حبل الله
حرق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة

حرق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة

السؤال: يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(لقد هممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس ثم آمر رجلا فيحطب حطبا ثم أخالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفس محمد بيده , لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها )

في هذا الحديث وعيد شديد جدا لمن يتخلف عن الصلاة في مسجد المسلمين دون عذر شرعي أنه يستحق أن يحرق بالنار في الدنيا قبل الآخرة، فهل الحديث صحيح أم ضعيف؟ أرجو الرد وجزاكم الله خيرا.

الجواب:

وردت هذه الرواية في كتب الصحاح والسنن بألفاظ متقاربة، وهي في صحيح البخاري كما يلي:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ، فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، ‌فَأُحَرِّقَ ‌عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ، أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ»[1]

وهذا الحديث بالرغم من وروده في كتب الصحاح والسنن إلا أنه مخالف للقرآن الكريم جملة وتفصيلا، فلا يؤخذ به، ولا يصح تنفيذ ما فيه ولا التهديد به ولا روايته إلا للتحذير منه، لأن النبي بُعث رحمة للعالمين وليس محرِّقا لهم ولا مهدِّدا بذلك، يقول الله تعالى لنبيه الكريم:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا ‌رَحْمَةً ‌لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]

فكل رواية تخالف مقتضى الرحمة التي بعث بها خاتم النبيين فهي رد؛ لأنها تسيء إلى مقام النبوة وتهدم أهم ركن قامت عليه وهو الرحمة والرفة بالناس. يقول الله تعالى:

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ‌عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: 128-129]

ثم يقول مادحا منهجه في دعوة قومه:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا ‌غَلِيظَ ‌الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]

والحديث عن حرق من لا يحضر صلاة الجماعة هو عين فظاظة القلب التي نفى القرآن أن يكون نبينا الكريم قد اتصف بها.

ثم إن نبينا كان مأمورا بالدعوة بالتي هي أحسن:

﴿ادْعُ إِلَى ‌سَبِيلِ ‌رَبِّكَ ‌بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125]

أما الحرق وكذا التهديد به فهو أسلوب المجرمين كأصحاب الأخدود وأمثالهم:

﴿قُتِلَ أَصْحَابُ ‌الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ [البروج: 4-5]

فالرواية أعلاه لا تتفق مع صفات نبينا وأسلوب دعوته كما بينته الآيات أعلاه، لذلك نرى أن متن الرواية غير مقبول البتة بالرغم من حكم كثير من المحدثين على السند بأنه صحيح.

*للتفريق بين الرواية الصحيحة والمكذوبة ننصح بقراءة مقالة (متى تكون الرواية عن النبي حجة ملزمة) على هذا الرابط https://www.hablullah.com/?p=5191

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  صحيح البخاري (1/ 131 ط السلطانية) الحديث رقم 644

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.