حبل الله
الشرك والكفر

الشرك والكفر

الشرك، هو الاعتقاد أن شخصا ما يملك صفة من الصفات الخاصة لله تعالى وبالتالي تأليه هذا الشخص. كما قلنا هذا من قبل. وسنقف عليه في الصفحات التالية بالتفصيل إن شاء الله.

الكفر، هو ضد الإيمان. والكفر في اللغة هو الستر والتغطية، ومنه قيل لليل: كافر، لأنه يستر الأشياء بظلمته وسمي الزارع كافراً، لأنه يستر الحب بالتراب. أو هو رد الحق بعد معرفته والتعامي عنه. كما يقال لمن تجاهل الإحسان ولم يشكر كافرا. يتجاهل الكثير من الناس وجود الله تعالى ويستمرون في حياتهم اليومية بدون اعتبار لوجود الله تعالى بالرغم من كون وجوده حقيقة واضحة. وكذلك الذين يعترفون بوجود الله تعالى نراهم يجعلون بينه وبينهم وسطاء فالاعتبار عندهم هو حسب ما يرى الوسطاء أو الشركاء. ويقال عنهم مشركون. فالكفر والشرك ناحيتان مختلفتان لشيء واحد. أي أن كل كافر مشرك و كل مشرك كافر. قال الله تعالى: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ. رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً. فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ» (البينة، 96 / 1-3).

جاءت كلمة ” المشركين “ في الآية معرفة بـ ” ال “.  لتدل على مشركين معينين، وهم مشركو مكة وما حولها أي المشركين من غير أهل الكتاب. لأن الكلمة إذا أطلقت شملت أهل الكتاب وغيرهم من الكافرين. لوجود آيات تدل على أن أهل الكتاب هم مشركون أيضا. منها قوله تعالى: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (التوبة، 9 / 31).

وما من أمة في التاريخ  إلا ولها نبي . قال الله تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» (الفاطر، 35 / 24). لقد كانت مكة بلد التوحيد، ومنطلق الإيمان أيام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، اللذين بعثا قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف سنة تقريباً. وكان أهل مكة يفتخرون بأنهم من نسل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.[1] وكانوا يؤدون مناسك الحج والعمرة على أنهما من سنن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. ولكن لم يكن لديهم كتاب منزل من الله تعالى لذا لم يطلق عليهم اسم أهل الكتاب. أما اليهود فقد بعث الله تعالى لهم الأنبياء منهم موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة ، وإلى النصارى عيسى عليه السلام وأنزل عليه الإنجيل. لذا أطلق عليهم اسم أهل الكتاب. ولكن التوراة والإنجيل لم يُحْفَظا كما أنزلهما الله تعالى، بل دخل عليهما التحريف والتبديل مع بقاء بعض الأحكام الأصلية التي تتطابق مع ما أنزل في القرآن الكريم من الأحكام. فدعاهم القرآن إلى تلك الأحكام الأصلية. كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (آل عمران، 3 / 64).

أما أهل مكة وغيرهم ممن لا يوجد لديهم كتاب منزل من الله تعالى فدعاهم إلى استعمال العقل بالتفكر والتذكر؛ قال الله تعالى: «وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ» (الأنعام، 6 / 126). وقال تعالى: «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» (النساء، 4 / 115).

وقد وقع  اليهود والنصارى في الشرك مع جود التوراة والإنجيل لديهم. فهذا يدل على أن مجرد وجود كتاب إلهي لا يعني شيئا إن لم يتمّ العمل بموجب ذلك الكتاب. كما نرى كثيرا من المسلمين الذين يحفظون القرآن الكريم في صدورهم ويقومون بتدريسه ونشره ومع ذلك نراهم قد وقعوا في الشرك. فلا بد لتحقيق الإيمان من الثقة التامة بالله والطاعة المطلقة له سبحانه. ولكن كثيرا من الناس يطيعون الله بشروط. وهذا الصنف من الناس ينقسم إلى قسمين؛ قسم يأتون بالشروط بأنفسهم. وقسم آخر يقبلون الشروط التي تأتي بها الديانات المحرفة أو الجماعات الدينية المنحرفة.  إن الذي يرى نفسه أو غيره في مرتبة الإتيان بالشرط في طاعة الله تعالى هو نفسه إذا وقع في مأزق نسي ما أشرك به ودعا الله مخلصا؛ كما أخبرنا الله تعالى عن ذلك بقوله: « وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا» (الإسراء، 17 / 67).

والمشركون على أنواع منهم

1. من يؤله نفسه

كل من يقول أنه لا يؤمن بالله فهو مشرك. وكلهم يعرفون أن لله الوجود وهو واحد أحد. قال الله تعالى: « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» (العنكبوت، 29 / 61- 63). « قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ. فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» (يونس، 10 / 31 – 32).

وحين أمر الله تعالى إبليس أن يسجد لآدم أبى واستكبر لأن السجود لآدم لا يوافق ما عنده من الشروط للطاعة. كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: « وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ» (الحجر، 15 / 28 – 34). «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» (البقرة، 2 / 34).

وقد تظاهر إبليس أنه خالف آدم ولكنه في الحقيقة خالف أمر الله تعالى. إذ أمره تعالى  بالسجود لآدم؛ لذا «قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ» (الأعراف، 7 / 13).ولم ينكر إبليس وجود الله ولا وحدانيته. وقال بعد عصيانه: «… إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الأنفال، 8 / 48). كما كان إبليس يؤمن بالآخرة؛ فهو القائل حين طُرِد: «رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» (الحجر، 15 / 36).

يعتبر الكثير من الناس مثل هذا الشخص الذي يؤمن بالله وملائكته واليوم والآخر “مسلما صالحا”. ومن المعلوم أنه عندما كفر إبليس لم يكن هناك نبي مرسل ولا كتاب منزل يجب الإيمان بهما. وقد بدأ كفره بعدم إطاعة أمر واحد من أوامر الله تعالى. وكذلك الملاحدة، يقبلون من أمر الله ما وافق هواهم وينكرون غيره. وهم أنفسهم إذا مستهم الباساء يؤمنوا بالله وحده. فأهواؤهم هي الإله الأول عندهم، أما الله فيضوعونه في المرتبة الثانية وهذا هو عين الشرك. لذا قلنا كل كافر مشرك وكل مشرك كافر. قال الله تعالى: «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» (الفرقان، 25 /43 – 44). «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ» (الجاثية، 45 / 23).

كل شخص لديه حس الخلود. فهو يعمل كأنه لا يموت. فالإيمان بالآخرة يرضي هذا الحس. والذي يؤله نفسه يرضي هذا الحس بعقيدة تكرار الموت. أي الموت ثم الإحياء بجسد جديد. قال الله تعالى: «وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» (الجاثية، 45 / 24).

ويذهب البعض الآخر لإرضاء ذلك الحس بالقول بانتهاء كل شيء بالموت وبإنكار يوم الدين. قال الله تعالى: «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ. ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ. ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ» (المطففين، 83 / 10- 18).


[1] السيرة النبوية لابن هشام،  تحقيق. م. محي الدين عبد الحميد، بيروت 1401 / 1981. جـ. 1 / صـ 216.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.