السؤال:
السلام عليكم. لماذا هناك أحكام كثيرة ظالمة وقاسية تجاه المرأة، أقل مثال حكم الملاعنة الذي هو حق خالص للرجل وليس حق للمرأة أن تبدأ فيه رغم أنه نفس الذنب، وحتى في نتيجة الكذب كان اللعن للرجل والغضب للمرأة والغضب أشد من اللعن باتفاق العلماء، رغم أن كذب الرجل قذف وكذب المرأة محاولة لستر النفس، ولا أبرر هذا الذنب بالطبع. وهذه هي الآية:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: 6- 9]
لو قذف الرجل زوجته لاعنها ولو فعلت رُجمت، أين العدل؟
أين رحمة الله بالمرأة؟ حتى في حكم الزنا الأول قبل أن يُنسخ لحكم واحد في الزاني والزانية، كان الحكم على الأنثى أن تبقى سجينة البيت حتى الموت، في قول الله:
﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: 15]
وهذا غير الإيذاء طبعاً.
أما الحكم على الرجل الذي فعل نفس الذنب كان الإيذاء وكم بين الحُكْمين من اختلاف وظلم واضح، رغم أن الحكم نُسخ إلا أن الشعور بأن الله كان أرحم بعباده الرجال _بشكل خيالي_ شيءٌ مؤذٍ ومثيرٌ للرعب، كيف أظن أن الله عادل بعد أن أعلم هذا؟ هل وسعت رحمة الله المرأة حقاً؟ سيكون مرعباً إن كان هذا حال المرأة عند الله بالرحمة.
نحن لسنا سواسية مع الذكور أبداً، لسنا في نفس الاختبار ولم نحصل من الإله على الشيء ذاته، إلهنا وإن كان واحداً، لم يكن معنا ومعهم واحداً، لم ننل من مواساته ومحبته وخطابه ورحمته شيئاً كما نال الرجل، لم تكن الدنيا لنا متاعاً كما كانت للرجال، لم ننل من أحكامه مواساة ورحمة نسيّر بها دنيانا.
أليس الإسلام جاء ليهدي الناس للتي هي أقوم؟ أليست النساء من الناس؟ هل كان الشيء الأقوم هو التجبر على النساء كما في الجاهلية لكن الفارق أنه بنصوص شرعية من مالك الأرض ومالك الناس؟
ما الأقوم في هذه الأحكام؟ ما الشيء الجيد فيها وأنا لا أراه؟ ما هو العدل أصلاً في مقياس هذا الدين؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله
إن السائلة الكريمة قد طرحت تساؤلات كثيرة حول التفرقة بين الذكر والأنثى، والتي ترى فيها ظلما للمرأة كما كان في الجاهلية ولكن – على حسب فهمها المسألة من خلال العلماء أن الظلم هنا يقع تحت راية الله ورسوله – وبالطبع هذا الفهم مستمد من المعتقد السائد في التراث الفقهي والمذهبي سواء أكان في الأحكام أو العقوبات أو العبادات وصولًا إلى التفرقة بينهما في نعيم الجنات، وقد قسمناها في عدة مسائل حتى لا نطيل في الرد ويتشعب الأمر وسوف نقوم بنشرها تباعًا بإذن الله تعالى.
وبالنسبة للسؤال حول اختلاف عقوبة المرأة في حالة الفاحشة وما ينالها من الغضب فإن السائلة الكريمة ورغم كل ما تظنه من الظلم في جنب الله تعالى إلا أنها مازال بداخلها بقية من فطرتها النقية فأجابت بنفسها – ودون أن تدري – عن السبب الذي جعل الله سبحانه وتعالى الغضب في حق المرأة واللعن في حق الرجل حين قالت (رغم أن كذب الرجل قذف وكذب المرأة محاولة لستر النفس ولا أبرر هذا الذنب بالطبع) وسوف نبيِّن كيف أدركت بفطرتها وأبصرت بنفسها ونطق لسانها بالحق فسبحان الذي أنطقها!!
ولكن قبل ذلك نود أن نشير إلى نقطة غاية في الأهمية ينبغي أن تضعها نصب أعينها في إجابة هذا السؤال وما سنقوم بنشره إن شاء الله من بقية التساؤلات؛ حتى يتضح الأمر ولا يكون لديها مجال للشك ألا وهي:
- أننا لسنا هنا للدفاع عن المرأة، بل الأكبر من ذلك أننا لسنا هنا حتى للدفاع عن الإله ولا عن كتابه ولا عن رسوله؛ إذ أن مهمة الدفاع شأن رب العالمين وليس المخلوقين ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وهو وحده القادر على الدفاع عن دينه ورسوله الذي أدى الأمانة على أكمل وجه، ويكفيه شهادة ربه وملائكته ﴿لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ النساء (166).
وبناء على ذلك فلتتيقن السائلة أنه إن كان هذا الظلم والتجبر على المرأة هو الحق من عند الله فأنا أول العابدين وكما قيل على لسان الرسول:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف: 81] والمقصود (إن كان ما ذُكر في التفرقة بين الرجل والمرأة حق من عند الله تعالى وأنزله في كتابه فنحن أول المصدقين)
نقول هذا حتى لا تظن الكثير من الفتيات أننا نحاول الدفاع لتجميل صورة الدين أو انتصارًا لضعفهن تحت شعار الرحمة والرأفة بهن، إذ أنه مهما حاولنا فلن نكون أرحم عليهن ممن خلقهن.
فمهمتنا فقط تنحصر في التبليغ ونصرة الحق، وإن لم يعقله الناس فقد أبرأنا ذمتنا وأعذرنا إلى ربنا العظيم.
فأما عن التبليغ، فسوف يكون مما أنزله رب العالمين في كتابه أسوة برسولنا:
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ…﴾ المائدة (67)
وما أُنزل عليه هو الكتاب الذي لم يتغير ولم يتبدل:
﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ الكهف (27)
والذي أمرنا أن نحكم به لا بغيره من كتب البشر:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ النساء (105)
وهو الذي نهانا عن الاحتكام لحكم الجاهلية:
﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ المائدة (50)
ونهانا أن نطيع سادتنا وكبراءنا أصحاب الفرق والشيع والمذاهب حتى لو سموا أنفسهم بالعلماء:
﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ الأحزاب (67)
وذلك تحت شعار سنة الرسول الذي هو بريء مما افتري عليه تحت هذا المسمى، وسيشكونا الرسول ربه لهجرنا كتابنا واتباعنا الظنون:
﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ الفرقان (30)
إذ لا سنة إلا سنة الله، والنبي أول الناس باتباعها:
﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ الأحزاب (38)
﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ فاطر (43).
أما من ارتضى قولًا غير قوله وابتغى حكما غير حكمه فهؤلاء هم الظالمون وليس رب العالمين:
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ المائدة (45).
وأما عن البراءة، فنحن نتبرأ من كل ما افتري على الله تعالى وعلى رسوله من أحكام ظالمة وتأويلات باطلة قائمة على الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا فاتخذ الناس أصحابها آلهة من دون الله وصدقوهم وكذبوا بكتابه، وذلك امتثالًا لأمره جل وعلا:
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً، قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ، أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ، قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ الأنعام (19).
ولهذا فنحن ندعو السائلة الكريمة وغيرها من الفتيات وكذلك الرجال الذين صدقوا ما تقول الظالمون على الله تعالى وعلى رسوله، فربما انخدعوا بانتسابهم إلى الإسلام حالهم حال الفتيات وربما أرادوا التصديق ليزكوا أنفسهم على حسابهن، وربما رفضوا بفطرتهم لكن ليس لديهم دليل براءة الرسول من الأقاويل والافتراءات على ربه، ندعو كذلك أتباع المذاهب والروايات الذين يعتلون منابر الإعلام والمساجد والمواقع الالكترونية، ندعو الجميع ونحن معهم أن نجتمع على كلمة الله تعالى كما قال تعالى:
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران (64)
وقد اتخذ كثير من المسلمين كتب أصحاب المذاهب والشيع والأحزاب والمفسرين والشيوخ والدعاة أربابًا من دون الله تعالى.
فمن احتج بغير الكتاب من بعد ما جاء فيه من العلم فلنبتهل جميعًا أن نجعل لعنت الله على الكاذبين كما أمرنا الله تعالى:
﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ آل عمران (61)
أما بعد… فلنبدأ في الرد بسم الله الرحمن الرحيم
إن السائلة الكريمة نقلت عن البعض قولهم أن الغضب من الله تعالى على المرأة الزانية التي كذبت هو أشد وأعظم من اللعنة على الرجل الذي رماها بالزنا في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ النّور (6: 10) وقد أعطوا على ذلك من المبررات التي تدين المرأة وتبرئ الرجل.
وليت الأمر يتوقف على قولهم هذا؛ إذ أنه سواء أكان غضبًا أو لعنة فهو بين العبد وربه ولا يملك عواقبه إلا الله وحده، لكن بعضهم لم يكتف بذلك وإنما أباحوا للرجل وأعطوه الحق في قتل زوجته إذا رآها في حالة الزنا ولم يستطع أن يأتي بالشهداء ولم يتمالك نفسه فقتلها فلا قصاص عليه ولا دية!! فهي من وجهة نظرهم مغضوب عليها ومهدور دمها وفي النار خالدة. وسنرى إن كان كلامهم صدقًا وعدلًا أم أنهم يقولون منكرًا من القول وزورًا؟!
فبالنسبة لقولهم أن الغضب أشد من اللعنة، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
- فإن كان كذلك، فلماذا حكم رب العالمين باللعنة على إبليس حين قال له: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ص (78) ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ﴾ الحجر (35) وهو الذي كفر بأمر ربه وكان أشدهم معصية واستكبارًا عن أمره وهو الذي تسبب في إغواء أبينا آدم وزوجه وذريته إلى يوم الدين، فلماذا لم يقل: (عليك غضبي) أو (عليك الغضب) أليس من المفترض أن يحكم عليه بالحكم المشدد الذي حكم به على النساء؟!
أم لأنه (ذكر) فقد حكم عليه بالحكم المخفف الذي حكم به على الرجال؟!
فيا ترى أحب الله تعالى الشيطان كما أحب الرجال وفضلهم على النساء؟!
وكذلك نتساءل، ألا يغضب الله تعالى على الرجال؟!
فماذا عن الدعاء الذي نردده في كل وقت وحين، ألا وهو هدايتنا إلى الصراط المستقيم ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ الفاتحة (7) فهل (غير المغضوب عليهم) أم الأصح أن نقول (غير المغضوب عليهن)؟!
﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾؟!
- وماذا عن قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ آل عمران (86: 87)
فهل القوم المذكورين في الآية هم أخف حكمًا من النساء ولذلك استحقوا الحكم المخفف ألا وهو: ﴿لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾؟!
- وماذا عن قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا…﴾ المائدة (64) وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ الرعد (25)
هل كل هؤلاء يستحقون الحكم المخفف ولذا حكم عليهم باللعنة ولم يحكم بالغضب؟!
- وإذا جئنا إلى الغضب نجد قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ الأعراف (152)
وقوله: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي، وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ﴾ طه (81)
وبالطبع من اتخذوا العجل وطغوا ليس جميعهم نساء ليستحقوا غضبه تعالى.
- وماذا عن اجتماع الغضب واللعن؟ كقوله تعالى ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ النساء (93)
وقوله: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ الفتح (6)
وقوله: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ المائدة (60).
فلماذا نال هؤلاء الغضب واللعن في آن واحد؟ أيا ترى خص الله تعالى في الآيات هنا المرأة القاتلة والمنافقة والمشركة وعبدة الطاغوت بالغضب ووصفهن بالقردة والخنازير، أما من فعل ذلك من الرجال فخفف الحكم عليه باللعن؟!
فمن أين جاء القول بأن اللعن الذي هو جزاء إبليس والمشركين والكافرين والمفسدين وناقضي العهود والمنافقين هو أخف من الغضب؟! أم أن كل هؤلاء أحب وأفضل عند الله تعالى من امرأة فعلت فاحشة وكذبت سترًا لنفسها؟! فــــ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾؟!
ليتضح لنا مما سبق وغيره من الآيات البينات أن لعنة الله تعالى أشد من غضبه؛ لأن غضبه تعالى يتبدل بالرضا إذا تاب العبد عن معصيته وأصلح، وذلك كغضب الوالدين على أولادهم والذي يخفي وراءه الشفقة والرحمة فما بال رحمة أرحم الراحمين، أما من لعنه ولم يتب فقد طرده من رحمته ومن جنته كما لُعن إبليس ومن سار على خطاه، فقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ النساء (52).
ولهذا قلنا أن السائلة الكريمة أجابت بنفسها حين ذكرت أن المرأة حتى وإن كانت كاذبة في شهادتها فقد كذبت سترًا لنفسها، وهذا ما أرساه أرحم الراحمين حين قال في حقها: ﴿وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ النّور (9) لأنه سبحانه يعلم أنها حتى لو زنت واعترفت في شهادتها فسوف تموت وهي على قيد الحياة – وبصرف النظر عن عذابها بالمئة جلدة – فسوف يلحقها وأهلها وأولادها العار والخزي طيلة حياتهم وسوف يتمنون الموت في كل لحظة كي لا يعيشوا بالذل والهوان، فمن سيرضى بها زوجة أو أخواتها وبناتها والناس تشير إليهم بأصابع الاتهام لمجرد خطأ أختهم أو أمهم، وكأنها طُردت من الحياة بأسرها؛ ولذا فمن رحمته سبحانه أن جعل الغضب في حقها ليعطي لها الحق الكامل في التوبة دون أدنى شك أو فضيحة تلاحقها ودون أن تعترف على نفسها ففتح لها بابًا للستر يقابله باب التوبة عن فعلتها وكذبها في شهادتها ، وكما قالت السائلة (ليس عذرًا لها) وإنما هو فضل منه سبحانه ورحمة بضعفها وقلة حيلتها وكرامة أهلها وأولادها، ولذلك ختم الآيات بقوله: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾
وعلى العكس تمامًا حين جاء عقاب الرجل الذي رمى زوجته بالزنا بلعنته: ﴿وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ النّور (7) وذلك لأنه لو كان كاذبًا فقد أراد فضيحتها وأراد حرمانها من حياة آمنة بعيدة عن الأذى، وكان الأولى به – حتى لو رآها وهي تزني – أن يسترها وأهلها وأولاده، ولكنه كما عمل على طردها من أعين الناس واحترامهم ومن حياتهم كان الجزاء من جنس العمل فطرده رب العالمين من رحمته كما فعل بالشيطان الرجيم.
أما بالنسبة للأحكام الواردة في كتب الفقه والمذاهب تحت مسمى الملاعنة ونفي الولد فلا أساس لها من كتاب الله تعالى وقد افتريت عليه ظلمًا وزورًا وذلك من عدة وجوه:
- من حيث المسمى نفسه باللعان، حين قالوا بالملاعنة بأن الزوج يلاعن زوجته؛ إذ أن اللعن أو الغضب يقع منه تعالى في هذا الأمر بدليل قوله (غضب الله… لعنة الله) والمسمى الصحيح هو الرمي بالزنا.
- وكذلك حين جعلوا الآيات حكمًا خاصًا بالرجل في اتهام زوجته بالزنا ولم يجعلوا للمرأة حق في ذلك رغم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ النّور (6) فذكر (أزواجهم) والتي تشمل الجميع وأكد ذلك بقوله (فشهادة أحدهم…) أي الذي بدأ برمي الآخر، فكما يحق للرجل اتهام المرأة بارتكاب الفاحشة سواء أكان رميه لها لحرمانها من حقوقها المادية أو نفي الولد أو حتى مجازاتها على فعلتها، فكذلك من حقها أن تتهمه لحفظ حقوقها كاملة عند طلبها الفراق أو مجازته على فعلته.
وكما أنه من حقه أن يعيش مع زوجة عفيفة فقد أوجب لها نفس الحق في أن تعيش مع رجل عفيف مصداقًا لقوله تَعَالَى:
﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ النّور (3)
ولذا جاء اللعن في حق الرجل لأنه كان أمامه باب غير الزنا بالتعدد ولكنه فعل ذلك سفاحًا وليس نكاحًا فاستحق لعنته تعالى.
- ولو ميَّز الله تعالى الرجل على المرأة لجعل العذاب على زوجته بعد شهاداته الخمس ولما أعطى المرأة الحق في الدفاع عن نفسها، ولكنه تعالى أغلق في وجه الرجل باب فضح زوجته ليأكل حقوقها ويُخرجها من بيتها؛ إذ أنه قد حرم أخذ حقوقها – من المهر والنفقة – إلا في حالة إتيانها الفاحشة، ولذا اشترط أن تكون فاحشة مبينة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ النساء (19)
وقوله: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ الطلاق (1)
- وإن قيل أن هذا الحق فقط للزوج فقط دون الزوجة لقوله تعالى: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ…﴾ النّور (8) ولم يقل (ويدرأ عنه العذاب) يرد على ذلك بأن عقوبة رمي المحصنات وما ترتب عليها من الشهود أو الشهادات واللعن قد شرع في الأساس من أجل حماية المرأة وصون كرامتها، لذا جاء الخطاب فيها بالضمير المؤنث، ولكنه لا يمنع وجود تلك العقوبة إن رمي الرجل بتهمة الزنا، فكذلك الرجال الصالحون يحتاجون إلى حمايتهم من الاتهام بارتكاب الفواحش لصون كرامتهم؛ إذ أن رمي الصالحين بالزنا يعرضهم لسوء السمعة ونفور الطيبين منهم وعدم قبول العفيفات نكاحهم لقوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً…﴾ النّور (3) وكذلك يؤثر بالسلب على أمهاتهم وبناتهم اللائي سوف يتضررن بسوء سمعته. وعلى ذلك فإن حق الشهادات الخمس مكفول لكلا الزوج أو الزوجة.
- والأدهى والأمر من ذلك هو نفي الولد الذي جعلوه مترتبًا على اللعان! فلم يقل الله تعالى في الآيات أن الرجل إن شهد بالشهادات الخمس ُنفي ولده عنه وخاصة إن شهدت الزوجة بكذبه، وهذا يعني أنه إن لم تعترف المرأة بأن الولد ليس له ولم يتم إثبات ذلك بأي من طرق الإثبات فإن الولد يُدعى إلى أبيه (الزوج) امتثالًا لأمره تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ…﴾ الأحزاب (5) وإلا فإن ذلك يفتح الباب لكل من تسول له نفسه نفي نسب أولاده وقتما أراد تحت مسمى اللعان.
فكيف يشترط الله تعالى أن تكون الفاحشة مبينة لحرمان الزوجة من حقها ولا يشترط ذلك في نفي نسب الولد وهو أشد وأعظم من الحقوق المالية ويكتفي فيه بشهادات الرجل!!
إن المتدبر لحكمة أرحم الراحمين في سورة النور سواء في عقاب الزانية والزاني من حيث التماس الشهود الذي يصعب حدوثه، أو في رمي الأزواج بعضهم لبعض ومطالبتهم فقط بالشهادات التي تجعل أمرهم سرًا بينه تعالى وبين عباده إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم، فأراد أن يصون للزوجة وللمرأة والأسر بشكل عام كرامتها ويحفظ لها سمعتها وعزتها كي لا يتجرأ عليها أحد، فهذا الجزاء ليس مقتصرًا فقط على الزوج وإنما جزاء كل من يفعل ذلك مع كل امرأة، حتى ولو كانت غافلة عن بعض أوامره، وبيَّن أنه لا تُقبل شهادته ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ النّور (4) وإن لم يتب فسوف يُفضح ويُلعن في الدنيا والآخرة على رؤوس الأشهاد حين تشهد عليهم أعضاءهم ووصفهم بالخبيثين أصحاب القول الخبيث ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ…﴾ النّور (23: 26)
أما بالنسبة لقول السائلة أن عقوبة الرجم على الزانية، فإن ذلك كان في الشرائع السابقة ولكنه في الشريعة الخاتمة كما ذكر في سورة النور وهو حكم واحد على المرأة والرجل سواء أكان متزوجًا أم غير متزوج فقال تعالى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ النّور (2)
ولم يبح للرجل قتل المرأة حتى ولو ثبت عليها الزنا، وعلى كل من قتل زوجته تحت هذا المسمى القصاص بقتله ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ المائدة (45) ودم هذه المرأة التي قتلت في رقبة قاتلها ورقبة كل من أفتى بقتلها وافتراه على الله تعالى وعلى رسوله مصداقًا لقوله ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ العنكبوت (13).
وهنا ملمح تجدر الإشارة إليه ألا وهو، مساواة شهادة المرأة بشهادة الرجل، ولو كان كما يزعم البعض أنها على النصف من شهادته في كل الأحوال – وليس فقط في التجارة التي تتم في الأسواق – لجعل الله تعالى على الرجل خمس شهادات وعلى المرأة عشر ولكنه تعالى ساوى بينهما ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ… وَالْخَامِسَةُ… وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ… وَالْخَامِسَةَ﴾
وكما تحققت رحمته تعالى بالمرأة في حالة الزنا وتغليظ العقوبة على الرجل الذي رماها نجد رحمته بها تحقق في عقوبة إتيان الفاحشة بين النساء وحدهن، والفرق بينها وبين عقوبة إتيان الفاحشة بين الذكور وهي ما تُسمى بالمثلية أو الشذوذ الجنسي.
- نجد في قوله تعالى ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ النساء (15)
فالآية الكريمة هنا تتحدث عن النساء فقط بدليل قوله ﴿وَاللَّاتِي﴾ الخاص بجمع الإناث ويؤيده قوله ﴿مِنْ نِسَائِكُم﴾ والذي اشترط فيه ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً﴾ وهو ما يصعب تواجده ولكي يلاحظه الشهود ويجتمعوا عليه ففيه دلالة على تكرار الفعل ووضوحه، فإن تأكد الأمر بالشهادة فكان الجزاء بالإمساك في البيوت.
والإمساك لا يعني السجن أو الحبس في غرفة من البيت؛ إذ أن كلمتي الحبس والسجن قد جاء في كتاب الله تعالى ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ…﴾ يوسف (36) ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ المائدة (106) ولو أرادها لقالها صريحة (فاحبسوهن أو اسجنوهن) ولو كان الإمساك سجنًا أو حبسًا لما قال في العلاقة بين الزوجين ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ البقرة (229).
فقوله (فأَمْسِكُوهُنَّ) يدل على أن تجلس المرأة في البيت ولا تخرج منه إلا بمرافقة أحد من أهلها؛ حتى لا تعود إلى الفعل نفسه أو يلاحقها الناس بالسب أو القذف ويُفتضح أمرها، وهذا الإمساك قد يجعل الله تعالى له سبيلًا للخروج إن علم صدق توبتها فلربما أرشد إليها من يتزوجها وربما سافرت الأسرة إلى مكان آخر لا يعلم أحد عنها وتمارس حياتها بشكل طبيعي ولا تستطيع العودة للرزيلة أو قد تتوفى بعد توبتها وحسابها على ربها ﴿حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾
مع ملاحظة أنه تعالى لم يقل في حقهن بالإيذاء؛ لعلمه سبحانه أنه ربما يتجبر عليها الأهل فتضرب أو تعنف تحت مسمى الإيذاء واختار لهن المكوث في البيوت ويمكنها الدراسة فيه ويرافقها أحد للاختبارات.
- ثم جاء حكم الرجال ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النساء (16) ونجد أنه لا حاجة هنا للشهود فبمجرد رؤيتهما يفعلان الفاحشة فوجب الإيذاء والذي قد يكون بالجلد أو السجن حتى يتوبا عن الفعل وإن تكرر فيزيد الإيذاء والعقاب أو يغلظ كلما تكرر الفعل حتى ينتهوا عنه.
واختار تعالى هنا الإيذاء لنفعه مع الذكور إذ يصعب الإمساك بهم في البيوت وهم المسؤولون عن العمل والإنفاق.
- ثم إن التوبة في قوله ﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ يشمل كلا الرجل والمرأة ويؤكده قوله تعالى عقب الجزاء ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ النساء (17) فإن علم الأهل وتيقنوا من توبة المرأة فلها مطلق الحرية أن تفعل في نفسها ما تشاء.
وختامًا: هذا هو الفرق بين حكم الله تعالى وبين حكم الجاهلية الذي سار عليه أكثر المذاهب وتمتلئ به كتبهم ومجلداتهم والذين فرقوا فيه بين جزاء المرأة والرجل وافتروا مضاعفته لها دونه، فلا حجة بعده لقولنا بكثرة الخبيث ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ الأنعام (116).
وقد تبين بالدليل من كتاب الله تعالى أنه من فعل السيئات (ذكرًا كان أم أنثى) ومات على كفره أو معصيته ولم يتب فهو ملعون مطرود من رحمته، وأما من تاب في الدنيا قبل موته فيزول عنه غضبه تعالى ويتبدل برضاه وليس هذا فحسب بل ويبدل سيئاته إلى حسنات مصداقًا لقوله ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الفرقان (70) فالآية تدل على أن الزنا له توبة ككل الكبائر ولا فرق فيها بين ذكر وأنثى مصداقًا لقوله ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ غافر (40)
وعلينا الاختيار فـــ ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يوسف (108).


شرحك و تفسيرك للآيات سلس و واضح. و الآية توكد. حفظك الله و أرضاك. و الصدق في كلامك ظاهر و متأكد الله يثبتك و يرعاك أستاذة شيماء.. لقد بكيت.. شرح الله صدرك
والله تدمع عيني كلما قرأت أجوبتكم وأكاد أجزم أنها الأستاذة شيماء. رد رائع لا لبس فيه. جزاكم الله عنا كل خير، وهدى هذه الأمة إلى دينها الحقيقي وازال الظلم عن النساء لأني أعتقد أن المرارة التي يعشنها بسبب هذه التفسيرات البعيدة عن كتاب الله ودينه هي السبب في وصولهن لهذه المرحلة من الظن بالله الرحيم هذا الظن.
ما شاء الله كفيتم و وفيتم بالشرح الله يبارك لكم