حبل الله
الفرق بين الفاسق والكافر

الفرق بين الفاسق والكافر

السؤال:

هل من يذنب تعمدا وبشكل مستمر كبائع الخمر يعد كافرا؟ قال الله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). قال البعض إنهم فساق، ولكن ما هو الفرق بين الفاسق والكافر؟ من فعل الشر تعمدا وبشكل مستمر فلا تهمه أحكام الله تعالى.

الجواب:

بيّن لنا الله تعالى في كتابه من هو الفاسق بذكر صفاته وأفعاله في أكثر من موضع

ومن ذلك:

مخالف العهد، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ البقرة (26: 27).

والمنافق كما قال تعالى:

﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ، نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ التوبة (67)

ومن تناسى أوامر الله تعالى:

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ الحشر (19)

وهناك بعض المحرمات التي تجعل فاعلها فاسقًا، كما في قوله تعالى:

﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ، ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ﴾ المائدة (3)

﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ الأنعام (121)

فيتضح من الآيات أن الفسق يعني الخروج عما كان عليه الإنسان من طاعة أوامر الله تعالى دون أن يبادر بالتوبة أو الشعور بالندم، وهي المرحلة التي تسبق الكفر، وكان إبليس قد فسق أولا، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعلا:

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ الكهف (50)

وعندما فسق وأصر انتهى الأمر به إلى الكفر:

﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ ص (74)

فالفسق ليس مجرد معصية قد تقع عن خطأ أو نسيان وإنما عن قصد واستكبار، وهي المرحلة التي تسبق الكفر كما ذكرنا.

لكن المعصية التي تصدر من الإنسان نتيجة ضعفه وتقصيره لا تسمى فسقا، بل تسمى عصيانا، وهذا هو الفرق بين معصية إبليس التي كانت فسقا وبين معصية أبينا آدم ﷺ عندما عصى ربه، لكنه ما أن فعل المعصية حتى تذكر وتاب هو وزوجه:

﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الأعراف (23)

فتقبل الله تعالى توبته:

﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾ طه (122)

ولذلك وُصف أبونا آدم ﷺ بأنه عصى وغوى:

﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ﴾ طه (121)

أما إبليس فوصف بالفسق:

﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾

ثم تكرر الفسق على مر الزمان من أتباع الشيطان من المنافقين والظالمين والمستكبرين، فكل من استكبر عن أمر ربه وحكمه في كتبه يُعد فاسقًا:

﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ المائدة (47)

وإذا أصر على فسقه ومات عليه فهو من الكافرين قَالَ تَعَالَىٰ:

﴿إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ التوبة (84)

أما بالنسبة لبائع الخمر فهو بين أمرين، إن باعه وهو يُقر بحرمته ويشعر بالخزي لمخالفته أمر ربه يُعد عاصيًا لا فاسقا، وعليه أن يتوب إلى ربه سبحانه ويبحث عن عمل آخر، قَالَ الله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الأعراف (153)

وإن صدق العزم والسعي فإنه تعالى وعده بالإجابة بقوله:

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ الطلاق (2: 3).

أما إن باعه منكرًا أمر ربه مستكبرًا عنه فهو فاسق، وبإصراره يصبح كافرا:

﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ البقرة (99).

ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه كما يقبل توبة العاصي فهو سبحانه يقبل توبة الفاسق والكافر إذا تابا وأصلحا مصداقًا لقوله تعالى:

﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ آل عمران (89)

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.