السؤال:
هل يمكن للأم أو الأب أن يعترضا على زواج الابن أو الابنة ممن يحبونه بناء على مشاعرهم فقط دون تقديم أي سبب وجيه؟ فإذا قال أحد الوالدين “هو غير مناسب لنا” وعارض هذا الزواج، فكيف يتصرف الأبناء؟
الجواب:
على الرغم من أن أمور النكاح في كتاب الله تعالى وما يتعلق به ويترتب عليه من المطالبة بالصداق وحفظ الحقوق موجهًا القول فيه إلى ولي الأمر حين طالبهم الله تعالى بتيسير النكاح على أولادهم وعدم اعتبار المال أو فقر الزوج عائقًا إن كان صالحًا في قوله تعالى:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ النّور (32)
ولكن في الوقت نفسه لم يترك الله تعالى الأمر برمته في يد الوالدين، حيث يعلم من خلق، ويعلم أن هناك من الآباء من يقفون أمام رغبة بناتهم في نكاح من أردن وتميل له قلوبهن، ولذلك أعقب الآية السابقة بقوله جل وعلا:
﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ النّور (33)
وقد نهى هؤلاء الآباء أن يضطر أحدهم ابنته أن تعصيه وتتزوج ممن أرادت بعيدًا عنه أو يجرفها هواها وتنساق وراء الشيطان فتقع فريسة لأصحاب النوايا السيئة ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا..﴾
وقد بيَّن تعالى أن من أرادت التحصن بالزواج ورفض والديها أو أحدهما وتزوجت دون رضاهما فإنه تعالى يغفر لها ذلك وهو الغفور الرحيم.
البغاء في الآية من البغي وهو تجاوز الحد، والمقصود تجاوز ولي أمرها في النكاح، لأن موافقة ولي الأمر مطلوبة شرعا، لكن ليس له المنع دون سبب وجيه، حيث إن السبب الوجيه المعتبر في رفض الخاطب هو أن يكون زانيا أو مشركا لقوله تعالى:
﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ النور (3)
وامتثالًا لأمره تعالى بالتيسير ونهيه عن إكراه الفتيات على معصية والديهن ينبغي على الوالدين أن يكونا عونًا لبناتهم وسندًا لهن في تحقيق رغباتهن في النكاح بمن يردن حتى لو لم يكونوا راضين تمام الرضا، وليتركوا بناتهم يعشن كما يشأن وذلك بعد تقديم النصح لهن، ليخضن تجربة النكاح تحت إشرافهم ومعاونتهم متحملين نتيجة اختيارهن مهما كانت، حتى لو فشلن وكانت النتائج سلبية فسوف يتعلمن من أخطائهن ولا يتعرضن لخسارة الزوج والأهل معًا؛ حيث أن وجود الأهل بجانب الأبناء يكون دافعًا قويًا لهم نحو الصواب ويشدد من أزرهن لتصحيح الأخطاء واجتنابها والسير نحو طريق الرشاد. يوجه الله تعالى ولي أمر الفتاة الراغبة بالزواج بما يلي:
﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة (232)
وفي الوقت نفسه كذلك على الأبناء والبنات في هذه الحالة أن يرفقوا بآبائهم الذين يريدون مصلحتهم، وإذا أصروا على نكاح من يريدون دون موافقتهم فليكن بالمعروف دون الإساءة إليهما ولا يتوانوا في برهما والإحسان إليهما امتثالًا لأمره تعالى:
﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لقمان (15)
وعلى الفتيات حال رفض الوالدين وتعاسرهما أن يلجأن إلى من سواهما من الأهل والأقارب كالجد أو العم أو الخال أو الأخ أو أحد أبنائهم ليحل محل الأب في إتمام النكاح والاتفاق على الشروط والولاية عند العقد وإن لم يوجد أحد منهم فليكن الحاكم/القاضي أو أحد كبار القوم، واختيار الشهود العدول للحفاظ على حقوقها التي أمر تعالى بها ولا سبيل للتنصل منها أو التخلي عنها صونًا للفتاة وكرامتها وعفتها.
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:
الولاية في النكاح https://www.hablullah.com/?p=1462
دور الوليِّ في النِّكاح https://www.hablullah.com/?p=5026
زواج الفتاة دون إذن أبيها https://www.hablullah.com/?p=1435
الباحثة: شيماء أبو زيد