حبل الله
هل الملائكة معصومون عن الخطأ؟

هل الملائكة معصومون عن الخطأ؟

السؤال:

هل الملائكة معصومون عن الخطأ؟ هناك آيات قد يُفهم منها أنهم معصومون وآيات أخرى أنهم غير معصومين، هل يمكن توضيح هذه المسألة مع دعائي لكم بأن يسدد الله تعالى رأيكم ويهديكم وإيانا إلى سواء السبيل؟

الجواب:

الملائكة بنص القرآن متعبَّدون، أي أنهم مكلفون تجري عليهم الأوامر والنواهي كما يظهر في الآيات التالية:

قال الله تعالى:

﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (الأنفال، 12)

﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ (الصافات، 164_ 166)

﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ (الأنبياء، 20)

وكان من تكليفهم أن الله تعالى أمرهم بالسجود لآدم، حيث سجدوا جميعا إلا إبليس أبى واستكبر.

وقد ذهب قوم إلى القول بعصمة الملائكة وأنهم مسيرون. وذهب آخرون إلى أن الملائكة مخيرون لكنهم معصومون ولا يصدر عنهم الخطأ. وقد استدل الفريقان بالآية التالية:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (الحجرات، 6)

قالوا أن الآية نصت على أنّ الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون به وهذا دليل عصمتهم.

ولا يمكن الاستدلال بهذه الآية على عصمة الملائكة للأسباب التالية:

1_ الآية تتحدث عن خزنة جهنم يوم القيامة حيث ينتهي تكليف الثقلين فلا يملك أحد إلا الامتثال سواء كان من الإنس أو الجن.

2_ الآية ليست في سياق ذكر صفات الملائكة كما أنها لا تتحدث عن جميعهم.

3_ لو قال رجل إن ابني لا يعصيني أبدا ويفعل ما آمره، فهل يدل ذلك على عصمة الولد؟ كلا بالطبع، وإنما يدل على تقدير الولد لأبيه وثقته فيه وإدراك حقه عليه.

والحق أنه ينبني على كون الملائكة مكلفين ومحاسبين على أعمالهم عدم عصمتهم. لأنه لا يمكن تصور محاسبة المعصوم؛ فالمعصوم لا يجوز عليه الخطأ، فإن كان الملائكة معصومين فلن يتبقى لحسابهم معنى. والخطاب الموجه للملائكة وغيرهم في الآية التالية يثبت أنهم محاسبون وبالتالي فإنهم غير معصومين:

﴿فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ (سبأ، 42).

إن الملائكة هم المقربون من الجن، فهم من جنسهم وليسوا جنسا مختلفا، وهذا يعني أنهم مكلفون ومسؤولون أمام الله تعالى. ويتضح هذا من قوله تعالى:

﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، سُبْحَانَهُ، بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنبياء،26_27)

فالملائكة عباد مكرمون ذووا درجات عالية، وقد قربهم الله تعالى إليه ووكلهم بأعمال عظيمة. ولأنهم عباد مكلفون وغير معصومين بطبيعتهم فإنهم محل للتحذير من الانزلاق نحو المعصية وادعاء الألوهية. قال الله تعالى:

﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ (الملائكة) إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ (الأنبياء، 26_ 29)

والآية التالية تحسم الجدل في هذه المسألة:

﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ (النساء،172_ 173).

فبعد أن ذكر الله تعالى أن عيسى بن مريم والملائكة لن يستنكفوا أو يستكبروا عن عبادته سبحانه، أردف قائلا:

﴿وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾

تثبت هذه الآية عدم عصمة الملائكة لأنهم سيحاسبون، وهم تحت طائلة التهديد إن استكبروا عن عبادته.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على مقالة د. جمال نجم (الجن والملائكة) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%a6%d9%83%d8%a9/

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.