حبل الله
ت. الاستفادة من الكتب السابقة في تفسير القرآن الكريم

ت. الاستفادة من الكتب السابقة في تفسير القرآن الكريم

 الإستفادة من الكتب السابقة في تفسير القرآن الكريم

القرآن الكريم مصدق لما بين يديه من الكتاب. قال الله تعالى: «نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ . مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ» (آل عمران، 3/3-4).

إن الوحي متكامل من أول الأنبياء إلى آخرهم. ومعظم آيات القرآن الكريم هي نفس ما أوحي إلى نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى. فقال الله تعالى: «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» (الشورى، 42/13). و بعض آيات القرآن الكريم نزلت على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فقط دون غيره من الأنبياء، وهي تشمل الأحكام المخففة. يقول الله تعالى: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة، 2/106).

وقد نسخ القرآن الكريم الكتب السماوية السابقة. فالنسخ في اللغة؛ «إِبطال الشيء وإِقامة آخر مقامه».[1] والقرآن النسخة الأخيرة للكتب الإلهية و مصدق من الله تعالى. والاتِّباع للقرآن الكريم هو الاتباع للتوراة والانجيل وما أنزل على النبيين. يقول الله تعالى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الأعراف، 7/157).

وفي الكتب السابقة معلومات عن أهل الكتاب نعرف بها كيفية إقامة العلاقة مع أهل الكتاب. قال الله تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (آل عمران، 3/64).

ويمكننا الحصول من الكتب السماوية السابقة على معلومات في حق المجتمعات القديمة. قال الله تعالى: «ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً» (الإسراء، 17/6-7).  

والتوراة أكبر حجما من القرآن الكريم. وبعض الموضوعات التي جاءت في القرآن الكريم مختصرة، وردت في التوراة مطولة. ويمكن الاستفادة مما جاء في التوراة في تفسير الآيات المتعلقة بالموضوع. وعلى سبيل المثال؛ جاء في التوراة أن الأوائل من المجتمع اليهودي كانوا يعبدون بقرة اسمها «أبيس» . ونرى في سورة البقرة أن الله تعالى أمر اليهودَ بذبح البقرة، وأنهم كانوا يبحثون عن الذرائع ليَفِرُّوا من ذبحها. (البقرة، 2/67-71). وإذا جمعنا هذا إلى ذلك يسهل لنا فهمُ تلك الآيات، و سبب عبادتِهم العِجل الذي صنعوه منتهزين غِياب موسى عليه السلام لفترة قصيرة.[2] كذلك نفهم سبب اشتراط اراقة دم الأضحية في عيد الأضحى . قال الله تعالى : «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ» (البقرة، 2/93).

وكلمتي «سمعنا وعصينا» اللتان فسرناهما بـ «سمعنا و تمسكنا بالقوة» غير أن  كلمة «عصينا» في كتب التفسير قد فسرت بمعنى العصيان، فأُشكِلَ على كثير من المفسرين فهم الآية، لأنه لا يمكن  أخذ الميثاق على العصيان. وإذا نظرنا إلى التوراة نجد أن كلمة «عصينا» بمعنى التمسك بالقوة، وهو أحد معاني هذه الكلمة. ومن أراد المزيد يرجى الرجوع إلى موضوع «التمسك بالقوة والعصيان». 

وخلال المطالعة في الكتب السماوية السابقة نعرف الكيفية والكمية في تصديق القرآن إياهم. وهي من أهم الجوانب  في الاستفادة من الكتب السماوية السابقة. فيمكن بذلك التحرز ممّا أُضيف إليها بايدى الناس.


[1] لسان العرب مادة: نسخ.

[2] أنظر إلى الآيات رقم 51، و54، و92، و93  من سورة البقرة.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.