حبل الله
تفصيلُ مجمل القرآن

تفصيلُ مجمل القرآن

السؤال: ما دور السنَّة في بيان مجمل القرآن كالصَّلاة وآيات الرِّبا والزَّكاة؟

الجواب: تفصيلُ مجمل القرآن موجودٌ في القرآن ذاتِه، كما بيَّنه قولُه تعالى:

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} (الأنعام، 114)

وقد تكون الآيةُ المجملَةُ في سورة، والآيةُ المفصِّلة في سورة أخرى، وتُعرف المفصِّلة من خلال التَّشابه بينها وبين المجملَة، كاتحاد الموضوع، كما أشار إليه قوله تعالى:

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} (هود 1-2)

هذه الآية تُبيِّن بشكل جليٍّ أنَّ الذي أحكم الآيات وفصَّلها هو الله تعالى وليس غيرُه، والعلَّة أنْ لا يُعبَد أحدٌ غيره، لأنَّه لو كان من حقِّ أحدٍ غيرِه تفصيلُ الآيات لكان شريكا لله في كتابه، وقد يؤدِّي ذلك أنْ يُعْبَدَ هذا المفصِّل من دون الله تعالى. ثمَّ تُبيِّن الآيةُ أنَّ وظيفة النَّبيِّ هي التَّبشير والإنذار بالكتاب، وليس تفصيلُه من تلقاء نفسه.

كلُّ ما ذكرتَه في سؤالك (الصلاة والزكاة والربا) أورده القرآن مفصَّلا، لكنَّه يحتاج لقراءة الآيات بحسب الأصول التي بيَّنها الله في كتابه، ومن هذه الأصول ردُّ المتشابه إلى المحكم[1]، وملاحظة المناسبات بين الآيات[2]، ومراعاة قواعد اللغة العربية[3]، وهو منهج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في فهم الكتاب واستخراج الحكمة منه. لذا كان النَّظر في تطبيقاته صلَّى الله عليه وسلم ضروريَّا لاستجلاء صورة تطبيق الحكم باعتباره القدوة الحسنة[4].

وسأكتفي بذكر مثالٍ واحد من القرآن على تفصيل بعض أحكام الصَّلاة وكيْفيِّة تطبيق النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم لتلك الأحكام دون التَّطرق للأمثلة الأخرى التي تبيَّن بقية أحكامها. ثمَّ أُحيلك على مقالة تبيِّن التَّفصيلات المتعلِّقة بالرِّبا والزَّكاة وذلك للاختصار:

يقول الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (النساء، 103) ، فذكْرُ الله بالقيام يكون بتكبيرة الإحرام ودعاء الافتتاح وبقراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن، والقعود يكون بين السجدتين؛ حيث يدعو المصلِّي ربَّه بالمغفرة، كما يكون في الجلوس بعد الرَّكعتين في الصَّلاة الزَّائدة عن اثنتين، وفي ختام الصلاة حيثُ التَّشهُّد والصَّلاة الإبراهيمية. أما ذكر الله على الجُنوب فيكون بالرُّكوع والسُّجود؛ وقد جاء تفصيل {وعلى جنوبكم} بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج، 77) أي أن ذكر الله تعالى على الجنوب يكون بالرُّكوع والسُّجود.

والجنوبُ جمع جنب، وهو النَّاحية من الإنسان[5] ، وبحسب الآية فلا بد أن يكون المعنى أطراف الإنسان التي يعتمد عليها في ركوعه وسجوده. نفهم هذا حين نقرأ قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة، 36) قوله تعالى {وجبت جنوبها} أي هدأت حركة أطرافها ملتصقة بالأرض، وآخر ما يهدأ بعد الذبح هو الأطراف. وكذلك في قوله تعالى واصفا من يقومون الليل {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (السجدة،16) فأول ما يتحرَّكُ بالإنسان عند استيقاظه من النوم أطرافُه، ولا يستطيع النُّهوض من مضجعه إلا معتمدا عليها.

ومن خلال الآيتين السَّابقتين نفهم قوله تعالى {وعلى جنوبكم} لأنَّ المصلِّي يعتمد على يديه ورجليه في ركوعه وسجوده، فإن ركع دون أن يضع يديه على ركبتيه معتمدا عليهما فلا يعتبر ركوعه صحيحا. وكذا السجود يجب أن تكون الأطراف ملاصقة للأرض، والجبهة والأنف يعتبران جانب الرأس الذي يلاصق الأرض بالسجود، ولا ينبغي أن يكون غير الأطراف عاملا في السجود، كأن يضع مرفقيه على الأرض أو يلصق بطنه بفخذيه.

ولو نظرنا في تطبيقاتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لوجدناها تؤكِّد هذا الفهم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم؛ على الجبهة، وأشار بيده على أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين» [6]

وعَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ»[7] وقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ما يدلُّ على انتصاب القدمين عند السجود وملامسة أطراف أصابع القدمين الأرض[8] .

وبالرُّغم من ذكر القرآن الكريم للأحكام مفصَّلة إلا أنَّ دور النبيِّ صلى الله عليه وسلم يبقى مهمِّا لتقديم النَّموذج العمليِّ لما فصَّله القرآن، وهو ما أشار إليه قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب، 21). ومن هنا ينبغي دراسة السُّنة إلى جانب القرآن وليس بشكلٍ منفصل عنه.

ويمكنك الاطلاع أيضا على تفصيلات القرآن لمواقيت الصلاة بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (أوقات الصلوات في القرآن الكريم) على الرابط التالي: http://www.hablullah.com/?p=1591

وفيما يتعلق بالتَّفصيلات المتعلِّقة بالرِّبا والزَّكاة أُحيلك على مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الصَّدقة والرِّبا في القرآن) على الرابط التالي:  http://www.hablullah.com/?p=3053

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  كما بينه قوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران، 7)

[2]  يفهم هذا من قوله تعالى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص، 29)

[3]  يدل على ذلك قوله تعالى {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء، 195)

[4]  كما دلّ عليه قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب، 21)

[5]  الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ. تَقُولُ: قعَدْتُ إِلَى جَنْب فُلَانٍ وَإِلَى جانِبه، بِمَعْنًى، وَالْجَمْعُ جُنُوبٌ وجَوانِبُ وجَنائبُ، الأَخيرة نَادِرَةٌ. (لسان العرب، مادة جنب). ولو كان القصد من قوله تعالى {وعلى جنوبكم} ما ذكره صاحب لسان العرب لوجب أن تكون كملة {جنوبكم} بالتثنية لا بالجمع. وعليه لا بد أن تكون كلمة الجنوب تعني أعضاء السجود.  لأنه لا يمكن أن يكون المعنى وجوب السجود على شقي الإنسان الأيمن والأيسر.

[6]  صحيح البخاري، باب السجود على سبعة أعظم، 812

[7]  صحيح مسلم، باب الاعتدال في السجود،234 – (494)

[8]  عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. صحيح مسلم، باب ما يقول في الركوع، 222 – (486)

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.