السؤال: أنا موظفة وأتقاضى معاشا جيَّدا، وكذلك زوجي حالته الماديَّة جيدة، وزوجي يريد التَّضحية في هذا العام، فهل تكفي أضحية زوجي لي ولأفراد العائلة، أم يجب عليَّ أن أُضحِّي لنفسي بسبب كوني قادرة على شراء أضحية أخرى؟
الجواب: المتتبع لأقوال الفقهاء كما وردت في مصادرهم الفقهيَّة يجدهم مختلفين في حكمها إلى فريقين، وكلا الفريقين لم يأخذ بآيات الكتاب دليلا على ما ذهب إليه:
الفريق الأول: يرى الحنفيَّة أنَّ الأضحية واجبة عينا على كلِّ قادرٍ عليها، “ويستدلون بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «من وجد سعة ولم يضحِّ فلا يقربن مصلّانا» أخرجه ابن ماجه. قال ابن الجوزي: ومما يدلُّ على الوجوب حديثٌ أخرجه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب عن أبي بردة بن يسار «قال: يا رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إن عندي جذعة؟ قال: “اذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك»، ومثل هذا لا يستعمل إلا في الواجب. وأخرج الدارقطني عن علي عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نسخَ الأضحى كلَّ ذبحٍ، ورمضانُ كلَّ صوم» وقال البيهقي: إسناده ضعيف بمرة، والمسيب بن شريك متروك”[1].
وبحسب هذا الرَّأي فأنتِ ملزمةٌ بالتَّضحية.
الفريق الثاني: ذهب جمهور الفقهاء من المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة أنَّ الأضحية سنَّة (مندوبة)، ولو قام بها الرَّجل فإنَّها تشمله ومَن يعيشون معه في نفس البيت. وقد احتجوا بما روي عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضحِّي بكبشين. قال أنس: وأنا أضحي بهما، وليست بواجبة؛ لما روي أنَّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيَّان مخافة أن يُرى ذلك واجباً[2].
وبحسب هذا الرأي فأنتِ لست ملزمةً بالتَّضحية، وتكفي أضحيةُ زوجك لكِ ولأفراد العائلة الآخرين الذين يعيشون معكم في نفس البيت.
كما يظهر فإنَّ كلا الفريقين لم يأخذ بالقرآن دليلا على حكم الأضحية. والحقُّ أنَّ الأضحية فرضُ كفاية على الأمَّة، إن قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، نفهم هذا من بيان القرآن الكريم لحكمها:
من سورة الحجِّ:
يقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحج، 34).
يُفهم من هذه الآية أن الأضحية واجبة على مجموع الأمَّة (فرض كفاية) وليس على كلِّ فردٍ بعينه، لأن النسك متعلق بالأمة لا بالفرد.
ويقول تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج، 27_28)
هذه الآية تُبيِّن أنَّ ما يُنحر هو الأنعام لا غير، ويكون ذلك في الأيام المعدودات، وهي أيام عيد الأضحى، ثمَّ بيَّنت وجوب التَّسمية والتَّكبير عند الذَّبح.
ولم يأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم كلَّ مسلم بالأضحية؛ لأنَّها فرض كفاية لا فرض عين كما ذكرنا، وقد وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يُضحِّي عن نفسه وأهل بيته وعمّن لم يضحِّ من أمته باعتبارها فرض كفاية.
فعن جابر بن عبد الله، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلَّى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبحه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: “بسم الله والله أكبر، هذا عنِّي، وعمَّن لم يضحِّ من أمَّتي”[3]
وهكذا كانت أفعال النَّبي صلى الله عليه وسلم وأقواله بخصوص الأضحية تطبيقا لحكم الكتاب كما في كلِّ مسألة.
ولو قرأ الفقهاء الأحاديث على ضَوء الآيات لما قالت الحنفيَّة أنَّ الأُضحيةَ واجبةٌ عيناً، ولما قال الجمهور بأنَّها سنَّة، بل لتبيَّن لهم أنَّها فرض كفاية، ولتبيَّن لهم أنَّ أفعال النَّبيِّ وأقوالَه بهذا الخصوص تمثِّل الصُّورة العمليَّة لحكم القرآن في المسألة[4].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر البناية شرح الهداية المؤلف، بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ) 12/6_7
[2] المهذب في فقة الإمام الشافعي، أبو اسحاق الشيرازي (المتوفى: 476هـ) 1/432
[3] أخرجه أحمد (14895) (14837) وأخرجه أبو داود (2810)، والترمذي (1521) وهو حديث صحيح وله طرق وألفاظ كثيرة بنفس المعنى
[4] انظر مقالة جمال نجم (مَقولة “القرآن حمَّالُ أوجه” وتأثيرها على الأحكام الفقهية، الأضحية كمثال) على هذا الرابط http://www.hablullah.com/?p=2636