السؤال:
هل يمكن أن يدخل المسيحيون الجنة؟ فأنا أرى الكثير منهم من تكون أفعاله موافقة للإسلام بدون أن يكون مسلما، فأجد في نفسي الشفقة عليه؟ وأتساءل لماذا قد يدخلوا النار وهم ولدوا ووجدوا أنفسهم على غير الإسلام؟ أعلم أن الشخص له كامل الحرية لأن يختار الدين غير الذي ولد عليه، ولكن هذا أمر صغب للغاية!! فهل يمكن أن يرحمهم الله و يدخلهم جناته؟.
الجواب:
الكفر لغة: هو الستر والتغطية، واصطلاحا: التعامي عن قبول دين الله تعالى، ولأن الكافر يغطي حقيقة الإيمان التي في قلبه سمي كافرا، فالكفر لا يكون إلا بعد معرفة الحق وستره بقصد تجاوزه.
لا يُطلق القرآن الكريم لفظ الكافر على غير المسلمين بالجملة، ولكن على من انطبق عليهم صفة الاستكبار والعناد ومعاداة المسلمين، ويمكن أن نرصد من وصفهم الله تعالى بالكافرين بالنقاط التالية:
1_ من أنكر آيات الله تعالى بعدما قامت عليه الحجج ولم يبق لديه شكوك بصحة ما يُدعى إليه، قال الله تعالى عن فرعون وملائه:
﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 13-14]
فالآية تربط بين جحودهم وظلمهم وإفسادهم.
و يقول الله تعالى عمن يتولى عن قبول الحق بعدما يظهر له جليا:
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ. يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [النحل: 82-83]
﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ، فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾ [العنكبوت: 47]
2_ الذين يصدون المؤمنين عن دينهم عبر التلاعب بالنصوص والتفريق بين الله تعالى ورسله:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا. أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا، وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: 150-151]
3_ الذي يأبى الامتثال لأمر الله تعالى ويستكبر، كما كان حال إبليس:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34]
فكل من ردَّ أمر واحدا من أوامر الله تعالى استكبارا وعنادا فإنه يعد كافرا، ومن الملاحظ أن إبليس لم يعص الله تعالى إلا بالسجود لآدم، ولأنه أصر على عصيانه تحول من ملك مقرب إلى شيطان رجيم.
4_ الذين يحاربون المسلمين في دينهم:
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 2]
ومعلوم أن حرب مشركي قريش على النبي والمؤمنين معه كانت حربا على الدين، لذلك وصفهم الله تعالى بالكافرين.
أما إن كانت الحرب على المسلمين ليست بسبب دينهم كأن تكون حربا حدودية أو على المصالح فلا يطلق على العدو حينئذ وصف الكافر.
لقد فرق الله تعالى بين غير المسلمين من حيث قربهم وبعدهم عن المسلمين بقوله تعالى:
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى، ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: 82]
وقد فرق الله تعالى بين أهل الكتاب، فذكر أن منهم أمة مؤمنة بوحدانية الله تعالى وتعمل الصالحات:
﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 113]
نفهم من الآية أن هذه الأمة من أهل الكتاب لا ينطبق عليهم أوصاف الكفار بل اعتبرتهم الآية أنهم من الصالحين، فإن مات أحدهم وهذه حاله لكن دون أن تصل إليه رسالة الإسلام وتقوم عليه حجتها فهو من أهل الجنة.
والواجب على المسلمين أن يوصلوا رسالة الله تعالى إلى الناس كافة لا سيما النصارى (المسيحيين) باعتبارهم الأقرب مودة للمسلمين، ويبلغوهم إياها بالطرق المشروعة، وبإظهار القدوة الحسنة لهم.