حبل الله
ما هو مستند نبينا الكريم في تحليله لميتة البحر؟

ما هو مستند نبينا الكريم في تحليله لميتة البحر؟

السؤال:

“الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه”.

قال تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (الأنعام:145).

إذا كان القرآن هو الوحيد المخول بتشريع الحلال والحرام فكيف نأخذ بالأحاديث التي تحلل وتحرم مثل الحديث الذي يتحدث عن الميتة من الجراد والحيتان وإن كان فكيف عُرف بأن السمك هو المقصود وليس الحيتان فقط؟.

الجواب:

يقرر القرآن الكريم أن الأصل في الأشياء الإباحة، وما نهى الشرع عنه فهو مستثنى من ذلك الأصل، فالمباح لا يلزمه دليل منفصل، لكن المحرم لا تثبت حرمته إلا بالدليل من كتاب الله تعالى.

يذكر القرآن الكريم ما يحرم أكله وشربه، فلا يُلزَم المسلم بتحريم غير ما حرم الله تعالى في كتابه، وقد ذكر ما يحرم أكله من لحوم الحيوان في الآيتين التاليتين:

{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنعام 145)

وهذه الآية نزلت في مكة حيث نصت على ما كان محرما على المسلمين وقتئذ، أما الآية التالية فكانت من آخر ما نزل في المدينة، وقد بينت المحرمات المذكورة في آية الأنعام وأضافت عليها غيرها:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ، ذَلِكُمْ فِسْقٌ} (المائدة 3)

نفهم من الآيات أن المحرم أكله من لحوم الحيوان هي:

الميتة: وهي التي فارقت الحياة بشكل طبيعي

الدم المسفوح: أي الذي يخرج من الحيوان المذبوح، أما الذي يبقى في العروق فغير محرم لأنه لا ينطبق عليه وصف المسفوح.

لحم الخنزير: فلا يحل أكله، أما الانتفاع من الخنزير في غير الأكل فلا بأس به.

الذي ذكر غير اسم الله عليه عند ذبحه: كأن يقال باسم فلان أو باسم القبيلة أو البلد أو المؤسسة أو غير ذلك.

الموقوذة: وهي الميتة بفعل الضرب، كأن يضربها أحدهم حتى تموت.

المنخنقة: وهي الميتة خنقا، كأن تعلق في حبل أو غيره فتموت نتيجة انقطاع النفس عنها.

المتردية: وهي الميتة بسبب سقوطها من الأعلى.

النطيحة: الميتة بسبب ضربها من حيوان آخر.

المذبوح على النصب: وهي الأوثان وما يُعبد من دون الله تعالى.

وتبين الآية أنه إذا أُدركت الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع قبل أن تموت وذُبحت وماتت بسبب الذبح فإنه يجوز أكلها.

ولم يذكر القرآن محرمات غير ما في الآيتين، لذا فمن غير المعقول أن يحرم النبي شيئا غيرها وهو المأمور باتباع القرآن (الأنعام 106) وتبليغه (المائدة 67) وتعليمه للناس (الجمعة 2) والحكم به (المائدة 49) فيستحيل أن يحلل أو يحرم من تلقاء نفسه.

لكن هذا لا يمنع أن يمتنع المسلم عن طعام لا يحبه أو غير مستساغ في ثقافته الغذائية، ومن هنا نفهم امتناع نبينا الكريم عن بعض لحوم الحيوانات لأنه كان لا يستسيغها كامتناعه عن أكل لحم الضب[1]، وهو حيوان صحراوي ، وربما امتنع نبينا عن تناول لحوم السباع من هذا الباب أيضا، لكن يستحيل أن ينص على حرمة أكل لحمها في الوقت الذي يحدد الله تعالى فيه المحرم أكله من الحيوان التي ليس منها لحوم السباع.

أما لحم البحر فحلال أكله سواء أخرج حيا أو ميتا ولا فرق بين السمك وغيره. يقول الله تعالى:

﴿أُحِلَّ لَكُمْ ‌صَيْدُ ‌الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ..﴾ [المائدة: 96]  ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ ‌لَحْمًا ‌طَرِيًّا..﴾ [النحل: 14] 

فالآيتان لم تشترطا تذكية صيد البحر ولم تحرما طعامه، فصيد البحر يحل أكله بمجرد صيده، ولم يكن الناس عند نزول القرآن يذكُّون السمك عند صيده، ومع ذلك يستخدم القرآنُ ذات المصطلح دون أن يشترط التذكية. مما يدل أن مجرد الصيد تذكية له؛ فيحلُّ أكله بمجرد الاستحواذ عليه بطرق الصيد المختلفة.

وقد وصف سبحانه ما يُستخرج من البحر كالسمك وغيره باللحم، فكان مجرد استخراج السمك من البحر يعتبر لحما يحل أكله.

لذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر قال: “هو الطهور ماؤه، ‌الحل ‌ميتته”[2]

والحديث يشتمل على السمك وغيره من طعام البحر.

وقد اعتبر الصحابة أن مجرد الاستحواذ على السمك يُعدُّ تذكية له. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ:  «السَّمَكُ ذُكِّيَ كُلْهُ»[3].

وقد سُئل ابْنُ عُمَرَ عَنِ الْحِيتَانِ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَمُوتُ بَرْدًا، قَالَ: «لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ.. وقد جاء في الموطأ: إِذَا مَاتَتِ الْحِيتَانُ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ قَتْلِ بَعْضِهَا بَعْضًا، فَلا بَأْسَ بِأَكْلِهَا، فَأَمَّا إِذَا مَاتَتْ مِيتَةَ نَفْسِهَا فَطَفَتْ فَهَذَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَكِ، فَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ، فَلا بَأْسَ بِهِ[4].

وكراهة ما يطفو من السمك يعود لاحتمال أن يكون قد تعفَّن أو طرأ عليه تغيُّر قد يؤذي صحة آكله، فلا بد من الانتباه لهذا الأمر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر البخاري (5537)، ومسلم (1945)

[2]  مسند أحمد ط الرسالة (12/ 172) ورواه في سننه أبو داود (83) ، وابن ماجه (386) و (3246) ، والترمذي (69) ، والنسائي 1/50 و176

[3]  سنن الدار قطني، باب الصيد والذبائح والأطعمة (4725)

[4]  موطأ مالك،  بَابُ: السَّمَكِ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ  (650)

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.