السؤال:
السلام عليكم.. أصبح من المعروف كم الأضرار البيئية التي حدثت وتحدث بسبب ممارسات كثيرة منتشرة في وقتنا الحالي مثل صناعة البلاستيك واستعمال المبيدات وقيادة السيارات المعتمدة على الوقود الأحفوري إلخ… وهذه الأشياء أصبح من المستحيل تجنبها، وبالكاد يمكننا تقليل تأثيرها.
الآن سؤالي: ما هو حكم التعامل مع كل هذه الأشياء؟ فمثلا صناعة الملابس تؤثر بشكل من الأشكال في البيئة، فهل يحرم حينئذ شراء الملابس إلا للضرورة مثلا ؟
أو مثلا السيارات هل يحرم شراءها مثلا؟ أو يجب استعمالها في الضرورة فقط ؟
حتى العمل في المصانع يكاد يكون مستحيلا بدون أن تتسبب المصانع في الإضرار بالبيئة بشكل من الأشكال.
إلى غير ذلك من الحالات فما هو الحكم هنا؟.
أرجو أن يكون سؤالي واضحا، وشكرا لكم على موقعكم المفيد.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. شكرًا على سؤالك الواضح والمهم.
تأثير الأفعال البشرية على البيئة هو موضوع حديث ومهم، والوعي بأضرارها ضروري. من الناحية الشرعية، القاعدة العامة هي أن الأفعال التي تسبب الضرر تُعتبر غير مشروعة إذا كانت تؤدي إلى أذى بيّن أو إفساد في الأرض، ولكن هناك تفاصيل ينبغي أخذها بعين الاعتبار في مسألة التعامل مع الأمور الحديثة مثل السيارات وصناعة الملابس والبلاستيك والمبيدات وغيرها.
1_ قاعدة “لا ضرر ولا ضرار“:
من القواعد الأساسية في الإسلام أنه “لا ضرر ولا ضرار”؛ أي أنه لا يجوز للشخص أن يسبب الضرر لنفسه أو للآخرين. فإذا تبين أن ممارسة معينة تسبب ضررًا مباشرًا وجسيمًا للبيئة والناس، فقد يكون هناك إلزام ديني بتجنبها أو تقليلها بقدر الإمكان.
2_ ما غلب خيرُه شرَه:
هناك قاعدة قرآنية مهمة في الحكم على الأشياء المستحدثة مستنبطة من قوله تعالى: ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219] وهذه الآية وردت كتعليل لتحريم الخمر والميسر (القمار)، حيث يفهم منها أن ما غلب خيره على شره كان حلالا، وما غلب شره على خيره كان ممنوعا، إن صناعات الناس يعتريها النقص دائما ويستحيل فيها الكمال، لأن الكمال لله تعالى وحده، ولو نظرنا إلى التأثير الإيجابي للسيارات والمصانع وغيرها على حياة الإنسان وقضاء مصالحه لتبين لنا أنها أهم من الأثر السلبي على البيئة، ومن هنا يحكم بجواز استخدامها. ومع ذلك، ينبغي العمل على تقليل الأثر السلبي بقدر الإمكان، وهذا يقع على عاتق المنتجين أولا وعلى المستهلكين ثانيا، فالمنتجون يقع عليهم تطوير منتجاتهم بما يخفض من تأثيراتها السلبية على البيئة، والمستخدمين بتقليل استخدام سيارتهم الخاصة قدر الإمكان أو استخدام وسائل نقل صديقة للبيئة إذا توفرت، أو الاعتماد على وسائل النقل العامة.
3_ شراء الملابس والمنتجات الأخرى:
صناعة الملابس واستعمال الأدوات البلاستيكية أيضًا تسبب ضررًا بيئيًا، لكن لا يصل ذلك إلى درجة التحريم، لأن الضرر الذي يترتب عليها يمكن اعتباره من قبيل الأمور التي يصعب تجنبها. ولأن المنافع المتحصلة من تلك الصناعات أهم من التأثير السلبي لها، ومع ذلك، يُستحب الحرص على تقليل استهلاك المنتجات الضارة بالبيئة عندما يكون ذلك ممكنًا، مثل دعم المنتجات المستدامة أو إعادة استخدام الملابس بدلاً من شراء جديدة بشكل مفرط.
ولا ننسى أن الإسراف مذموم بشكل عام كما جاء في قوله تعالى:
﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]
4_ العمل في المصانع:
العمل في المصانع التي تؤدي بشكل غير مباشر إلى أضرار بيئية ليس محرمًا في حد ذاته، خاصة إذا كان الشخص لا يستطيع تجنب ذلك أو يعتمد على هذا العمل لكسب رزقه. ولكن إذا كانت هناك بدائل أكثر استدامة أو أعمال لا تسبب أضرارًا بيئية، فقد يكون من الأفضل اختيارها. وفي حال لم تكن هذه البدائل متاحة أو معقولة، فإن الاستمرار في العمل يكون جائزًا.
الخلاصة:
- لا يحرم استخدام أو شراء المنتجات مثل الملابس والسيارات، ولكن يُفضل أن يقلل المسلم من الأضرار البيئية بقدر ما يستطيع.
- من المهم البحث عن وسائل وتقنيات تقلل من الضرر البيئي إن أمكن، مثل اختيار منتجات صديقة للبيئة.
- ما دام الضرر غير مقصود أو لا يمكن تفاديه بالكامل، فإن الإسلام يُراعي الضرورات وحاجات الناس.
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على مقالة د. جمال نجم (دور الإسلام في المحافظة على البيئة) في الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=2556