حبل الله
الثيوقراطية والعلمانية في الكتاب المقدس والقرآن الكريم

الثيوقراطية والعلمانية في الكتاب المقدس والقرآن الكريم

الثيوقراطية والعلمانية في الكتاب المقدس والقرآن الكريم
…………………………………………………………………………………………………
القضايا الأساسية في تركيا مثل السياسة والإقتصاد والقانون وعلاقتها بالدين تُدرس _بوجه عام_ بالأسلوب المعتمد عند النصارى واليهود. فأكثرية المتخصصين في هذه المجالات إمّا انهم لا يعرفون وجهة نظر الإسلام في تلك الموضوعات وإما أنّ معلوماتهم غير صحيحة. وكذلك فإنّ مسألة العلمانية والثيقوقراطية لم تُدرس حسب النظريات الإسلامية؛ لأنهما مصطلحان ظهرا في البلدان النصرانية. ونهدف في هذه المقالة تصحيح ما يتعلق بهما من المفاهيم الخاطئة:
أولا: الكتاب المقدس والثيوقراطية
 الثِيوقراطية تعني حكم الكهنة أو الحكومة الدينية. تتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين إحداهما “ثيو” وتعني الدين والأخرى “قراط” وتعني الحكم.[1] وعليه فان الثيوقراطية هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم موجهين من قبل الإله أو أنهم يمتثلون لتعاليم سماوية، وبناء على ذلك تكون طاعة السلطان طاعة للإله وكذلك العصيان. وقد وُجد للثيوقراطية أدلة في الكتب المقدسة، أمّا القرآن الكريم فلا يوجد فيه دليل على مثل هذا النظام، ولا يقبله أصلا.
أ‌. النصوص الواردة في الكتاب المقدس التي يُستدل بها على ثيوقراطية الدولة:
الكتاب المقدس يتكون من العهدين؛ القديم والجديد. التوراة هي العهد القديم ، والإنجيل هو العهد الجديد. يوجد في الإنجيل نصوص تفيد ثيوقراطية الدولة، أمّا في التوراة لم يأت إلا عبارة واحدة؛ جاء فيها أنّ سليمان عليه السلام قال: ” يَا ابْنِي، اخْشَ الرَّبَّ وَالْمَلِكَ. لاَ تُخَالِطِ الْمُتَقَلِّبِينَ.[2] وقد جاء في الإنجيل أمر بثيوقراطية الدولة في موقعين من رسائل بولس وبطرس. قال بولس في رسالته إلى أهل رومية: “لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ.”[3]
وجاء في رسالة بطرس الرسول ما يلي: ” فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ، أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ. لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ: أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ. كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ. أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ.”[4]
ب‌.                    حول مفهوم الثيوقراطية
يقول جون كالفين وستيفانوس جونيوس بروتوس من المفكرين المسيحين إنّ الديانة النصرانية تأمر بالثيوقراطية.
أ‌. تأويلات جون كالفين للثيوقراطية
يقول كالفين في تفسير ما ورد في الكتاب المقدس من الأمر بالثيوقراطية: وحين قال بطرس: “أَكْرِمُوا الْمَلِكَ.”[5] وسليمان لإبنه: ” يَا ابْنِي، اخْشَ الرَّبَّ وَالْمَلِكَ. لاَ تُخَالِطِ الْمُتَقَلِّبِينَ.[6]  كانا يطلبان منا شيئا. فالأول يقصد الإحترام الحقيقي النابع من القلب مع التعظيم؛ أما الثاني فقد ذكر الملك مع الإله وهذا يدل على أن الملك قد أعطاه الإله نوعا من التقديس والمجد. وينبغي أن لا ننسى أمر بولس الرسول، وهو يعني بقوله: “ لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ.”[7] أن طاعة الملوك، وأولياء العهد والحكام ليس بسبب الخوف منهم بل لا بد من المعرفة أن طاعتهم طاعة للإله. لأن الملوك وأولياء العهد والحكام يستمدون حكمهم من الإله. يقول بولس: “لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ.” لأن من خالف الحكام فقد خالف ترتيب الإله.
فليعرف الكل أنه لا تتحقق مخالفة الحكام إلا بمخالفة الإله. فالحاكم لا ينتقم ممن يقلل شأنه؛ لأنه منزوع السلاح، ولكن الإله مسلح فهو ينتقم ممن يقلل شأن الحاكم. وأرى أن كلمة “الطاعة” تعني: أنه لا ينبغي لأي فرد من أفراد المجتمع أن يرى في نفسه سلطة فيما يتعلق بعامة الناس، وأن لا يتدخل في شؤون الدولة، والأمور المختصة بالحكام، أي لا حق لأفراد المجتمع التدخل في الشؤون الإجتماعية العامة والإدارية.
إذا كان النظام العام فيه فساد فلا يحق لأفراد المجتمع التدخل للإصلاح، حتى لا تحدث إضطرابات، ولأن ذلك ليس من وظيفتهم، فصاحب السلطة الوحيدة في هذا المجال هو الحاكم وحده. أعني أنه لا ينبغي لأحد أن يقوم بأمر إلا إذا طُلب منه ذلك. لأنه إذا أمره الحاكم أصبح مسؤولا ومصرحا له من قبل السلطة العامة.
والحكام الذين يحكون وفقا للمصلحة العامة، هم يمثلون حقيقة سيادة الإله. وكذلك الظالمين والمستبدين من الحكام فهم من الإله لمعاقبة الناس بسبب ذنوبهم. ومع ذلك فإنّ لهم جلالة مقدسة تدلُّ على أنهم يستمدون سلطتهم المشروعة من الإله، وإذا كان الشخص من المسؤولين في الدولة زوده الإله بالسلطة المقدسة الرائعة التي أودعها إلى وزراء عدله وقضائه بأمر منه حتى ولو كان أسوأ شخص خال من المجد والكرم، فإنّه يستحق التعظيم والإحترام من الشعب مثل المقسطين من الحكام؛ ومهما كانت طبائعهم فإنّهم يستحقون هذا التعظيم والإحترام لأنّ الولاء لهم ولاء للدين. وأكرر هذا كثيرا؛ حتى لا نوجه النقد للإنسان بحد ذاته لأنه مخلوق تتجلى فيه عظمة الإله.
ليس علينا أن نعالج السيئات، كل ما هو علينا أن نستعين بالإله الذي بيده قلوب جميع الملوك. والذي لا يُقبِّل أمام الإله من قدسه، ويصدر قانونا ليعاقب المظلومين، ويظلم الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وجميع ملوك الأرض وقضاتها ينزلون من مواقعهم ومناصبهم ويُعاقبون.[8]
ب‌.                    تأويلات ستيفان جينيوس بروتوس للثيوقراطية
يقول بروتوس في تأويل الثيوقراطية: الكتاب المقدس يحكم بسلطة الإله نفسه ويحكم الملوك بسلطة استمدوها من الإله لأن السلطة الأصلية للإله، والملوك هم الممثلون للإله.[9] وأنّ الملك يستمد سلطته من الرب الإله ملك الملوك، يستمد الملك السلطة من الإله لينشر عدله ويحمي شعبه من أعدائه.
نحن نقرأ نوعين من العهود في لبس الملوك للتاج؛ الأول: بين الإله والملِك والشعب ليكون الشعب شعبا لله. والثاني: ما يكون بين الملك والشعب ليكون الشعب صادقا في الطاعة والملك عادلا في الحكم.[10]

[1]    Mümtaz Soysal, Anayasaya Giriş, Ankara1968, s. 16
[2]   الأصحَاحُ الرَّابعُ وَالْعِشرُونَ 21.
[3]   رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الأصحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ 1-5.
[4]  رِسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى، الأصحَاحُ الثَّانِي، 13 – 17.
[5]  رِسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى، الأصحَاحُ الثَّانِي، 13 – 17.
[6]   الأصحَاحُ الرَّابعُ وَالْعِشرُونَ 21.
[7]  رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الأصحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ 1-5.
[8]   جون كالفين، مؤسسة الديانة النصرانية، الكتاب 4، الباب 20 على إدارة الدولة.
[9]  ستيفان جينيوس بروتوس تاريخ الفكر في الغرب، الطبعة الثانية، أنقرة، 1969. ص. 62.
[10]  الرمجع السابقة، ص. 63.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.