاء الأمر مفصلًا بعدها كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ (النساء 25) والحكم هنا واضح في النكاح.

أما إن جاء تعبير ملك اليمين بدون تخصيص أو مخاطبة الرجال ففي هذه الحالة يطلق على الذكور والإناث كقوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ﴾ (النّور 58).

وقوله تعالى:

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًاۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (النساء 36).

وكذلك الآية موضع الشاهد:

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ (المعارج 30).

فهذه الآيات تتحدث عن جميع المؤمنين وليست موجهة للرجال ولم تخصص ملك اليمين بالفتيات.

فملك اليمين هنا يقصد بهم الأسرى الذين لم يتم فكاكهم بعدُ أو الخدم الذين يعملون تحت أيدي الإنسان كالعاملات أو العاملين الذين يساعدون في البيوت، ومن هؤلاء من يتخصصون في رعاية المرضى وأصحاب الحاجات الذين لا يستطيعون القيام بنظافة أنفسهم أو تبديل ملابسهم فأباح الله تعالى للمؤمنين إظهار ما خفي من العورات أمامهم.

وأما بالنسبة لمسألة أم المؤمنين السيدة مارية القبطية فلم يتخذها النبي سرية كما يزعمون، بل كانت زوجة له بدليل عطفها على النساء اللاتي يحل للنبي التزوج منهن ثم عطف عليهن بنات أعمامه وأخواله في قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾  (الأحزاب 50).

ولو خرجت ملك اليمن من العطف على النكاح لخرجت منه بقية النساء اللائي ذكرن بعدها من بنات الأعمام والأخوال لأنهن معطوفات على ملك اليمين، حيث حللت جميع المذكورات بالزواج  المذكور في بداية الآية الكريمة: “أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ”.

وقوله تعالى “إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا”، يوضح بجلاء أنه لا تحل له أيا من المذكورات إلا بالنكاح. وهكذا يسقط زعم التسري الذي نسب افتراء إلا الله ورسوله.

فما خُص به النبي الكريم هو الجمع في النكاح من ملك اليمين والحرائر معًا، ولذلك جاء العطف بينهن بحرف الواو الذي يفيد الجمع، وخص كذلك بالجمع بين أكثر من أربع زوجات وبعدم نكاح أزواجه من بعده أبدًا.

وهذا ليس لجميع المؤمنين إذ لا يحل للرجال أن يجمعوا بين الحرة وملك اليمين كما دلت عليه الآيتان في سورة النساء، ففي الآية (3) جاء العطف بينهن بحرف (أو) الذي يفيد التخيير وفي الآية (25) اشترط جواز النكاح من ملك اليمين بعدم القدرة على الزواج من الحرائر المحصنات.

وبالطبع فإن الأمر نفسه ينطبق على خليل الرحمن إبراهيم، وكيف يكون الأمر بغير نكاح وقد أمر الله تعالى نبينا الكريم والمؤمنين من بعده باتباع ملته قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران 95)

وحذر من يخالفها:

﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَاۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ البقرة (130).

فالسفاح والزنا محرمان من لدن أبينا آدم إلى خاتم النبيين، وتحريم الكبائر والفواحش لم ولن يتغير إلى قيام الساعة، ومن قال بغير ذلك فقد افترى على الله تعالى وعلى رسوله الكذب قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف 28).

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (استرقاق الأسرى واتخاذ الجواري) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=2742

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.