حبل الله
تأثير الأبراج على الإنسان في ضوء الإسلام

تأثير الأبراج على الإنسان في ضوء الإسلام

السؤال:

هل في الإسلام ما يُعرف بالإيمان بالأبراج؟ وهل للأبراج تأثير حقيقي في حياة الإنسان أو في صفاته وسلوكه؟ فقد أصبحنا نرى في هذا الزمان من يربط أفعاله أو قراراته بما يُقال عن الأبراج، بل إن بعض المنتسبين إلى الدين يتأثرون بها. فما الموقف الصحيح من ذلك؟

الجواب:

الأبراج في أصلها ظواهر فلكية، وهي تجمعات من النجوم تبدو لنا في السماء بأشكال مختلفة، وقد سمّاها الناس بأسماء معيّنة كالأسد، والعذراء، والميزان، وغيرها. أما من الناحية الشرعية، فهذه الأبراج لا تملك أي تأثير ذاتي في مصير الإنسان أو سعادته أو شقائه، لأن التأثير في الكون كلّه بيد الله وحده لا شريك له، قال تعالى:

﴿‌قُلْ ‌لَا ‌يَعْلَمُ ‌مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65] 

المؤثر الحقيقي في عاقبة الإنسان

المؤثر الحقيقي في عاقبة الإنسان في حياته وبعد مماته هو سلوكه ومدى التزامه بالسنن الكونية والتعاليم الإلهية. قال الله تعالى في الملتزمين:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ‌فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97] 

وقال في المعرضين:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ‌ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124] 

فالأبراج لا تملك نفعًا ولا ضرًا، ولا تُغيّر من خلق الله شيئًا، وإنما الإنسان يُكرم بطاعته لربه، ويسعد بإيمانه وعمله الصالح. وكل ما يصيب المرء من خير أو شر فهو نتيجة كسبه، لا بنجمةٍ ولا بكوكبٍ ولا ببرج.

﴿فَمَنْ ‌يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8] 

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا ‌كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38] 

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا ‌فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105] 

فالسعيد حقًّا ليس من وُلد تحت برجٍ معين، بل من أشرقت شمس الإيمان في قلبه، واستضاءت حياته بطاعة ربه. وإذا أراد الإنسان أن يعرف مستقبله، فليعلم أن مستقبله بيده هو، بصلاح عمله وصدق نيّته وإخلاصه لله تعالى.

تأثير الشمس والقمر

الشمس والقمر وكلك البروج التي جعلها الله في السماء هي آيات على عظمة الخالق وتفرده في مقامه:

﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ ‌بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61-62] 

﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ [الملك: 3] 

قد يكون للقمر أو للشمس أثر طبيعي محدود على بعض الظواهر كالمد والجزر أو الضوء والحرارة، لكن ذلك من سنن الله الكونية التي جعلها بقدرٍ معلوم، ولا علاقة لها بتغيير طباع الإنسان أو رسم مستقبله، قال الله تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ ‌مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ، مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ، يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 5] 

تقييم فكرة تأثير الأبراج على مستقبل الإنسان

الاعتقاد بأن لميلاد الإنسان في برجٍ معيّن تأثيرًا خاصًا على شخصيته أو على مجريات حياته، فذلك من الخرافات التي لا أصل لها في الدين ولا في العلم.

فالإيمان بالأبراج على نحوٍ يجعلها سببًا لمعرفة الغيب أو تحديد المصير هو نوع من الشرك الخفي، لأنه ينسب التأثير لغير الله تعالى، أما قراءتها لمجرد التسلية مع علم القارئ ببطلانها، فهي من اللغو الذي ينبغي للمسلم تركه؛ لأن كثرة الانشغال به تضعف التوكل على الله بتعلّق القلب بغيره. قال الله تعالى:

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ ‌فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51] 

﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ ‌فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف: 67] 

الدافع لترويج هذه الأفكار

إن الذين يروّجون لمثل هذه الأفكار غالبًا ما يستغلون جهل الناس، فيزعمون أنهم يعرفون مستقبلهم أو ما سيقع لهم في أيامهم المقبلة، فينخدع بهم البعض ويتّبع نصائحهم، فيقعون في فخّ الخرافة والتنجيم. وهذه وسيلة من وسائل الاستغلال النفسي والمادي التي حذّر منها الإسلام.

ولْنحذر جميعًا من أن ننسب للأفلاك ما هو من شأن الخالق سبحانه، فإن الله وحده يعلم الغيب، وبيده مفاتيح الرحمة والرزق والنجاح. فاجعل قلبك معلّقًا بربك، لا ببرجٍ ولا بكوكب ولا بظاهرة كونية:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا ‌أَشَدُّ ‌حُبًّا لِلَّهِ، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: 165] .

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.