السؤال: بحسب الآيتين (البقرة 177 والنساء 136) فإن أركان الإيمان خمسة، لكن المشهور في ثقافة المسلمين أنَّها ستة، الخمسة المذكورة في الآيتين بالإضافة للقدر غير المذكور فيهما، أرجو بيان معنى القدر وهل يصح القول أنَّ الإيمان به من أركان الإيمان؟
الجواب: كلمة القدر تدُلُّ عَلَى مَبْلَغِ الشَّيْءِ وَكُنْهِه وَنِهايَته[1]. وقد خلَّق الله كلَّ شيء وبين مقاييسه ومقاديره. يقول الله تعالى:
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ (القمر 54/ 49) ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ (الفرقان، 25/2). ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ (الأحزاب، 33/38). ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق، 65/3). ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ (عبس، 80/19).
فالقدر هو تلك المقاييس والمقادير التي وضعها الله تعالى لكلِّ شيء، وهو سبحانه يثيب أو يعذِّب بناء على هذه المقادير. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (الأنعام، 6/39).
وقد وضع الله المقادير، وأمر أن تُراعى، ولم يجبر أحدا عليها. ووعد بأن يفتح الطّريق لمن عمل صالحا ويسهل له عمله، وهذا إكرام من الله تعالى. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى. فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ (الليل، 92/4-7).
وكما أنه سبحانه يُسهِّل طرق الهداية لمن سلك سبيلها، فإنَّه كذلك يشقُّ على الذين أعرضوا عنها. وهذا لطف من الله تعالى يمتحن به من يشاء ليهتدي. قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى.فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ (الليل، 92/8-10).
وما نراه في حياتنا اليوميَّة ما هو إلا ترجمة عمليَّة لما ورد في الآيات؛ فما من أحدٍ يطرق الهداية إلا ويجد المعونة والتَّوفيق، وما من أحد يتنكّب عن الحقِّ ويعرض عنه إلا زاد ضلالا وانحرافا.
نعرف أركان الإيمان من الآيتين التاليتين:
﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ (البقرة 2/ 177)
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ (النساء 4/ 136)
يظهر من خلال الآيتين أنَّ أركان الإيمان هي؛ الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. لكنْ لم يرد فيهما أو في آياتٍ أخرى الإيمانُ بالقدر.
الدَّليل المعتمد في الإيمان بالقدر عند عموم النَّاس هو حديث جبريل المشهور لـمَّا أتى النَّبيَّ وسأله عن الإيمان، فأجابه: بأنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وقد جاء في صحيح مسلم التَّعبير التَّالي:
“وتؤمن بالقدر خيره وشره”
من المعلوم لكلِّ إنسان أنَّ الله تعالى هو الذي يحدِّدُ قدرَ / مقياسَ كلِّ شيء، وبالطبع فإنَّه قد حدَّد مقاديرَ / مقاييسَ الخير والشَّرِّ على حدٍّ سواء، ومَن لا يؤمن بهذا فلا يمكن أن يكون مسلما. كما حدَّد الله تعالى مقاييس الجزاء لمن فعل الخير أو الشَّرَّ ، فقال سبحانه:
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ، وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ، أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾ (يونس 10/ 26- 27)
كما يُرى، لم يكن لحديث جبريل أيُّ معنى سوى الاعتقاد بأنَّ لكلٍّ من الخير والشَّرِّ مقادير/ مقاييس يقعان بناء عليها. فلا يمكن أن يكون هذا الحديث دليلا للقدريِّين الذين يعرِّفون القدر بأنَّه علم الله المسبق بأفعال العباد. وينبغي التَّنويه أنَّه وردت رواياتٌ لحديث جبريل لم تردْ فيها عبارةُ الإيمان بالقدر.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (معركة بدر والقدر) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=5206
[1] المفردات، مادة قدر