حبل الله
التبرع الذي فيه إضرار بالنفس أو الأهل

التبرع الذي فيه إضرار بالنفس أو الأهل

السؤال:

ما هو التصرف الصحيح إذا كان بيت العائلة باسم أمي وبسبب مشاكلها وانفصالها عن الزوج تقوم بتوكيل محامي للتبرع بالبيت كاملا للأزهر للبنات اليتيمات المغتربات، مع العلم بأن والدي هو الذى اشترى هذا البيت فهل يجوز فعلها؟

كما أن لها ابنا متزوجا مغتربا سوف يعود بسبب ظروف العمل غير الجيدة ومعه زوجته وابنه وليس له مكان آخر. ونحن ٣ بنات وابنان

أمي عندها مشاكل صحية نفسية منذ زمن وتقوم بزيارة الطبيب وأنا أذهب معها، ولا تتقبل أي نصح ولا رأى أحد.

الجواب:

في البداية نوضح أن المال الذي أعطاه الزوج لزوجته بكامل إرادته يُعد مالها الخاص، لأن الهبة من وسائل التملك المشروع، فلا يحق له ولا لأبنائه مطالبتها به امتثالًا لقوله تعالى:

﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ النساء (20)

وقد أعطى الله تعالى للإنسان حرية التصرف في ماله، ولكنه في الوقت نفسه وضع قيودًا على الإنفاق من هذا المال بما لا يضر به نفسه أو ورثته من بعده، ولهذا كان رد غير المؤمنين عند دعوتهم للإيمان:

﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ، إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ هود (87)

وذلك لعلمهم أن لإيمانهم تبعات مفروضة على جزءٍ من مالهم حتى لو كان يسيرًا متعلقة بأوجه الإنفاق في سبيله، كما يقرره سبحانه:

﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ المعارج (24: 25).

وعلى الرغم من دعوته سبحانه وتعالى عباده للإنفاق في سبيله إلا أنه وضع قيودًا تتمثل في عدم الإسراف أو التبذير حتى لو كان الإنفاق في وجوه الخير والبر، فقد جعل للإنفاق مراتب وأولويات ورتب مستحقيه لكي لا يطغى ويحيف المؤمن على ذويه وأقاربه، كما جاء في قوله تعالى:

﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ، قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ البقرة (215)

فلا يتصدق المؤمن بماله كله ويترك ذوي أرحامه في ضيق وهم أولى به وهو أولى بهم، امتثالًا لأمره جل جلاله:

﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا، كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ الأحزاب (6)

ولو فعل الإنسان ذلك لانتقل من مرحلة التصدق والإنفاق المرغوب فيه إلى التبذير المنهي عنه فيكون أخًا للشياطين الذين جنحوا عن أمره تعالى، وعرض نفسه للوم والحسرة ولورثته من بعده حيث قال تعالى:

﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ…. وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ الإسراء (26: 29)

ومن هنا فعلى الأبناء أن ينصحوا الأم بالتبرع بجزء من البيت (كشقة واحدة مثلا) أو (دور من أدواره) لهؤلاء اليتيمات وأن تترك بقية البيت لنفسها ولأولادها، فلربما احتاجت هي إليه واضطرت لبيعه أو جزء منه أو احتاج أولادها: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ لقمان (34).

وألا يجرمنها غضبها من أبيهم على معصيتها لله تعالى وظلم أولادها وأن تتقي الله في أفعالها:

﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المائدة (8)

فسواء أكان الأولاد فقراء أم أغنياء فقد جعل الله تعالى لهم نصيبا في أموال آبائهم، فعليها أن تلتزم القسط في مالها ولا تنساق وراء أهوائها وتُعرض عن أوامر الله تعالى ونواهيه:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا، فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا، وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ النساء (135)

وفي حالة رفضها النصح والإرشاد وكانت عاقلة راشدة فلا يحق للأبناء أن يمنعوها من التصرف في مالها حتى لو تبرعت به كله، وهي تحمل إثم مخالفتها تعاليم ربها وحسابها على الله تعالى:

﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ الأنعام (52)

ولا ينبغي لأولادها أن يسيئوا معاملتها حتى لو كانت كافرة امتثالًا لأمره تعالى:

﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لقمان (15).

أما إن كانت مريضة نفسيا ولا تستطيع اتخاذ القرار الصائب وأثبت الطبيب المعالج وغيره من أولي العلم في الطب النفسي أن أفعالها لا ضابط لها وأنها بلغت حد السفه وعدم القدرة على اتخاذ القرار السليم ففي هذه الحالة يحق لهم اللجوء للقضاء للحجر على تصرفاتها، لأنها تُعد سفيهة، وقد قال الله تعالى:

﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ النساء (5)

ولو حدث ذلك فعليهم واجب أكبر في رعايتها حق الرعاية بالإنفاق عليها من مالها كما تحب وكما اعتادت حتى تعود إلى رشدها امتثالًا لقوله جل وعلا:

﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾ النساء (6)

وعليهم الرأفة بها والتعامل معها بالرحمة والعطف امتثالًا لأمره سُبْحَانَهُ:

﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ الإسراء (24)

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.