حبل الله
سبب هلاك قوم لوط، وحكم مشاهدة المرئيات التي تروج للشذوذ والمثلية من باب التسلية مع وجود الإنكار القلبي

سبب هلاك قوم لوط، وحكم مشاهدة المرئيات التي تروج للشذوذ والمثلية من باب التسلية مع وجود الإنكار القلبي

السؤال:

أعرف حكم اللواط والسحاق، وبأنه محرم تبعا لما جاء في القرآن الكريم عن فاحشة قوم لوط عليه السلام ، لكني مقتنعة تمام الاقتناع بأن سبب هلاكهم كان كفرهم وطغيانهم وما أرادوا القيام به تجاه الملائكة ، لذلك أهلكهم الله ، وطبعا لكثرة فواحشهم ، وما يجعلني أصدق الأمر أكثر أن الله عز وجل أهلك جميع الأقوام التي لم تؤمن، فلماذا دائما نربط سبب هلاك قوم لوط بالمثلية، على الرغم من أنهم كانوا مجرد قطاع طرق مغتصبين ، كما أن القرآن لم يتطرق إلى مسألة السحاق فكيف جزمنا بأن هلاك قوم لوط كان بسببها ؟ عموما هذا ليس ما يشغل بالي أكثر من اختلاف مع صديقة لي ، نحن نلعب لعبة إلكترونية تحتوي الكثير من الشخصيات الذكور، ويمكنني القول أن كلتانا ترى بعض الشخصيات كأزواج أو كما باللغة الإنجليزية  she ships them  ، ولأكون صريحة كنت أفكر دوما أن هذا الأمر لا يجوز لكني تساهلت بعد كلام بعض صديقاتي أنهم مجرد شخصيات خيالية، والذي نحاسب عليه هو دعم البشر لهذه الفاحشة خصوصا ما نقوم به ليس سوى النظر إليهم على هذا النحو، وقد اقتنعت بالفعل لكن صديقتي تلك أخبرتني أنها تحاول التوقف عن الأمر لأن هناك من هلك من قوم لوط من المؤمنين بسبب رضاهم بوجود المثليين حولهم، وأنا لا أصدق روايتها إطلاقا ، فسؤالي هل ما نفعله هذا من منكرات قوم لوط؟ وقد قرأت من قبل أنه يجوز القراءة عن آلهة الأقوام الغابرة اذا كنا نملك الإنكار القلبي ونؤمن كل الإيمان بالله عز وجل ووحدانيته، فلماذا لا ينطبق الأمر على ما نفعله أيضا؟ وهل يجوز نشر memes  قد تحتوي على أعلام المثلية؟ وهذا فقط من باب المزاح ولا أرى فيها شيئا عظيما فكل من يراها يعلم بحكمها فهي لن تضره ولن تنفعه …. أفيدوني جزاكم الله خيرا

الجواب:

بداية ينبغي التنويه إلى أمر غاية في الأهمية ألا وهو قولنا (اللواط والسحاق) فهاتان الكلمتان فيهما من الإساءة الكبيرة لاسم النبيين الكريمين، فقد تأثرت اللغة ببعض التعبيرات التراثية التي تجازوت حدود الأدب مع الأنبياء حين جعلت من اسم النبي لوط ﷺ علما على الفاحشة (بين الذكور)[1] وهو الطاهر الكريم:

﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ الأعراف (82)

أما عن تسمية الفاحشة بين النساء بــ (السحاق) فلم يُعرف هل لها علاقة باسم النبي الكريم إسحاق ﷺ أم لا؟ ولم يُعرف سبب التسمية ومن أين جاءت؟ ويرى ابن منظور بأنه لفظ مولد. وربما جاء من السحق والدلك.

ومن هنا فعلينا التحفظ في استخدام الكلمتين والاستعاضة عنهما بالشذوذ أو المثلية أو كما أسماها رب العالمين بالفاحشة بين الذكران:

﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ النّمل (54) ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء (165).

أما بالنسبة لمسألة الفاحشة بين النساء فلم يتركها القرآن كما يظن البعض ذلك، لأنه سبحانه قال عن كتابه:

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ النحل (89)

فقد ذكرت تلك الفاحشة كما ذُكر عقابها في قوله تعالى:

﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ، فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ النساء (15)

فقوله (واللاتي) اسم موصول خاص بالإناث ولا يطلق على الذكور بأي حال من الأحوال ويؤيده قوله بعدها (من نسائكم) فجزاء من يفعلن تلك الفاحشة ألا تخرج من بيتها إلا إذا تابت إلى ربها أو توفاها الله تعالى وعليه حسابها.

كما ذكر لنا القرآن في الآية التالية مباشرة جزاء الفاحشة بين الذكور في قوله تعالى:

﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا، فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النساء (16)

وهو الإيذاء البدني والنفسي من كالجلد أو الحبس أو  المقاطعة لزمن معين  كما يرى الحاكم مما يردع مثل تلك الانحرافات.

سبب هلاك قوم لوط عليه السلام

وأما هلاك قوم النبي لوط ﷺ فكان سببه التكذيب:

﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ الشعراء (160)

وقد كذب هؤلاء القوم برسالة الله بالجملة واستكبروا عن أمر ربهم وتحدوا عظمته كما رفضوا دعوة نبيهم لترك الفاحشة بل تجاهروا بها وقطعوا الطريق.

وسبب شهرتهم بتلك الفاحشة أنهم كانوا السابقين لها حيث لم يفعلها أحد من الأمم قبلهم لذلك ارتبطت بهم وطغت على كل أفعالهم وبدأ بها سبحانه وتعالى ونبيه لوط في توجيه اللوم إليهم:

﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ، فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ العنكبوت (28_ 29)

وهذه الفواحش والمنكرات كانت تتم بشكل جماعي وعلني وبتأييد من جملة القوم دون استنكار من أحدهم؛ فكان منهم الفاعل الظالم ومنهم من تقبل ذلك، بدليل أنه عندما جاءهم العذاب لم يكن هناك من يستحق النجاة سوى النبي وأهل بيته:

﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ الذاريات (36)

وبالطبع كان هذا البيت هو بيت النبي وبناته الكرام.

أما إن كانت تلك الانحرافات والفواحش كما نسميها الآن بــ (المثلية) تتم بشكل فردي وسري لا يدعو إلى المجاهرة بالسوء والدعوة إلى ارتكاب الفواحش وفتنة الناس عن دينهم فقد بين الله تعالى جزاءها وهو الحبس في البيوت للنساء والإيذاء للرجال كما ذكرنا آنفا.

ولكن إذا أيدها الناس بأي شكل من الأشكال سواء أكان بالترويج لها عن طريق استخدام شعارهم أو ألعابهم ومشاهدتها أو تحت شعار الحرية وحق الإنسان في أن يمارس حياته كما يريد، أو الشراء من المتاجر التي تؤيد مرتكبي تلك الفواحش أو حتى السكوت عنها وعدم الاعتراض خوفًا على مصلحة ما أو تجنب المشكلات فهؤلاء توعدهم ربهم بقوله:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النّور (19)

ذلك لأن انخراط مثل هؤلاء في المجتمع يؤدي إلى فساده واستحقاقه العذاب. قَالَ تَعَالَىٰ:

﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الأنفال (25)

والأمر هنا يختلف عن القراءة عن الآلهة أو عن أصحاب الملل والنحل الأخرى، ذلك أن هناك فرقا كبيرا بين طلب المعرفة عن الشيء وبين الترويج له ولو من باب المزاح أو الخيال الذي يقدم الفواحش في إطار من اللعب والمرح قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ التوبة (65)

إن المؤيد لها ولو بصمته عنها مشترك في الإثم ويستحق اللعنة كما لعن الذين كفروا من بني إسرائيل لأنهم:

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ المائدة (79).

فكيف بمن يتخذ من أعمالهم المرئية أو المسموعة أو المكتوبة مجالا للتسلية وملء الفراغ؟ ومن قال أن الإنسان لا يتأثر بما يشاهده ويتابعه لا سيما إن كثر اطلاعه عليه، أليست المعصية تبدأ باليسير وتنتهي بالكبير غالبا؟ وهل يمكن تصور الإنكار القلبي مع رغبة المشاهدة للتسلية؟!.

لذلك فإنه ينبغي على المؤمن الحق أن ينأى بنفسه عن تلك الفواحش وأن يتجنبها جميعها لو بالمزاح أو الخيال ليكون من عباد الرحمن الموصوفين بقوله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ الفرقان (72)

وأن ينهى عنها قدر استطاعته ليستحق أن يوصف بأنه من خير الأمم التي تدعوا إلى الفضيلة وتنهى عن الرذيلة:

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ آل عمران (110).

كما ينبغي للمسلم أن يلتزم الحق في كل أمره وأن يلتزم الصالحين ومجالسهم كما في وصية الله تعالى:

﴿‌وَاصْبِرْ ‌نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الكهف (28)

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

ـــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر شيماء أبو زيد (نبيُّ الله لوط عليه السَّلام) https://www.hablullah.com/?p=5065

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.