السؤال:
أريد الاستفسار حول تفسير آية (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان)، منهم من يقول نكاح الحور العين، ومن جهة أخرى في تفسير (وزوجناهم بحور عين) يقولون لا يوجد نكاح وتعني الاقتران لأنها لم تأت (وزوجناهم حورا) كما في آية (لما قضى زيدا وطرا زوجناكها)، أرجو إفادتي حول التناقض في التفسيرات و شكرا لكم على مجهوداتكم.
الجواب:
الحور العين تطوف على المؤمنين والمؤمنات على حد سواء كما يفعل الولدان المخلدون، فليس أحدهما خاص بالرجال دون النساء، بل هما مما حبا الله تعالى به المؤمنين جميعا رجالهم ونسائهم من النعيم في الجنة. يقول الله تعالى:
﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ… وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ. جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الواقعة 17-24)
يُفهم من الآية أنَّ الولدان المخلدين والحور العين كلاهما يطوف على أهل الجنة يخدمونهم جزاء بما عملوا من الصالحات في الدنيا.
فالحور العين _كما بينت الآيات_ هي للذكور والإناث على حد سواء، والحور ليست نساء خلقهن الله تعالى لمتعة الرجل كما يزعمون، بل إنهن خدم في الجنة خلقهن الله تعالى للمؤمنين ذكورا وإناثا، وكلمة (زوجناهم) في قوله تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ (الطور 20) لا تعني النكاح، بل تعني التزواج الذي هو الاقتران، فالزوج هو المقترن بالشيء ولا تقال فقط على النكاح أو الزواج.
يقول الأصفهاني وقوله تعالى: ﴿وزوجناهم بحور عين﴾ أي: قرناهم بهن، ولم يجئ في القرآن زوجناهم حورا، كما يقال زوجته امرأة، تنبيها أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة[1].
وقد ذهب أكثر المفسرين على أنه لا عقود زواج بالحور، وأن المراد: قرناهم بهم[2]
فالحور خدم لأهل الجنة كالولدان المخلدين يطفن على أهل الجنة مثلهم، ولكن الفرق بينهما يكمن في أن الحور يطفن على أهل الجنة في القصور والخيام فيكن أكثر التصاقا بأهل الجنة وهذا مدلول قوله تعالى (وزوجناهم)، أما الولدان المخلدون فيطوفون عليهم خارج قصورهم وخيامهم، لذلك لم يستخدم لفظ (زوجناهم) عنهم لأنهم خدم غير لصيقين بهم.
أما قوله تعالى ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ (الرحمن، 56)
فأصح المعاني في ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ﴾ أي لم يذللهن إنس قبلهم ولا جان ، لأن الطمث يأتي بمعنى التذليل كما نقله الماوردي عن المبرد .
وبحسب هذا المعنى تكون الحور العين لم يسبق لها أن خدمت غير المؤمنين في الجنة، وهذا من تمام التكريم لهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المفردات، للراغب، كتاب الزاي، باب زوج
[2] التفسير المنير للزحيلي، 25/241