حبل الله
السن الأمثل للزواج وتأخير الزواج بهدف إكمال التعليم

السن الأمثل للزواج وتأخير الزواج بهدف إكمال التعليم

السؤال: ما هو العمر الأمثل (تقريباً) للزواج؟ مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الجسدية (اكتمال النمو)، والقدرة على تحمل مسؤوليات الزواج. وإذا كان الشخص، تحديداً الفتاة، تريد أن تكمل تعليمها فهل تستطيع حقاً أن تتحمل أعباء الولادة والاهتمام بالأطفال؟ أليس الأوّلى أن تنهي تعليمها الجامعي (ما قبل مرحلة الماجستير) كي تتمكن من أن تعتني بأطفالها وأن تربيهم على أكمل وجه؟ (خاصةً أنها تجربتها الأولى). حيث أنه كلما سُئِلَ عن موضوع الزواج في عمر مبكر(عند البلوغ) يكون الجواب إيجابياً لا بل مستحباً بحجة “حفظ الفروج”. أليس النظر إلى المدى البعيد و الأخذ بعين الاعتبار تأثير الزواج المبكر على المجتمع أولى؟ جزاكم الله خيراً.

الجواب: مما لا شك فيه أن الزواج هو سنة الله تعالى في خلقه وآية من آياته، وهو مهم للحفاظ على الفروج من الانحدار نحو الرذيلة، لأن فيه السكن والقرار وتلبية الحاجة الفطرية لكلا الزوجين. قَالَ الله تعالى:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرّوم 21)

ومسألة تحديد سن الزواج أو متى يمكن للإنسان أن يتزوج فهو أمر تركه الله تعالى لعباده، فلم يأت في كتاب الله تحديدًا لعمر الرجل أو المرأة، ولكنه تعالى قد وضع شروطًا علينا اتباعها إذا أردنا حياة زوجية مستقرة تقوم على أسس سليمة.

فعلى سبيل المثال فإن الرجل لا يستطيع الزواج إلا إن كان قادرًا ماديًا على إعداد بيت الزوجية والإنفاق على زوجته وأسرته بالإضافة إلى بلوغه ورشده. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾  (النساء 34)

وإن كانت القدرة المادية هي نقطة هامة في الزواج لكنها ليست وحدها المعتبرة فيه، فهناك الرشد الذي لا يخص الرجل فقط بل يشمل المرأة كذلك إذ يقع عليها عبء تربية الأبناء وتنشئتهم بمشاركة زوجها. كما أن رشد الزوجة ضروري أيضا لأنها ستكون مخولة بتملك المهر ومستأمنة على مال زوجها بالمحافظة عليه والتصرف فيه على الوجه الأمثل. فإن لم يكن أحد الزوجين راشدا فلا يصح أن يكون طرفا في النكاح ذلك أن الله تعالى قال:

﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ‌أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ (النساء 5)

والرشد لا يعني مجرد البلوغ كما يظن الكثير، فقد قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (النساء 6)

فقد أمر سبحانه باختبار اليتيم الذي بلغ النكاح قبل أن يُسلم إليه ماله، أي أن بلوغه النكاح لم يكن كافيا لإثبات كفاءته لاستلام المال بل اشترط استئناس الرشد منه، لأن الرشد قد يتأخر كثيرا عن البلوغ. وإن كان هذا الشرط معتبرًا في تسليم المال لصاحبه فمن باب أولى أن يُختبر الشاب أو الفتاة في قدرتهم على تحمل مسؤولية بناء الأسرة التي هي أساس المجتمع، ذلك أن مسألة اختيار الشريك تقع في المرتبة الأولى على الشريكين أنفسهما، ومن هنا كان الرشد أمرا غاية في الأهمية.

لما توجه كليم الله موسى تلقاء مدين هاربا من فرعون وسقى للفتاتين غنمهما، أرسل إليه أبوهما وعرض عليه أن يزوجه بإحدى ابنتيه بالرغم من أن موسى لم يكن ذا مال حينئذ، لكن أبا الفتاتين لمس فيه صلاحه ورشده كما أوردته الآية التالية:

﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَۚ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾  (القصص 27)

بالرغم من وضوح آيات الكتاب التي تشترط الرشد لصحة النكاح إلا أن عامة المذاهب الفقهية لم تر هذا الشرط من أساسه، حتى إنها لم تر شرط البلوغ أيضا فأباحوا حتى نكاح الأطفال الصغار[1] وافتروه على الله تعالى وعلى رسوله الكريم بتحريف بعض النصوص[2] وتناسوا أن الزواج قد سمَّاه سبحانه بالميثاق الغليظ بقوله تعالى:

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾  (النساء 21) فكيف للصغيرات أن يدركن معنى الميثاق؟!

ومن هنا فإن مسألة تحديد سن الزواج هو أمر متروك للإنسان نفسه، فإن رأى في نفسه القدرة عليه والاستعداد له كما أراده الله تعالى فبه ونعم، وإلا فلينتظر وقته المناسب ما دام قادرًا على حماية نفسه من الوقوع في المعصية[3].

أما بالنسبة لتساؤلك هل الأولى إكمال الدراسة الجامعية أم الزواج، فهذا مما يقع في تقدير كل شخص بعينه. لقد وضع كتاب الله شرطين لصحة النكاح وهما البلوغ والرشد، وترك الأمور الأخرى لتقدير كل شخص وحالته وقدرته، ومعلوم أن قدرات البشر متفاوتة، فقد تستطيع فتاة أن تتزوج وتتحمل عبء الزواج والحمل وتربية الأطفال أثناء دراستها، وقد لا تستطيع أخرى، ولا شك أن الإسلام حض على طلب العلم كما رغب في النكاح كمطلب فطري، ويقع على كل فرد أن يقدم ما كان أحوج إليه وأنفع له.

ويجدر التنويه إلى أن الزواج لا يمنع أن يسعى الإنسان في طلب العلم لا سيما أنه لا يقتصر على الالتزام بالدراسة الجامعية.

وعلى الفتاة التي ترغب بتأخير الزواج بهدف إكمال تعليمها أن تأخذ بعين الاعتبار أنها قد تتعرض لمشكلات في الحمل والإنجاب لا سيما إن أكملت تعليمها العالي. وقد تتزوج الفتاة من زوج يكون عونًا لها لإكمال مسيرتها التعليمية وبهذا تكون قد نالت الفضلين.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (زواج الصغار) على هذا الرابط  https://www.hablullah.com/?p=2897

[2]  انظر مقالة (واللائي لم يحضن، والتحريف المقصود) على هذا الرابط  https://www.hablullah.com/?p=6053

[3]  انظر الفتوى (النكاح المبكر وسنّ القوانين لمنعه قبل الرشد) على هذا الرابط  https://www.hablullah.com/?p=2780

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.