حبل الله
التسامح و التحمل (التعايش)

التسامح و التحمل (التعايش)

أ.د. عبد العزيز بايندر

كلمة التسامح تعني، غفران خطأ ما، أو التساهل في حق اغتصب منك، أو الصبر على من أساء إليك. أما التحمل هو التساهل مع الآخر المختلف. والتعايش مع الآخر يعني قبوله مهما اختلف عنك وتقبله واحترامه، حتى وإن لم يعجبك.

لا يجوز إكراه أحد على الدين سواء كان نصرانيا أو يهوديا أو غير ذلك. لأن الله تعالى قد منع الإكراه في الدين ومقتضى ذلك أن يكون الإنسان حرا في اعتناق الدين الذي يريده والعيش حسب معتقداته. فواجب الداعي إلى الله أن يجهد نفسه في الدعوة إليه، وأن لا يبالي باختلافهم، وأن يتحمل ما يلاقيه في سبيل الدعوة، كما قال الله تعالى:

«أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل، 16 / 125).

التسامح تجاه المسلمين

يكون التسامح في الأصل بين المسلمين، فمن الضروري أن لا يتسبب اختلاف الآراء في المسائل المتفرعة بالنزاع بين الطوائف التي تنتمي إلى عقيدة واحدة. ومعلوم أن المسائل الفرعية كانت سببا لنشأة الجماعات والمذاهب الفقهية. ويعتبر المسلمون بأنّ هذا الخلاف يعود عليهم بالرحمة.

وقد اختلف العلماء في الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك اختلفوا في مسألة الإجماع؛ هل تحقق بالفعل أم لا. والنص الوحيد الذي لم يختلف فيه المسلمون هو القرآن الكريم، ومن أجل ذلك يجب على المسلم التسامح مع غيره من المسلمين ما لم تخالف سلوكهم وأفكارهم الأحكام الظاهرة للقرآن الكريم؛ لأنه ليس من الضروري أن يتبع المسلم النتائج الفقهية التي توصل إليها غيره، إلا أن تكون موافقة تماما للقرآن الكريم. قال الله تعالى:

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» (الفتح، 48 / 29).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ» (المائدة، 5 / 54-56).

التعايش مع الكفار

الكافر هو من أنكر شريعة الله كليا أو جزئيا بعد قيام حجتها عليه. ومن ثم فإن التسامح تجاههم يوحي بشعور من الخيانة والنفاق. ذلك أنك تؤمن بالقرآن كله وفي نفس الوقت تتساهل مع من يخالفك في المعتقدات الأساسية ووجهة النظر والتصور للحياة، وتدعي أنك تصفح عنه. وهذا مما يصعب التصديق به. إن اتخاذ النصارى عيسى إلها، ونظرة اليهود إلى الناس جميعا أنهم عبيد لهم شيء لا يمكن أن يقابل بالتسامح. ولكن ينبغي التعايش معهم بالرغم من أنهم لا تعجبك معتقداتهم؛ لأنه لا يمكن إجبارهم على قبول الإسلام.

الإيمان هو عمل القلب

الإيمان هو عمل القلب، ويعني تصديق بالقلب، ولا يطلع على ما في القلب إلا الله العليم بذات الصدور. فلا يمكن الإجبار على قبول عقيدة أو إنكارها. لذا قال الله تعالى:

«لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (البقرة، 2 / 256).

من الممكن أن يُجبرَ الشخصُ على أن يقول آمنت، ولكن قلبه لا يمكن إجباره فيكون بذلك منافقا، وذلك بإظهاره خلاف ما في قلبه، فلا ينفعه إيمانه الذي لم يستقر في قلبه. ولو أراد الله تعالى أن يؤمن الناس بالإجبار لجعلهم مؤمنين بأمر واحد طوعا أو كرها. ولكنه ترك الناس أحرارا بعد أن بين لهم الهدى والضلالة، فمن شاء آمن ومن شاء لم يؤمن، وكل يتحمل نتيجة اختياره يوم الحساب. قال الله تعالى:

«وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (يونس، 10 / 99).

النية

النية هي معيار قبول الطاعة، فبها يُعرف إن أداها طوعا أو  كرها. وهي تعني القرار في فعل شيء أو تركه من القلب. لذا قال صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات”، فهي شرط في العبادة، وبالتالي فإن العبادة لا تكون بالجبر والإكراه كما الحال في الإيمان.

الدين هو المسؤولية الشخصية

كل إنسان مسئول عما يحب ويختار، ويعتقد ويعمل، إذ لا إكراه في الدين، والدين يقوم على أساس القناعة والحرية والاختيار، وهذا أساس توجيه المسؤولية لكل إنسان عما يعمل، وسيرى كل واحد عاقبة فعله واعتقاده وقوله. قال الله تعالى:

«مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» (الإسراء، 17 / 15).

تحريم سبّ الأصنام والأوثان

قال الله تعالى:

« وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأنعام/، 6 / 108).

إن توجيهات القرآن العظيم ظاهرة الإحكام والإتقان، والنظر إلى آفاق المستقبل نظرة فاحصة عميقة بعيدة عن التّعصب، تقدر النتائج بالتقدير السليم البعيد عن مضاعفة المشكلات، وتسدّ كل الذرائع والوسائل المؤدّية إلى الضلالات واتّباع الأهواء والشهوات. والمثل الرائع لهذا: هو النّهي عن سبّ الأصنام والأوثان والمنع منه، وإن كان سبّها حقّا متقرّرا موافقا للواقع، لكن إذا كان السّب ذريعة محرّضة إلى سبّ الإله الحق، كان البعد عن المتسبّب لذلك هو الواجب شرعا وعقلا وسياسة ووعيا[1].

الإعراض عن الجاهلين

لا تصلح حياة اجتماعية ولا تقوم مدنية ولا حضارة بغير أخلاق قويمة، وآداب سليمة، لذا اقترنت رسالات السماء والكتب الإلهية بالدعوة إلى الأخلاق النبيلة والقيم الإنسانية السوية، لأن الإنسان جسد وروح، وغذاء الروح واستدرار العواطف وصلاح البشر يكون بالأخلاق، والخلق يلازم العقيدة، وهو دعوة الدين. وقد أمر القرآن الكريم بمجموعة من القيم والأخلاق، وعلى رأسها المعاملة الحسنة، قال الله تعالى:

«وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ، خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (الأعراف، 7 / 98-200).

دعوة الناس إلى دين الله بلغتهم 

لم يترك الله سبحانه وتعالى عائقا أمام العرب لإيمانهم بالقرآن ونبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فجعل القرآن بلسانهم العربي، وأخبرهم بأنه من كلام الله تعالى ومن عنده، لا من عند محمد عليه السّلام، ولم يتركهم الله من دون إنذار أو تذكير، وحذرهم من تكذيب النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما فعل الذين من قبلهم فأهلكهم الله تعالى ودمّرهم، ليعتبروا بما حدث لأمثالهم، وهذا ما تضمنته الآيات الآتية من سورة الزخرف حيث قال الله تعالى:

«حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ؛ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ؛ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ؛ أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ» (الزخرف، 43 / 1-5).

تحقيق العدالة

الإسلام دين الحق والعدل في كل شيء، مع النفس والأهل والقرابة، وجميع الناس حتى الأعداء، والعدل قائم على الخشية من الله، وتقوى الله في السّر والعلن. قال الله تعالى:

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» (المائدة، 5 / 8).

اتخاذ التدابير اللازمة

وقد تمنى أعداء الإسلام كل شر ومشقة للمسلمين، فإن لم يستطيعوا حربهم وإيذاءهم ودوا من صميم قلوبهم كل فساد وألم وسوء بهم، حيث تظهر البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم من الحسد وإرادة الشر أكبر وأكثر، وقد بين الله تعالى لهم الآيات والعبر التي ترشدهم إلى الخير وتحذرهم من الشر، وهذا تحذير خطير وتنبيه شديد يهز النفوس، ليحذر المسلم من هؤلاء. قال الله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ؛ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ؛ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» (120).

حكم موالاة الأعداء / التعايش شيء والموالاة شيء آخر

وقد حذّر الله تعالى من موالاة الكفار في كثير من آي القرآن الكريم، ونهى عن اتّخاذهم أولياء، أي أصدقاء مقربين، لوجود التهمة وانعدام الثقة بنصحهم وقولهم، ومن أجل الحفاظ على المصالح العامة العليا للأمة، التي إن روعيت تحقق النصر والأمن والمصلحة، وإن ألغيت أو عبث بها بعض الناس، وقعت الأمة في الهزائم المتوالية، والهزّات، والمحن المتلاحقة، قال الله تعالى:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ؛ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» (الممتحنة، 60 / 1-2).

المعاملة بالمثل

قد تدعو الحاجة إلى استخدام السلاح (إعلان الحرب على العدو) حتى لا يطمع العدو بضعف المسلمين فتحصل الفوضى. قال الله تعالى:

«وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ؛ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» (البقرة، 2 / 90-193).

وقد أذن الله تعالى في قتال المشركين المقاتلين:

«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا» ( الحج، 22 / 39).

وتبرر الآيات قتال المشركين فأنهم قد فتنوكم عن دينكم وأخرجوكم من دياركم، وقاتلوكم ونكثوا عهودهم، وأن قتالهم هو دفاع في سبيل الله للتمكن من عبادته في بيته، ولتأديب هؤلاء المفتونين المغرورين، ومع ذلك تمنع الآيات من الاعتداء عليهم ببدئهم بالقتال، ثم منعت الاعتداء حتى في الحرب بأن يستهدف الصغار والعجزة والشيوخ أو من ألقى السلاح.

البر إلى من لم يقاتل المسلمين من الكفار

قال الله تعالى:

«عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الممتحنة، 60 / 7-9).

القتال من أجل تحقيق الحرية

يكون الهدف من القتال أحيانا؛ تحقيق الحرية وردع الظالم وتوفير البيئة الحرة ليعيش الناس في أمن وسلام. قال الله تعالى:

«وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا، الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء، 75_76).

إذا فليحذر المنافقون المراؤون لعلهم يتذكرون فيثوبون إلى رشدهم وليثبت المؤمنون على حالهم ويطمئنوا على مصيرهم لعلهم ينشطون ويبالغون في الطاعة والبعد عن المعصية.

الخاتمة

المسلم هو الذي ينظم حياته وفقا لأوامر الله تعالى ونواهيه، ويسعى إلى تطبيقها في حياته اليومية، فكل عمل يقوم به منذ استيقاظه صباحا وحتى ساعة نومه يكون انعكاسا لتأثير الآيات القرآنية عليه، فكلامه وحركاته وسكناته كلها مستوحاة من الأخلاق القرآنية، تلك الأخلاق العالية هي حلية المؤمن في حله وترحاله وسلمه وحربه، وقد جاء في القرآن الكريم:

«قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» (الأنعام، 6 / 61- 163).

الإنسان الغربي اليوم وصل إلى درجة لا يستطيع أن يتحمل عبء أولاد نفسه. فأصبح يهلك الحرث والنسل والحيوان وكل شيء على وجه الأرض لإشباع رغباته. فكيف ينتظر من مثل هؤلاء تحمل مسؤولية المحافظة على الحياة؟

والمسلم كذلك لا يستطيع أن يتحكم في رغباته مطلقا، فيصدر منه التصرفات العدائية، ولكنه لا يلبث أن يتعقل ويتوب من قريب؛ لأن تلك التصرفات مخالفة للأخلاق القرآنية. لذا نرى التسامح في المجتمع الإسلامي سمة ظاهرة كما أن التعايش مع المخالفين مما تتميز به المجتمعات الإسلامية. ولهذا أمثلة كثيرة نراها في كل مجالات الحياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  التفسير الوسيط ، وهبة الزحيلي، 1 / 592.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.