حبل الله
المرأة بين القرآن وبين المفاهيم التي تجعلها أقل مرتبة من الرجل

المرأة بين القرآن وبين المفاهيم التي تجعلها أقل مرتبة من الرجل

أ.د عبد العزيز بايندر

تشيع بين الناس مفاهيم متعلقة بالمرأة؛ منها أن المرأة خلقت من ضلع آدم. وأنها ناقصة عقل ودين؛ لذا فشهادتها بنصف شهادة الرجل. وهذه المفاهيم وغيرها تجعل المرأة في مرتبة الأمة بالنسبة للرجل، ونحاول في هذه المقالة دراسة الموضوع بالمقارنة بين القرآن الكريم والمفاهيم التقليدية.

1. الزعم القائل بأن المرأة خلقت من ضلع آدم

ورد في التوراة أن المرأة خلقت من ضلع آدم. حيث جاء في سفر التكوين، الاصحاح الثاني، 21-23: «فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ».

وقد انتقل إلينا بعض ما ورد في التوراة والانجيل كحديث مرفوع . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج استوصوا بالنساء خيرا.[1]

ولا يمكن أن يكون هذا الكلام حديثا قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لأن القرآن الكريم لا يصدق ما جاء في التوراة والانجيل في هذا الموضوع.[2] فقد قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا[3] وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء… » (سورة النساء، 4 / 1).

والضمير المخاطب (كم) في الآية يراد به آدم عليه السلام، وقد جاء بصيغة الجمع مجازا؛ لأن الناس لم يخلقوا من آدم فقط، بل منه وحواء معا. فيكون معنى الآية أن الله تعالى خلق آدم عليه الصلاة والسلام من نفس واحدة.

وقد جاء في الآية التالية تفصيل ما خلق اللهُ تعالى منه آدمَ. حيث قال تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ» (سورة الإنسان، 76 / 2).

والنَطَفةٌ، وهي الصّافيةُ الماء،[4] والأَمْشَاج هو الأخلاط. أي من منيِّ الرجل الذي اختلط ببويضة المرأة. ومشج بينهما: أي خلط.[5] وأقل الجمع في اللغة العربية ثلاثة. وعلى هذا فإن النطفة ليست منيا فحسب بل هي مخلوطة من ثلاثة أشياء أو أكثر. وقد جاء في آية أخرى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ » (المؤمنون، 23 / 12). وجميع ما يتناوله الإنسان من الأغذية هو من الطين؛ أي التراب المختلط بالماء. فمصدر النطفة والبويضة طين.

وقال الله تعالى: « ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ» (المؤمنون، 23 / 13). والقَرارُ والقَرارةُ من الأَرض: المطمئن المستقرّ، وقال أَبو حنيفة: القَرارة كل مطمئن اندفع إِليه الماء فاستقَرّ فيه.[6] والمكين: من قول العرب، مَكَّنْتُهُ مِنْ الشَّيْءِ تَمْكِينًا جَعَلْتُ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانًا وَقُدْرَةً فَتَمَكَّنَ مِنْهُ.[7]

وعلى هذا فالمكان الذي تكونت فيه النطفة هو المكان الذي جُعل لها به سلطانٌ وقدرةٌ لتتمكن فيه، وهو الرحم. والنطفة التي تكونت في الرحم ليست إلا البويضة المخصبة. وهو (الرحم) مكان يختلط فيه مني الرجل مع بويضة المرأة، تتغير وتتطور فيه حتى تصبح إنسانا يستطيع الحياة على وجه الأرض.

 النُّطفة هي اللؤلؤ الصَّافِي في اللون مثل قطرة الماء الصافي.[8] والبويضة المخصبة تشبهها في الشكل.

وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز أنه خلق الإنسان من التراب.[9] لأن التراب هو العنصر الأساسي في الإنسان؛ والرحم بمثابة الحرث يزرع فيه البذور. قال الله تعالى: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (البقرة، 2 / 223).

خلق الإنسان كخلق النبات. قال الله تعالى: « وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا» (نوح، 71 / 17).[10]

وكان خلق عيسى عليه الصلاة والسلام كخلق آدم وحواء. قال الله تعالى: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (آل عمران، 3 / 59). لو تدبرنا الآية لظهر لنا أن رحم مريم كان بمثابة الأم والأب مثل التراب.

ويؤيد ذلك تأنيث العائد إلى (الفرج) مرة وتذكيره مرة ثانية كما في قوله تعالى: «وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء، 21 / 91). «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ» (التحريم، 66 / 1212). وهو مما يدل على أن رحم مريم كان ينتج البويضة والمني في نفس الوقت, لذلك كان خلق عيسى كخلق آدم، وعلى هذا فإن التراب الذي خلق منه آدم كان يوجد فيه هاتان الخاصيتان. أي أن آدم خُلق من النطفة التي تشكلت نتيجة اختلاط المني مع البويضة اللتين استخلصتا من التراب. وكذلك حواء خلقت من تلك النطفة. لأننا نفهم من النفس المذكورة في الآية الأولى من سورة النساء أن آدم وحواء خُلقا من النفس الواحدة. “وخلق منها زوجها”.

إذن فيمكن أن يكون آدم وحواء توأمي البويضة الواحدة.

يقول المختصون إن توأمي البويضة الواحدة يكونان من نفس الجنس. ولكن آدم وحواء أحدهما ذكر والآخر أنثى. ونفهم من قوله تعالى: «خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها» أنّ خلق حواء متأخر عن خلق آدم. إذا كان آدم خلق من البويضة الواحدة أولا ثم خلقت حواء من نفس البويضة فالبحث عن هذا يقع على عاتق المتخصصين.

ولكن المهم هنا هو الآية. « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» (الشورى، 42 / 13). تشير هذه الآية إلى حدوث تغيرات في القوانين الطبيعية بعد نوح عليه الصلاة والسلام. وقد كان الزواج من الأخت حلالا إلى عهد نوح؛ كما نرى ذلك في الديانة الزرادشتية. لذا كان من الممكن أن يكون توأما البويضة الواحدة من جنس مختلف. ويشير قوله تعالى: «وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى» (النجم، 53 / 45-46) إلى الموازين الخاصة للإنسان، حيث تتكون تلك الموازين وهو نطفة في الرحم، وكذلك يتبين جنسه ذكرا أو أنثى.

وهنا نرى من الضروري الوقوف على كلمة “الزوج”. لم يرد في القرآن الكريم كلمة “الزوجة” مع أن الكلمات تكون في العربية مؤنثة ومذكرة. وإذا دل هذا إنما يدل على عدم الفرق تأنيثا أو تذكيرا في تسمية الأزواج.

إذا تحقق أن النطفة هي البويضة المخصبة فقوله تعالى في الآية “إذا تمنى” يعني إذا قدِّر لها الأقدار. لأن كلمة تمنى من “مَنَى” يدلُّ على تقديرِ شيءٍ ونفاذِ القضاءِ به. منه قولهم: مَنَى له المانِي، أي قدَّر المقدِّر.[11] وبهذا نفهم من الآية لماذا سميت النطفة نفسا. وتطلق النفس على الجسم الحي. قيل عن النفطة (نفس) لأنها تحمل بدءا من هذه المرحلة الخصائص التي يختص بها الجسم الحي.

وسبب هذه التفاصيل هو أن نصل إلى المعلومات الصحيحة في خلق المرأة؛ لأن القبول بأن المرأة خلقت من الضلع الأعوج تحقير لكرامتها.

2. اعتبار المرأة أمة للرجل

وعدم فهم قول النبي صلى الله علهي وسلم: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذٰلِكَ”[12] على شكل صحيح أدى إلى جعل المرأة أمة للرجل.

وقد قيل في معنى كلمة “عوان” أي أسيرات؛ زعما أنها جمع العانية، اسم الفاعل من العنو. وعلى هذا قيل إن المرأة أسيرة الرجل. ولكن الحقيقة غير ذلك.. فكلمة عوان من العناية التي تعني الاعتناء والاهتمام.[13] فالمرأة من الناحية الجنسية تهدف زوجها فقط وتحفظ نفسها له. وعلى هذا فإن الحديث يتحدث عن النساء اللائي يعطين الاهتمام لأزواجهن ويحفظن أمورهم ويشغلن أذهانهن بما يخصهم. ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ» (سورة النساء، 4 / 34).

وعند الحديث عن حقوق وواجبات الجنسين المختلفين فالمعيار الصواب هو التوازن والعدل وليس المساواة، وعدم المساواة بمعناه الحسي الفيزيائي لا يدل على التفاضل بين الرجل والمرأة، بل يدل على التكامل بينهما ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وقد وضع الله الميزان ونهى عن إفساده. كما قال الله تعالى: «وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ . وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ» (سورة الرحمن، 55 / 7-9).

3. الزعم القائل بأن المرأة ناقصة عقل ودين

خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار. فقلن وبم يا رسول الله ؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل. قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم. قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها.[14]

وهذا الحديث صحيح من حيث السند. ولكن فيه اشكال من حيث المعنى…

الأول: الخطاب بـ “ناقصات العقل والدين”. لا يتوافق مع لطف النبي صلى الله عليه وسلم كما يخالف قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (سورة آل عمران، 3 / 159).

الثاني: وقول النبي صلى الله عليه وسلم ” مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ” يدل على أن هناك مخلوقات ناقصات عقل ودين من غير النساء أيضا. ولكنا لا نعرف وجود تلك المخلوقات. وعلى هذا فلا يمكن أن يكون هذا الكلام قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم.

4. شهادة المرأة

يعتبر في الفقه التقليدي شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد. ويُستدل على ذلك بقوله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» (البقرة، 2/282).

يُفهم من الآية أنّ هناك فرقا بين شهادة المرأة والرجل، كما ذهب إليه الفقهاء، ولكن حين نأخذ الآية مع لاحقتها ومع الآيات التي تفصِّلها والأحاديث المتعلقة بها نجد أنه لا فرق بين شهادة المرأة وشهادة الرجل. لنقرأ تكملة الآية «ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ». ويمكن أن يكون معنى “ذلكم أقسط وأقوم” في تثبيت الدَّيْن بالكتابة لأن الآية نزلت فيه. وكذلك من الممكن أن يكون أنه أقسط وأقوم في نصاب الشهادة. فالأقوم اسم تفضيل من القويم. ويقال هذا أقوم من هذا عند مقارنة الشيئين القويمين. فمعنى الآية أن شهادة الرجلين أقوم من شهادة المرأتين أو من شهادة رجل وامرأة.

والآية الواردة في الشهادة على الوصية تجعل الموضوع أكثر وضوحا، وتبين لنا أن الحكم السابق متعلق بكتابة الدَّين وبعدد الشهود معا. قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ. فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ» (المائدة، 5 / 106-107).

وفي هذه الآية يأمر الله تعالى أن يكون الشاهدان مؤمنين عدلين بدون أية تفرقة بين المرأة والرجل. وفي أثناء السفر يكفي أن يشهد اثنان من غير المسلمين. ويمكن أن يكون كلا الشاهدين امرأتين أو رجلين، كما يمكن أن يكونا من غير المسلمين، وكذلك يجوز أن يكون أحدهما رجلا والآخر امرأة، حسب الظروف الخاصة بالسفر.

والشاهد هنا هو قوله تعالى: « ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا» (المائدة، 5 / 108). لو أخذنا هذا الجزء من الآية مع قوله تعالى «ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ» في الآية الثانية والثمانين من سورة البقرة، نفهم أن الله تعالى يخبر عن الأفضل في الشهادة. وأن كون الشاهدين رجلين أو رجل وامرأتين ليس شرطا من شروط الشهادة بل الوجه الأفضل فيها.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل شهاد إمرأة واحدة. عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج فقال لها عقبة ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل. ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره.[15]

وهذا كله يدل على عدم جواز الحكم على نقصان عقل المرأة إستدلالا بأن شهادتها تساوي نصف شهادة الرجل. ولو افترضنا صحة هذا الكلام، فليكن إذن واجبات المرأة نصف واجبات الرجل. وقد قال الله تعالى في آية ذكر فيها الرجل والمرأة: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (سورة البقرة، 2 / 228).


[1]  صحيح مسلم، باب الوصية بالنساء، رقم الحديث: 60 – ( 1468 )

[2]  جاء القرآن الكريم مصدقا لما سبق من الكتب الإلهية. ولكن تصديقه محدود بما لا يخالف القرآن الكريم مما في التوراة والإنجيل. لأنه لم يات آية في القرآن تنص أنه يصدق التوراة والإنجيل. قال الله تعالى: «نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ» (آل عمران، 3 / 3). ومقابل ذلك جاء في الإنجيل ما يدل على أنه يصدق التوراة. قال الله تعالى: « وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ » (المائدة، 5 / 46).

ونفهم من قوله تعالى: « وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ» (المائدة، 5 / 48) أن تصديق القرآن لما سبقه من الكتب الإلهية محدود بما فيها من الآيات التي تتوافق مع القرآن الكريم. وقد تكررت كلمة الكتاب مرتين. وتكرار الكلمة معرفة بال التعريف يدل على أنهما شيء واحد؛ أي أن ما في القرآن وما يصدقه من الكتب السابقة هو شيء واحد.

وخلاصة القول فإن القرآن لا يصدق القول بأن المرأة خلقت من ضلع آدم. لذا نقول إن رواية أبي هريرة المتعلقة بالمسألة من الإسرائليات.

[3]  وَخَلَقَ مِنْهَا (أي من النفس) زَوْجَهَا (أي زوج النفس) وهذا يشير إلى أن الله خلق النطفة أولا ففطرها وجعلهما توأما مطابقا فليس لأحد منهما الأولوية في الخلق.

[4]   كتاب العين لخليل بن أحمد، مادة: نطف.

[5] لسان العرب، فصل:الميم، مادة: مشج.

[6]  لسان العرب، فصل: القاف،  مادة: قرر.

[7]  المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ) مادة: (م ك ن).

[8]   لسان العرب، فصل النون، مادة نطف.

[9]   ال عمران، 3 / 59؛ الروم، 30 20؛ الكهف، 18 / 37؛ الحج، 22 / 5؛ الفاطر، 35 / 11؛ الغافر، 40 / 67.

[10]   وهو من حديث نوح إلى قومه.. إنه يكشف لهم عن تطورهم فى الخلق، وأنهم نبتوا من الأرض، كما ينبت النبات.. فمن تراب هذه الأرض تخلقت الكائنات الحية، ومن ترابها تخلق الإنسان. وإن أقرب صورة وأظهرها لتخلقه من الأرض: أن هذه النطفة التي تخلّق منها، هى من نبات الأرض، أي من الغذاء الذي مصدره هذا النبات.. فإذا امتد النظر إلى آفاق بعيدة وراء هذه النظرة المحدودة القريبة، أمكن أن يرى على الأفق البعيد: أن الإنسان فرع من شجرة الحياة التي تضرب جذورها فى أعماق بعيدة من الأرض. (التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب (المتوفى: بعد 1390هـ)، دار الفكر العربي – القاهرة).

[11]   مقاييس اللغة  لابن فارس.

[12]  ابن ماجة، كتاب النكاج، رقم الحديث: 1841.

[13]  المصباح المنير، مادة: عنو.

[14] صحيح البخاري، باب ترك الحائض الصوم، رقم الحديث 304

[15]  صحيح البخاري، باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، رقم الحديث: 88.

التعليقات

  • هل النساء متساويات بالحقوق و الواجبات مع الرجال ؟ انا ارى ان الاسلام ساوى بينهما و لكن ميز بينهما باشياء معدوده مثل ان العمل واجب على الرجل و لا يجب على المراه ( لكن يمكن ان تعمل طالما ذلك لا يؤثر على واجباتها الاخرى ) و الميراث حيث للرجل مثلي المراه ( و ايضا هناك حالات يمكن ان تحصل المراه مثل الرجل ) و على العوره . اما غير ذلك فلقد ساوى الاسلام بين الجنسين و لا اختلاف بينهما من حيث الحقوق و الواجبات.

  • اهلا وسهلا سيد جمال نجم ورمضان كريم على حضرتك.
    (حديث ناقصات عقل ودين) سانقل لك رأيين وجدتهما على النت وأنا لست بعالم حديث ولكن الله أعلم يجب الحذر جداً جداً جداً في هذا المسأله لأن ليس أي أحد عادي يشكك في احاديث النبى يجب أن يكون عالم حديث مثل الشيخ الدارقطنى.
    وهذا الرأي الأول:
    أولا: حديث “ناقصات عقل ودين” أخرجه الشيخان في صحيحيهما صحيح البخاري (1/68)، صحيح مسلم (1/86) واللفظ للبخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله ﷺ في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: “يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار” فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: “تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن”، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: “أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل” قلن: بلى، قال: “فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم”، قلن: بلى، قال: “فذلك من نقصان دينها”.

    ثانيا: ليس وصفه ﷺ للنساء بأنهن ناقصات عقل ودين اتهاما لهن، وإنما هو إخبار عن معنى واقع بالفعل ليس فيه اتهام ولا تنقيص، وليس المراد من اللفظ ظاهره، وإنما المراد به ما وضحه باقي الحديث من أن “نقصان العقل”: يعني شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، “ونقصان الدين”: يعني تركها الصلاة والصوم حال الحيض.

    ثالثا: ترك المرأة الحائض للصلاة والصيام ليس فيه إثم عليها باتفاق الفقهاء، بل لقد أسقط الله، عنها ذلك في وقت حيضها رأفة بها؛ لأن المرأة طوال مدة حيضها تكون في حالة ضعف واضطراب؛ لذا خفف الله عنها التكاليف في هذه المدة، فوجب عليها الالتزام بما أمرها
    الله به وتنال الأجر على امتثالها أمر الله تعالى

    والرأي الثانى وجدته فى موقعكم الكريم

    ((خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار. فقلن وبم يا رسول الله ؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل. قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم. قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها.[14]

    وهذا الحديث صحيح من حيث السند. ولكن فيه اشكال من حيث المعنى…

    الأول: الخطاب بـ “ناقصات العقل والدين”. لا يتوافق مع لطف النبي صلى الله عليه وسلم كما يخالف قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (سورة آل عمران، 3 / 159).

    الثاني: وقول النبي صلى الله عليه وسلم ” مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ” يدل على أن هناك مخلوقات ناقصات عقل ودين من غير النساء أيضا. ولكنا لا نعرف وجود تلك المخلوقات. وعلى هذا فلا يمكن أن يكون هذا الكلام قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم.))
    والسؤال هنا استاذ جمال أنا أميل وأصدق الرأي الثانى الذي في موقعكم وأنا لا أصدق أن النبي الكريم قال هذا أبداً، فهل على ذنب؟ وهل أنا آثم شرعا؟ ارجو الرد سيد جمال لأن حالتي النفسية اصبحت سيئة

    • شكرا لحضرتك ورمضان مبارك عليكم

      بالتأكيد لا يصح رد الأحاديث إلا لسببين، هما:

      1_ مخالفته لنص أو مقصد قرآني

      2_ مخالفته لمنطق الأشياء وقانون الطبيعة.

      وعند رد الحديث لا يعني أنك رددت كلام رسول الله، وإنما رددت ما تناقله الرواة ونسبوه إلى رسول الله مما لا يمكن أن يقوله، فإن رد المسلم رواية لأحد السببين المذكورين فإنه لا يأثم شرعا، بل يلزمه فعل ذلك تنزيها للنبي عن أن يقول قولا يخالف فيه الكتاب الذي أنزل عليه، أو القانون الطبيعي الذي خلقه الله تعالى في الأشياء.

      واعلم أنه لا يوجد عالم أو فقيه إلا ورد بعض الأحاديث التي رآها لا تصح نسبتها إلى رسول الله إما لمشكلة في السند أو علة في المتن كمخالفتها لنص أو مقصد قرآني.

      وهنا أنصحك بالاطلاع على مقالتنا (متى تكون الرواية عن النبي حجة ملزمة) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=5191

    • سيد سائل أنت ذكرت في سؤالك (ثالثا: أن المرأة ليس عليها إثم في عدم صلاتها وصيامها، وخفف عنها التكاليف في هذه المدة رأفة بها وتؤجر على التزامها)
      إذن أين نقصان دينها وهي التزمت بما فرضه الله علبها في هذه الفترة /إن صح قولهم/،؟ أليس هذا من زيادة دينها وليس نقصانه؟

      • هذا كان نفس كلامي وقد قلته من قبل لما سمعت الحديث، إذا كان الله أمرني بترك الصلاة والصوم وقت الحيض والتزمت بأمره رغم أني قادرة على الوضوء والصلاة والصوم، فلما التزمت بالمنع لاجل أمر الله فينبغي أن يكون هذا الالتزام كمالا لديني وليس نقصانا

  • اهلا سيد جمال وجدت مقال رائع ارجو من حضرتك نشرة في الموقع يفسر حديث ناقصات عقل ودين في موقع (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)مراجعات علمية 3 “حديث ناقصات عقل ودين”
    بواسطة , محمد بن الشيخ طاهر البرزنحي

    مراجعات علمية 3 “حديث ناقصات عقل ودين”

    دراسة نقدية حديثية

    محمد بن الشيخ طاهر البرزنحي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،،،

    فلم أجد أنسب عبارة لافتتاح بحثي هذا من قوله تعالى في الآيات الأولى قوله سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) }النساء :١{.

    والثانية قوله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) } آل عمران: ١٩٥{.

    وقوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) }التوبة: ٧١{.

    كثر الحديث هذه الأيام بين الناس عن مسألة كون المرأة ناقصة عقل أم كاملة عقل و هل هي ناقصة دين أم حافظة لأمر الله.. وصار الشباب بين فريقين

    فريق منهزم روحيا وفكريا قد تجرأ على الصحيحين فصار يصحح ويضعف بهواه دون بينة من علم .

    وفريق آخر تعصب لرأي طائفة من العلماء المعاصرين وفهمهم للنصوص وصاروا لا يفهمون الشرع إلا من خلال أقوال أولئك الشيوخ على جلالة قدرهم.

    وقد حاولت ما استطعت أن ادرس روايات الحديث المختلفة وخاصة روايات الشيخين الجليلين البخاري ومسلم واعني دراسة أسانيدها ومتونها وما قاله أهل العلم في ذلك وها أنا أضع خلاصة بحثي بين يدي شيوخنا الأفاضل كي يتحفونا بآرائهم السديدة في النقد والتصويب فأقول وبالله التوفيق.

    لهذا الحديث صيغ عديدة
    الصيغة الأولى

    أصل الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب فحث الناس عامة والنساء خاصة على الصدقة فاستجابت الصحابيات وتصدقن. ( حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد وحديث حابر بن عبد الله وحديث عائشة) وهو بهذا المعنى متواتر معنوي. أي أن الحديث( من غير ذكر نقصان العقل والدين ومن دون إشارة إلى أن اكثر أهل النار النساء ). في اعلى درجات الصحة. وهذا ما نشرحه مرة أخرى في نهاية البحث.

    ١- حديث ابن عباس رضي الله عنهما

    من طريق ابن جريج عن طاووس عن ابن عباس قال شهدتُ الصلاةَ يومَ الفطرِ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ فكلهم كان يُصلِّيها قبل الخطبةِ ثم يخطبُ بعد قال : فنزل نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كأني أنظرُ إليهِ حين يجلسُ الرجالُ بيدِهِ ثم أقبل يشقُّهم حتى جاء النساءُ ومعَهُ بلالٌ فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا } فتلا هذهِ الآيةَ حتى فرغ منها ثم قال: حين فرغ منها أَنْتُنَّ على ذلك ؟ فقالت : امرأةٌ واحدةٌ لم يجبْهُ غيرها منهنَّ : نعم يا نبيَّ اللهِ قال: فتصدَّقْنَ قال: فبسط بلالٌ ثوبَهُ ثم قال : هلُمَّ لكنَّ فداكنَّ أبي وأمي فجعلْنَ يُلقينَ الفَتَخَ والخواتمَ في ثوبِ بلالٍ .. صحيح البخاري كتاب العيدين ح ٩٧٩.

    وأخرجه البخاري كذلك مختصرا من طريق أمير المؤمنين في الحديث شعبة عن أيوب السختياني(ثقة ثبت حجة) قال سمعت عطاء ( ثقة إمام من أوعية العلم ) قال سمعت ابن عباس يقول (خرج صلى الله عليه وسلم ومعه بلال فظن انه لم يسمع فوعظهن وأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم وبلال يأخذ في طرف ثوبه). وأخرجه البخاري كذلك مختصرا من طريق سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عابس… صحيح البخاري كتاب العيدين باب العلم الذي بالمصلى ح ٩٧٧.

    ٢- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

    من طريق زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف). متفق عليه بين الشيخين فقد أخرجه البخاري في صحيحه كناب العيدين باب الخروج إلى المصلى بغير منبر ح ٩٥٦

    وأخرجه مسلم من طريق داود بن قيس عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ، قَامَ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ، ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ، أَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَرَهُمْ بِهَا، وَكَانَ يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا»، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ (صحيح مسلم كتاب صلاة العيدين باب في الصلاة قبل الخطبة ح ٨٨٩.) أي أن اثنين من الثقات ( داود بن قيس وزيد بن اسلم ) قد اتفقا على روايتهما عن شيخهما التابعي الثقة الجليل عياض بن عبد الله في ذكر اصل الحديث (حث النبي صلى الله عليه وسلم الناس والنساء خاصة على الصدقة فتصدقن ..دون الزيادات الأخرى).

    ٣- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه

    من طريق جريج قال: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول:

    قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء، فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه، يلقي فيه النساء الصدقة.

    قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر؟ قال: لا، ولكن صدقة يتصدقن حينئذ، تلقي فتخها، ويلقين. قلت: أترى حقا على الإمام ذلك يأتيهن ويذكرهن؟ قال: إنه لحق عليهم، وما لهم لا يفعلونه

    صحيح البخاري كتاب العيدين باب موعظة النساء يوم العيد ح ٩٧٨

    ٤- حديث عائشة رضي الله عنها

    حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت خسفت الشمس في عهد رسول الله ﷺ فصلى رسول الله ﷺ بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.

    صحيح البخاري كتاب الكسوف باب الصدقة في الكسوف ح ١٠٤٤.

    وواضح من رواية عائشة أن الحدث كان يوم خسوف الشمس وليس العيد وقد روى ابن عباس كلا الأمرين أي صلاته ووعظه يوم العيد ويوم خسفت الشمس . كما سنرى لاحقا والأمر المشترك بين الحدثين هو الحث على الصدقة دون ذكر عبارة ناقصات عقل ودين وانهن اكثر أهل النار.

    ٥- حديث زينب رضي الله عنها امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو مختصر جدا ومقتصر على الأصل( تصدقن يا معاشر النساء)

    وهو حديث متفق عليه فقد أخرجه البخاري عن زينب في صحيحه كتاب الزكاة باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر ح ١٤٦٦ ورواه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين ح ٩٩٨.

    ومن مجموع الروايات هذه تكون هذه الصيغة متواترة (اصل الحديث) دون الزياداتعلى رواية مسلم هذه فيما اعلم سوى

    الدار قطني الذي رجح كون هذه الرواية مرسلة فبعد أن عرض الطرق كلها.؛ قال رواه عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الله بن دينار عن الحسن مرسلا والمرسل أشبه (علل الدار قطني ح ٣٠٨٦)

    حديث أبي هريرة

    أشار مسلم إليه بعد حديث ابن عمر السابق فذكر إسناده ولم يذكر متنه وإنما قال عن أبي هريرة بمثل معنى ابن عمر. قلت والإسناد الذي ذكره الإمام مسلم دون نص متنه إسناد صحيح لكن ليس في اعلى درجات الصحة إذ هو من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة وعمرو هذا من رجال الصحيحين لكن كما قال الحافظ في مقدمة الفتح لم يخرج البخاري من روايته عن عكرمة شيئا بل اخرج من روايته عن انس أربعة احاديث ومن روايته عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديثا واحدا ومن روايته عن المقبري عن أبي هريرة حديثا واحدا .انتهى كلام الحافظ.

    قلت ( البرزنحي) والحديث الوحيد الذي رواه البخاري من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة هو قوله عليه الصلاة والسلام (قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه) صحيح البخاري كتاب الرقاق ح ٦٥٧٠. وهذا الحديث يبين سعة رحمة الله وعفوه … ولعل هذا الحديث من المرجحات التي سنذكر في نهاية البحث أن شاء الله التي تقوي كون المحفوظ لفظ الحديث بدون الزيادات فرحمة الله واسعة وغفرانه عظيم.

    وحديث الشفاعة هذا له طرق أخرى إلى أبي هريرة وقد اختار البخاري من احاديث عمرو بن أبي عمرو ما تأكد من صحته فهو راو لم يتفق العلماء على الاحتجاج به وخاصة عن عكرمة فقد ضعفه النسائي وابن معين والدارمي وكان مالك يستضعفه وقال أبو داود ليس بذاك ..وبالغ ابن رجب إذ قال وهو ثقة متفق على تخريج حديثه والقول الوسط قول البخاري إذ قال صدوق لكن روى عن عكرمة مناكير وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب، ومقدمة الفتح.

    ونرجع إلى حديث بحثنا (ناقصات عقل ودين) من رواية أبي هريرة فقد أخرجه كذلك الترمذي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وقال حديث حسن غريب. (سنن الترمذي كتاب الإيمان باب ما جاء في استكمال الإيمان ح ٢٦١٢).

    قلت وسهيل هذا صدوق تغير حفظه بآخرة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، ولم يحتج به البخاري لمفرده ولكن تعليقا أو مقرونا بغيره وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب ومقدمة الفتح في الفصل التاسع سياق أسماء من طعن فيه من رجال الكتاب(أي الصحيح)

    الصيغة الثانية

    مع زيادتي (ناقصات عقل ودين) و( النساء اكثر أهل النار) (حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة) على اختلاف يسير وزيادة ونقصان واختلاف في وصل الإسناد أو إرساله فيما يتعلق ببعض طرقه .وعلل في بعض طرقه الأخرى. سوى حديث أبي سعيد الخدري فهو متفق عليه

    حديث أبي سعيد الخدري. المتفق عليه

    من طريق زيد ابن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أضْحَى أوْ فِطْرٍ إلى المُصَلَّى، فَمَرَّ علَى النِّسَاءِ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فإنِّي أُرِيتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ: وبِمَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ما رَأَيْتُ مِن نَاقِصَاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِن إحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وما نُقْصَانُ دِينِنَا وعَقْلِنَا يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: أليسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ: بَلَى، قالَ: فَذَلِكِ مِن نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أليسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ قُلْنَ: بَلَى، قالَ: فَذَلِكِ مِن نُقْصَانِ دِينِهَا ( صحيح البخاري باب ترك الحائض الصوم ح ٣٠٤). وهذا حديث متفق عليه وقد طعن فيه بعض المعاصرين بسبب زيد بن اسلم فقال مدلس ولا حجة له في ذلك لأنه لم يدلس عن شيخه التابعي عياض. وهو ثقة عالم من رجال الصحيحين.

    حديث عبد الله بن عمر

    من طريق ابن الهاد عن عبد الله بن دينار عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ : وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ ؟ قَالَ : تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ؟ قَالَ : أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ : فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي ، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ صحيح مسلم كتاب الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات ح ٢٣٩

    ولم يعترض الحفاظ النقاد المتقدمونمن طريق زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصَلَّى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِن قِرَاءَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وهو دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وهو دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وهو دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وقدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللَّهِ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذلكَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شيئًا في مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ؟ قالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي رَأَيْتُ الجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا، ولو أصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ منه ما بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أرَ مَنْظَرًا كَاليَومِ قَطُّ أفْظَعَ، ورَأَيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ قالوا: بمَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: بكُفْرِهِنَّ قيلَ: يَكْفُرْنَ باللَّهِ؟ قالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ. (صحيح البخاري كتاب الكسوف باب صلاة الكسوف جماعة ح: 1052).

    حديث جابر بن عبد الله

    عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن. صحيح مسلم كتاب صلاة العيدين ح ٨٨٥. ولو أعملنا منهج الإمام مسلم في صحيحه لوجدنا هذا الإسناد معلولا إذ أن من دأبه رحمه الله أن يأتي بالأسانيد الصحيحة الواحدة تلو الأخرى لحديث واحد ثم يأتي في آخرها بإسناد فيه علة لبيانها فقد اخرج ث روايتين عن ابن عباس مرفوعا(٨٨٤) دون ذكر الزيادات ثم ذكر رواية صحيحة أخرى عن جابر دون ذكر الزيادات من طريق الحافظ ابن جريج قال اخبرني عطاء عن جابر قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر .. الحديث) وفي آخره وأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال وبلال باسط ثوبه يلقين النساء صدقة.

    ومعلوم أن ابن جريج احفظ من عبد الملك بن سليمان في شيخهما عطاء لذا فرواية عبد الملك اقل في درجة صحته مقارنة باحاديث مسلم التي ساقها ولم يذكر فيها الزيادة و عبد الملك هذا صدوق له أوهام كما قال. ابن حجر في التقريب. ونقل الدار قطني في العلل قول أبي داود : قلت لأحمد : عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: ثقة. قلت: يخطئ؟ قال: نعم، وكان من أحفظ أهل الكوفة، إلا أنه رفع أحاديث عن عطاء .وكلام الدار قطني هذا نقلا عن الإمام احمد يعني انه روى الموقوف عن عطاء أحيانا فجعله مرفوعاالصيغة الثالثة

    مع زيادة ( رأيت أكثر أهل النار النساء )دون زيادة ناقصات عقل ودين كما في حديث ابن عباس في صحيح البخاري وحديث جابر بن عبد الله في صحيح مسلم.

    حديث ابن عباسالصيغة الرابعة

    بزيادة واو قبل قوله يكفرن العشير أي بلفظ (أيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: «وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ)

    فقد روى الإمام مَالِكٌ في الموطأ 2/260، عَنْ شيخه زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ مَعَهُ (…) ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئاً فِي مَقَامِكَ هذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ. فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُوداً، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَراً قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ»، قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ»، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: «وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ» وهذه الرواية للموطأ من نسخة الإمام الحافظ يحيى الليثي وهو من كبار أصحاب مالك الثقات وروايته هي القراءة الأخيرة للموطأ في حياته (مالك )رحمه اللهالصيغة الخامسة

    بزيادة (ناقصات عقل ودين …..) ولكن من كلام عبد الله بن مسعود موقوفا عليه وليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الرواية بمختلف طرقها ليست في الصحيحين وكلها من طريق راو لم يتفق العلماء على توثيقه بل وثقه عدد منهم . وقد صحح بعض الحفاظ هذا الإسناد كما سنذكر..

    اخرج الحافظ الحميدي قال ثنا سفيان ثنا منصور بن المعتمر قال ثنا ذر الهمداني عن وائل بن مهانة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ فِإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ فَقَامَتِ امْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ فَقَالَتْ : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : مَا وُجِدَ مِنْ نَاقِصِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ أَغْلَبَ لِلرِّجَالِ ذَوِي الرَّأْيِ عَلَى أُمُورِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ : فَقِيلَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا نُقْصَانُ عَقْلِهَا وَدِينِهَا ؟ قَالَ : أَمَّا نُقْصَانُ عَقْلِهَا فَجَعَلَ اللَّهُ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ ، وَأَمَّا نُقْصَانُ دِينِهَا فَإِنَّهَا تَمْكُثُ كَذَا يَوْمًا لَا تُصَلِّي لِلَّهِ سَجْدَةً ) مسند الحميدي ح ٩١ وأخرجه كذلك ابن حبّان في صحيحه وابن أبي شيبة في المصنف والدّارمي في السّنن وقال البوصيري رجاله ثقات .وفي إسناد هذه الرواية وائل بن مهانة وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير في أصحاب ابن مسعود وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل فسكتا عنه ولم يذكرا فيه جرحا. ووثقه ابن حبان في ثقاته. وذكره ابن سعد ومسلم في الطبقة الأولى من أهل الكوفة. وترجم له الحافظ ابن حجر في التقريب ضمن الطبقة الثّانية أي من طبقة كبار التّابعين وقال مقبول وكما ذكر بعض أهل العلم انه مقبول لا لضعفه وإنما لقلّة حديثه كما ذكر ابن سعد وتابعه الحافظ ابن حجر، ووثقه والعجلي والنسائي كما ذكر الذهبي في الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة وقال الذهبي وثق.

    ومن هذه الطريق أيضا أخرجه الحاكم النيسابوري في كتاب النّكاح من المستدرك على الصّحيحين وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه – يعني البخاري ومسلم- ووافقه الإمام الذّهبي في التلخيص.

    وقد فصل الحافظ ابن عبد البر في تعليقه على رواية ابن مسعود الموقوفة هذه كما في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد٢٠٨/٢ ورجح الموقوفة منها فقال بعد ذكره لرواية الحافظ الحميدي هذه من طريق منصور ثنا ذر الهمداني عن وائل بن مهانة عن ابن مسعود فقال أي الحافظ ابن عبد البر و رواه شعبة عن الحكم عن وائل بن مهانة عن عبد الله عن النبي عليه السلام نحوه قال وقال عبد الله “وما رأيت من ناقصات الدين والعقل أغلب للرجال ذوي الأمر منهن” ثم ذكره إلى آخره ورواه المسعودي عن الحكم عن ذر عن وائل بن مهانة عن عبد الله موقوفا والصواب فيه رواية منصور عن ذر ، والله أعلمخلاصة البحث

    للحديث أسانيد ومتون مختلفة و الأعلى فيها من حيث درجات الحديث الصحيح ؛ هو اصل الحديث الذي رواه الإمام البخاري ومسلم متواترا عن عدد من الصحابة والصحابيات الكرام (عائشة وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وزينب امرأة ابن مسعود) رضي الله عنهم وعنهن أجمعين وخلاصته انه عليه الصلاة والسلام حث الناس عامة والنساء خاصة على الصدقة فأنفق النساء من حليهن انفاقا كبيرا. ولم تتضمن هذه الرواية المتواترة عبارة( ناقصات عقل ودين ) ولم تتضمن كذلك عبارة (أن النساء اكثر أهل النار)

    ولعل أوسط متن لهذه الرواية لفظ الإمام مسلم في صحيحه كما ذكرنا(عن أبي سعيد الخدري أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ، قَامَ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ، ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ، أَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَرَهُمْ بِهَا، وَكَانَ يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا»، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ)

    قلت (البرزنجي) ولست إماما حافظا ولا إماما ناقدا ولا علامة حتى أقول الراجح عندي كذا وكذا وحاشا أن اسمح لنفسي أن أتطاول على مقام احاديث الصحيحين ولكن قصارى ما استطيع قوله والله اعلم: لعل القول الراجح أن المحفوظ من الروايات هي التي اقتصرت على الأصل فقط دون ذكر الزيادتين وذلك للأسباب التالية:أولاً: فيما يتعلق بالأسانيد فأسانيد الصيغة الأولى من الحديث ( من دون الزيادات ) من اصح الأسانيد المذكورة وهي ترقى إلى المتواتر المعنوي.

    ثانياً: الصحابة كلهم عدول ولا شك.. فاذا اختلفت الرواية عنهم زيادة أو نقصانا فلابد قبل كل شيء من مراجعة أحوال الرواة عنهم من التابعين ومن مراجعة سريعة لأسماء التابعين الذين رووا هذا الحديث (بصيغتها الأولى دون الزيادات) يتبين لنا انهم من الثقات الإثبات كعطاء وطاووس وعروة بن الزبير وغيرهم) لذا وجب علينا النزول إلى الطبقة التي تلي هؤلاء التابعين وعندها يتبين لنا انهم (هشام بن عروة وابن جريج وأيوب السختياني وداود بن قيس وسفيان الثوري) هم اوثق من الذين رووا الحديث مع الزيادات أي بصيغها (الثانية والثالثة والرابعة ثم الخامسة) (كعبد الملك بن أبي سليمان وعمرو بن أبي عمرو وسهيل بن أبي صالح ).فهؤلاء وان كانوا ثقات فلا يخلو احدهم من وهم أو خطأ أو تغريب كما ذكرنا آنفا سوى الراوي الثقة زيد بن اسلم الذي روى الحديث بالزيادتين من حديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه وروى زيادة (اكثر أهل النساء النار) من حديث ابن عباس كما عند البخاري.ثالثاً: فيما يتعلق بمتون الصيغة الأولى التي وردت بدون ذكر نقصان العقل والدين فإنها تندرج تحت معاني ومقاصد الآيات القرآنية التي ترفع من شأن المرأة وتؤكد كرامتها الإنسانية وتكريم الشارع لها وتثني على دينها وعبادتها كقوله تعالى:(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)}النساء: ٣٤{.

    وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)}الأحزاب: ٣٥.{

    وقوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) } ال عمران: ١٩٥{.

    وقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)}الأعراف: ١٨٩{.

    رابعاً: الرواية المتواترة دون ذكر الزيادات تتوافق تماما مع عشرات الاحاديث المبينة لرحمة الله الواسعة كحديث أبي هريرة (قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه) صحيح البخاري كتاب الرقاق ح ٦٥٧٠. وهذا الحديث وأمثاله تبين سعة رحمة الله وعفوه.لذا نكرر القول فنقول(اعتمادا على ما سبق) لعل المحفوظ من الحديث الرواية المتواترة التي تحكي انه عليه الصلاة والسلام قد نصح النساء بالصدقة فتصدقن كثيرا.

    الصيغ الثانية والثالثة والرابعة التي تذكر أن النساء ناقصات عقل ودين وردت من طرق عدة لا تخلو بعضها من مقال وبعضها الأخر متفق عليه ولكن دون درجة المتواتر. مع مراعاة ما يلي في تفسيرها:

    أولا: إن دخول النساء إلى النار ليس بسبب انقطاعها عن الصلاة والصيام فترة الحيض فذلك شيء في بنيتها الجسدية كما في حديث جابر مرفوعا وفيه «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ،..(صحيح مسلم ح1213)

    ثانياً: بينت رواية صحيحة عند الإمام مالك أن السبب الرئيس لدخول من تدخل من النساء النار هو الكفر بالله أو ارتكاب كبيرتين أو تجمع بين هذه وتلك ( أي الكفر العقائدي والعملي ) والكبيرتان هما استمرار اللعن ليل نهار وكفران العشير كصفة مستدامة عندهن، ورواية الإمام مالك هذه كما ذكرنا آنفا من طريق تلميذه الإمام يحيى الليثي الحافظ الذي سمع مالكا في قراءته الأخيرة ولفظه (َ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ»، قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ»، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: «وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ).

    وان كانت زيادة الواو شاذة في علم المصطلح ولكنها سليمة المعنى كما قال الحافظ في الفتحثالثا: الحديث لا يعني أن المرأة موصوفة بنقصان العقل في كل شيء عن الرجل بل هي في جزئية الذاكرة فقط كما هو بين من جواب سؤال النسوة إذ قرأ النبي صلى الله (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)

    لذلك قال العلامة ابن باز رحمه الله ولا يَلزم مِن هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء، ونقص دينها في كل شيء، … إلى أن يقول رحمه الله وقد تفُوقُ الرجل في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم من امرأة فاقت كثيرًا من الرجال في عقلها ودِينها وضبطها، وقد تكثُر منها الأعمال الصالحات، فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح، وفي تقواها لله عزَّ وجلَّ، وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية ببعض الأمور، فتضبط ضبطًا كثيرًا أكثر مِن ضبط بعض الرجال في كثير مِن المسائل التي تُعنَى بها وتَجتهد في حفظها وضبطها”؛ [مجلة البحوث الإسلامية، (29/ 100 – 102)].

    وصدق الفقيه ابن باز رحمه الله إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أم سلمة في صلح الحديبية الذي سماه الله فتحا ولم يقل لها النبي انك ناقصة عقل فلا أستشيرك بل استمع لها واخذ برأيها وكان رأيها صوابا ولفظ الحديث ( فَلَمَّا فَرَغَ مِن قَضِيَّةِ الكِتَابِ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا، قالَ: فَوَاللَّهِ ما قَامَ منهمْ رَجُلٌ حتَّى قالَ ذلكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ منهمْ أحَدٌ دَخَلَ علَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا ما لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أتُحِبُّ ذلكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ كَلِمَةً، حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ حتَّى فَعَلَ ذلكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، ودَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا) صحيح البخاري ح ٢٧٣١.

    لذلك استنبط العلماء ومنهم الحافظ ابن حجر من هذا الحديث مشروعية مشورة المرأة راجحة العقل والدين.

    والمرأة كالرجل تدخل تحت لفظ الإنسان فتكون مقصودة هي والرجل بقوله الله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويم).رابعا: :ولأنه عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم فالنص هنا وأعني عبارة ( ما رَأَيْتُ مِن نَاقِصَاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِن إحْدَاكُنَّ) قد تكون إشارة إلى ما كان شائعا في ذلك الوقت من غلبة نساء أهل المدينة على رجالهن خلاف المجتمع المكي الأقرب إلى حياة البداوة والجفاء كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحديث الصحيح (كنا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا علَى الأنْصَارِ إذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِن أدَبِ نِسَاءِ الأنْصَارِ، فَصَخِبْتُ علَى امْرَأَتي فَرَاجَعَتْنِي، فأنْكَرْتُ أنْ تُرَاجِعَنِي، قالَتْ: ولِمَ تُنْكِرُ أنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ إنَّ أزْوَاجَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ، وإنَّ إحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ اليومَ حتَّى اللَّيْلِ).

    خامسا: ومن الباب السابق كذلك نقول لعل موعظة النبي عليه الصلاة والسلام من باب المبالغة في الترغيب والترهيب كقوله عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه وقد قصروا في وضوئهم ويل للأعقاب من النار ولا يعني ذلك أن أصحابه أولئك سيدخلون النار وإنما حثهم على الالتزام. وكذلك وعظه هذا للنساء

    سادسا: أما مسألة كون النساء اكثر أهل النار فلم ينفرد زيد بن أسلم بروايته من طريق شيخه التابعي عن الصحابي مرفوعا، بل روى آخرون ثقات كسَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ العطاردي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اطلعتُ فِي الْجَنَّةِ فَرأيت أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءُ، وَاطلعت فِي النَّارِ فَرأيت أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ» صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة ح3241

    وفي مقابل ذلك فالنساء اكثر أهل الجنة كذلك إن شاء الله .ففي صحيح مسلم عن ابن سيرين قال: اختصم الرجال والنساء: أيهم أكثر في الجنة؟ وفي رواية: إما تفاخروا، وإما تذاكروا: الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ فسألوا أبا هريرة، فاحتج أبو هريرة على أن النساء في الجنة أكثر بقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضواء كوكب دري في السماء، لكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب) صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها باب أول زمرة تدخل الجنة ح ٢٨٣٤.

    ولعل السبب الآخر في ذلك يعود لازدياد عدد النساء مع اقتراب آخر الزمان وهذا ما جاء به الحديث الصحيح عن انس بن مالك قال (سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ مِن أشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، ويَكْثُرَ الجَهْلُ، ويَكْثُرَ الزِّنَا، ويَكْثُرَ شُرْبُ الخَمْرِ، ويَقِلَّ الرِّجَالُ، ويَكْثُرَ النِّسَاءُ… الحديث). صحيح البخاري ح ٥٢٣١.

    بالإضافة إلى منحة ربانية اختصت بها النساء دون الرجال كما جاء في الحديث (أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها) سنن النسائي ح ٣١٠٤ وإسناده حسن صحيح.

    ويبقى الاحتمال الآخر واردا على رأي عدد من حفاظ الحديث واعني بذلك أن تكون جملة ناقصات عقل ودين إلى آخر الحديث.)..من قول الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله .كما عند ابن أبي شيبة وابن عبد البر وابن حبان والحاكم وغيرهم.

    واختم البحث فأقول المرأة نصف المجتمع وترعى النصف الآخر ترعاه أبا وترعاه أخا وترعاه ابنا وترعاه زوجا فاذا أرادت الدول والجماعات والأفراد تصحيح المسار وإصلاح المجتمع وبناء الحضارة وأعمار الأرض فلا بد من مشاركة حقيقية للمرأة في فهم مقاصد الشرع وأحكامه أولا ثم لابد من إعطاءها المكانة اللائقة بها كما هي في آيات الذكر الحكيم وسيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ولا بد من مشاركتها في شؤون الحياة الأسرية وغيرها مع مراعاة الآداب المتعلقة….ولابد من إعطاءها الدور الأمثل في الإصلاح والتغيير الاجتماعي وبناء المجتمع الفاضل كما أخبرت الآية بذلك في قوله عز وجل (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). }التوبة: ٧١{

    وفي نهاية بحثي هذا احمد الله وأقول إن كان ما جاء في بحثي هذا واستنتاجي صوابا فمن الله التوفيق وما كان فيه من خطأ فمني واستغفر الله

    محمد بن الشيخ طاهر البرزنحي

    العاشر من محرم سنة ١٤٤١ للهجرة

    • بااااارك الله فيك أخي.. وفي الذي بحث وانبانا بكل هذا.. تعبت نفسيتي وحياتي بسبب هذا الحديث.. اقلبه يمنيا شمالا.. لم أستطع أن افهمه أو اتقبله ليس لاني امرأه.. وليس لأجل المساواة.. بل لأنه مخالف لكتابه وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والواقع الذي يدهشني
      كم من إهانات تلقيناها بسبب هذا الحديث.. مع اني لم اتكلم عنه او في الدين عموما… حتى يتم الاستهزاء برايي ويتم تجاهلي بشناعه…
      اصبحت حتى .. وانا أحزن لذلك..
      لم أعد اغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم… وان كنت اقوم بكل مره للدفاع عنه ومقاطع الدول المسيئه له.. وادافع عنه لكن بدافع الدخول للجنه وليس بدافع الإيمان والحب العميق له كما طلب منا هو ((لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من ماله وولده ونفسه))

    • السلام عليكم
      يعني لا ادري كم التناقض في هذا الكلام وكل هذا التخبط لأجل عدم رد رواية نسبت للنبي وهو منها براء. يعني لعل كذا ولعل كذا ولعل اخر الزمن النساء هم الاكثر ثم نحاول الترميم بان النساء نصف المجتمع و وووو لماذا كل هذا الدفاع المستميت عن مرويات . والله تيقنت الان لماذا النبي عليه الصلاة والسلام نهى ان يكتب قوله وقال حدثوا عني ولا حرج، ما هذا التشبث حتى لو خالف الواقع والمنطق واهم من هذا وذاك خالف كتاب ربنا. والله تعالى لم يفرق بين ذكر وانثى الا بالتقوى وهو القائل بان اكثر الناس كفارا ولم يقل النساء ولا الرجال .لنتق الله ولنفتح عقولنا المغلقة ونكف عن خداع انفسنا في التشبث في هراء ولنتشبث بكتاب ربنا وتطبيقات نبينا لهذا الكتاب الذي تعهد الله بحفظه.ولم يتعهد لا بحفظ كتاب البخاري ولا غيره .دفاع مستميت عن كتب جعلوا منها قرآنا اخر لا ياتيها الباطل ولو عاد البخاري ومسلم الى الحياة لتبرأوا مما كتبوه عندما يرون ان كتبهم صارت ندا لا بل رجحت على كتاب الله

  • تنزيه الدين المتين عن حديث (النساء ناقصات عقل ودين) :

    اعلم ان الله تعالى امتن على الإنسان بأنه خلقه في أحسن تقويم، وجعل النساء شقائق الرجال في التكليف، الا في بعض الأمور الخاصة.

    وقد جاء في بعض الروايات ما يخالف هذا الاصل الاصيل، وظن بعض الناس ان هذه الروايات منزهة عن العلل والشوائب، والحال أنها منفردات وغرائب.

    وقد تبوأت النساء مناصب القيادة في كثير من الشعوب منذ القدم، وأثنى الله على ملكة سبأ لما قادت قومها الى الاسلام، وفي عصرنا تمدد دور النساء، وصرن عالمات ومخترعات وطيارات ورائدات فضاء، فكيف يقال انهن ناقصات عقل ودين؟ بل يعزى هذا الى الدين الخاتم العظيم؟

    ثم ان هذا الحديث مخالف للقرآن،الذي نص على أن المرأة ذات لب كالرجل تماما، وليست ذات لب ناقص،فقال الله تعالى (لآيات لأولي الألباب)ثم فصل من هم أولوا الألباب،فقال (لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى).

    ولما تبينت مخالفة هذا الحديث للدين والقرآن والواقع، انكب كثير من المتخصصين في الشريعة على ترقيعه، وتلمس معانٍ متكلفة له، والأصل دراسة مدى ثبوته اولا، فإن الفهم فرع الثبوت.

    فقد روى البخاري (٣٠٤)و مسلم (٨٠) من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال للنساء في يوم اضحى او فطر (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من احداكن).

    وروى مسلم (٧٩) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

    وروى مسلم من حديث ابي هريرة نحوه دون ذكر المتن.

    وهذا الحديث لا يصح لما يلي:

    اولا: حديث ابي سعيد تفرد بروايته زيد بن اسلم عن عياض بن عبد الله، كما ذكر البزار، فهو فرد غريب مطلق في طبقتين من طبقات السند.

    وابن أسلم مدلس، وصفه بذلك ابن حجر، واشار الى تدليسه ابن عبد البر، فلا يقبل منه ما لم يصرح فيه بالسماع، كهذا الحديث. (انظر: التدليس للدميني، ص٢٠٠)
    ومن ثبت عليه التدليس مرة، فالأصل عدم قبول عنعنته مطلقا، كما ذكر الشافعي، اما التسامح مع بعض المدلسين بدعوى قلة تدليسه، فطريقة لا دليل عليها.

    ثم ان عنعنة زيد بن أسلم هي نفسها التي جاءت عن طريقها رواية تهديد عمر رضي الله عنه بحرق بيت فاطمة،كما يزعم الشيعة ،فيلزم من قبل عنعنة زيد هنا قبولها هناك، ولا فرق .

    ثانيا: حديث ابن عمر تفرد به عنه عبد الله بن دينار، وتفرد به عن ابن دينار ابن الهاد، فهو حديث فرد مطلق في هاتين الطبقتين.

    وابن دينار وإن كان ثقة عند الاكثر فلا يقبل تفرده، فأين سائر اصحاب ابن عمر عن هذا الحديث؟ لا سيما وقد جعل العقيلي ابن دينار هذا في عداد الضعفاء في كتابه ٣/٢٠٨.

    وليس هذا الحديث الوحيد الذي يتفرد به ابن دينار ولا يحتمل منه، فقد ضعف الامام احمد حديث النهي عن بيع الولاء الذي تفرد به ابن دينار، واعله بعدم متابعة احد عليه. (شرح علل الترمذي، ص٦٢٩) فكذلك الأمر في هذا الحديث.

    فكيف والحديث فوق ذلك فيه علة أخرى، فهو معل بالإرسال؟ فقد رواه عبد العزيز الماجشون عن عبد الله بن دينار عن الحسن مرسلا، ورجح الدارقطني هذا المرسل على المسند، فقال: والمرسل أشبه. (علل الدارقطني ١٣/١٩٥)

    ثالثا: حديث ابي هريرة له عنه طريقان:

    الاول: عن عمرو بن أبي عمرو عن ابي سعيد المقبري، وعمرو مختلف فيه، وقد رجح ضعفه ابن القطان بعد ان استقرأ حديثه، فقال (الرجل مستضعف، واحاديثه تدل على حاله). (بيان الوهم والايهام ٤/١٨٤).

    الثاني : عن عبد العزيز الدراوردي عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه، وفيه علتان: الدراوردي هذا، وسهيل، وكلاهما متكلم في حفظه.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.